خديجة عريب، اسم مغربي آخر يرتقي سلّم القيم الإيجابية بديار المهجر. وفي جغرافية أوروبية تعتبر منذ عقد من الزمان، من أصعب الجغرافيات الغربية قبولا بالأجنبي، خاصة العربي وبشكل أخص المغربي، هولندا، بالتالي، فحين تطلع صورة تلك السيدة المغربية في مقدمة المشهد السياسي هناك، بفضل فوزها برئاسة البرلمان الهولندي، فإن ذلك يعتبرانتصارا للمرأة المغربية، لجيل الهجرة الثاني، رغم قساوة مواقف اليمين المتطرف بذلك البلد، الذي جعل من الهجرة المغربية حصان طروادة ، من أجل إيجاد موقع قدم ضمن رقعة المشهد السياسي. فقد فجَّر اليمين المتطرف كل حمولاته العنصرية ، في هولاندا كما سبق أن فعل في فرنسا، على سبيل المثال لا الحصر ، ضد المرأة المغربية، وضد ما قدمته من نماذج رائعة عن قدرتها على النجاح. وقد استعاد اليمين وزعماؤه في هولاندا، مثلا التصريف العنصري للجنسية و للأصول المغربية للتدليل على عدم جدارتها برئاسة البرلمان الهولاندي، وهو في ذلك يلتحق بالركب المتطرف الذي يعتبر كل أجنبي خطرا وكل أجنبية حاملة لمشروع مناهض للحضارة الغربية. ويمكن اعتبار النجاح الذي يحققه العنصر النسوي المغربي دليلا مضاعفا على قدرة المغربيات على تجاوز الرؤيةِ الدونية التي عادة ما تسهر عليها القُوى المحافظة وتدفع الأسرة والمحيط العائلي إلى تبنيها وفرضها على أبنائها وبناتها في الخارج، كما هو انتصار حقيقي وفعلي ، وفي قلب الميدان ضد التوجهات اليمينية العنصرية. و لعل ازدواجية النصر تكتمل عندما تقدم أمثال خديجة عريب ونجاة بلقاسم ورشيدة داتي وغيرهن من المغربيات المقيمات في الحضارتين معا، وفي الهويتين معا: الاوروبية والمغربية، الصورة المغايرة لمن استطاعت آلة الشحن الاديولوجي والهوياتي القاتلة تحويلهن إلى مثال مضاد ودليل على صحة وصِدقية الطرح العنصري واليميني الحاقد، بدعوى احتضانهن للأفكار الإرهابية أو المساهمة في الأفعال الإرهابية، باسم الهوية والدين والانتماء الطائفي داخل المجتمعات المتعددة والمتفتحة. الحقيقة أن عريب وأخواتها قد اجترحن ما يشبه المستحيل السياسي هناك، إذ قدمت النموذج الدال على ما تستطيعه أجيال الهجرة المغربية (الثاني والثالث) من إمكانية لبناء المعنى الإيجابي ضمن تحدي الاندماج الثقافي والسياسي والاجتماعي في بلدان الهجرة. وهن بذلك، يعززن صفا من الكفاءات المغربية المشابهة، في لندن وباريس وروتردام وبرشلونة ومدريد وواشنطن وروما، بلغ بعضهن مناصب وزارية جد هامة، ومراكز قيادة حزبية ومراتب مسؤوليات علمية رفيعة. بل، أكثر من ذلك، فأن تفوز سيدة من أصول مغربية، بذلك المنصب الرفيع لرئاسة البرلمان الهولندي، أمام سطوة الصورة السلبية التي يؤثثُها فعل للتطرف ينفذه مواطنون أوروبيون آخرون من أصول مغربية (بسبب عطب في أسلوب الإدماج)، إنما يوازن عاليا من قيمة صورة المغربي عالميا. مما يؤكد أنه نموذج، ليس قدريا أن يكون فقط سلبيا. وحين يأتي ذلك من امرأة، فهذا له معنى آخرُ مفارق. وإذا كان فوز خديجة عريب، المناضلة اليسارية الهولندية، جزءاً من قصة علاقاتنا المغربية الهولندية، بشجرة أنساب ضاربة في التاريخ، تمتد رسميا لأكثر من 400 سنة، فإن خطوها خطو تاريخ، خطو انتصار للمعنى الإيجابي المخصب، في جغرافيات القيم مغربيا وأوروبيا. المخصب للأمل في أن الجميل ممكن في أشد لحظات اليأس بسبب اتساع مساحة التطرفات من هذه الضفة أو تلك. وبهذا المعنى، يمثل انتخابهن جميعهن، ليس مجرد انتصار لامرأة مغربية صاعدة من كماشة التحديات التنموية بالجنوب، بل انتصارا للأمل في أن النضال الديمقراطي السلمي، يزرع الأبقى في الفضاء التشاركي والتعاوني بين أوروبا وعمقها المتوسطي والعربي والإفريقي. وفي الضفة المغربية ، يعتبر نجاحهن درسا بأن مستقبلنا للإصلاح والتغيير، كامنٌ في القوة الإيجابية التي تمثلها المرأة ويمثلها الشباب المغاربة، لأنها قُوى معنية بذلك التغيير، صانعة له بالملموس في واقعنا اليومي. بالتالي، ها هنا، يكمن المعنى المتراكب بالعديد من عناوين الإيجابية والأمل، الذي يمثله فوز تلك المناضلة اليسارية المحترمة وأخواتها في أوروبا كما في المغرب.