الجميع كانوا بانتظار موقف منه إزاء إعدام عالم الدين السعودي الشيخ نمر باقر النمر مع 46 «إرهابيا» في مطلع هذا العام 2016. فهو أحد ضباع «الربيع العربي» الذين تثيرهم مناظر الأحمر القاني، وبرك الدماء التي يخلفها بعد مغادرته مقاعد المتفرجين في ميادين النزاعات. إنه المفكر الفرنسي «اليساري» اليهودي برنار-هنري ليفي، الذي لا يدع واقعة تفوته من دون المشاركة فيها أو تأجيجها أو استنكارها، ويبدي في كل منها رأيه المعلوم: ففي عام 1999، وقف إلى جانب «جيش تحرير كوسوفو»، ودعا في مقالاته إلى قصف صربيا بالطائرات. وبالفعل قام الناتو بقصف يوغوسلافيا 78 يوما وتم إسقاط نظام رئيس صربيا ويوغوسلافيا سلوبودان ميلوشوفيتش. ولكن ذلك لا يعني أن ليفي يحب المسلمين كثيرا، ففي عام 2005، نشر مع الكاتب البريطاني سلمان رشدي بيانا بعنوان «معا ضد التوتاليتاريا الجديدة»، انتقد فيه حملة الاستنكار الواسعة، التي عمت البلدان الإسلامية، ضد الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، والتي نشرتها إحدى الصحف الدنماركية. وكذلك «محاولات نشر نموذج الحياة الإسلامي في أوروبا». وهو يكن عداء خاصا لروسيا، بدا واضحا في شهر غشت 2008، عندما شنت جورجيا عدوانها على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وردت روسيا العدوان عليهما في ستة أيام. وكان ليفي في جورجيا، وأرسل ريبورتاجاته من هناك، وأجرى لقاءات مع رئيسها المتهور ميخائيل سكآشفيلي. ولدى بدء أعمال الشغب في مطلع فبراير 2014 في العاصمة الأوكرانية، لم يخف كرهه للروس، وأعلن تأييده للمتمردين على السلطة الشرعية برئاسة فيكتور يانوكوفيتش، في خطاب ألقاه من على منبر «يورو-ميدان» في كييف، ودعا فيه إلى الانقلاب على يانوكوفيتش، ونشرته في اليوم التالي صحيفة «لوموند» الفرنسية تحت عنوان «كلنا-أوكرانيون». وفيما بعد، دعا الرياضيين الأوروبيين في 18 فبراير 2014 إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية في مدينة سوتشي الروسية احتجاجا على «العنف» في كييف. وكان عرَّاب «الربيع العربي»، قد انتقل، في شهر مارس من عام 2011، إلى ليبيا، حيث شارك في المفاوضات مع «الثائرين» في بنغازي، ودعا دول العالم إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الحديث التشكيل. وفي وقت متأخر من الشهر نفسه أعلن مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن مبادرة للتدخل العسكري في ليبيا. ويقال إنه كان صاحب «الفضل الكبير في إقناع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بشن غارات جوية في هذا البلد العربي. أما في عام 2013، فقد بدأ دعايته الصاخبة ضد سوريا ورئيسها، حيث كتب، في 20 يوليو، إحدى مقالاته الدورية المناهضة للقيادة السورية تحت عنوان «أنقذوا حلب»، والتي دعا فيها إلى التدخل العسكري ضد «نظام بشار الأسد الدموي»، وهو لم يتخل حتى الآن عن حلمه بتكرار الأحداث الليبية المروعة في سوريا. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهي المرة الأولى، التي يبدي فيها رأيه تجاه ما يحدث فيها، فقد نشر مقالا بالفرنسية والإنكليزية قبل أيام، بعنوان» «أوقفوا السعودية!»، التي أصبح «سعارها الدموي يشكل خطرا ليس على شعبها فقط، بل على السلام في المنطقة والعالم»، وفق تعبيره. واتهم ليفي في مقاله الرياض أيضا بتأجيج حرب طائفية شعواء بين الشيعة والسنة، وإثارة النزاعات القديمة بين العرب والفرس على حساب محاربة العدو المشترك «داعش». وهو لذلك يدعو شركاء السعودية الغربيين إلى الامتناع عن بيعها الأسلحة وشراء النفط منها. برنار-هنري ليفي من ناحية لا يؤمن بأي شيء إنساني، ومن ناحية أخرى يستغل بمهارة كل المشاعر الإنسانية، ويصرخ صوت عال، مؤججا الرعب والمخاوف، ربما لأنه يهيم بالموت، ويثيره صوت انفجار القنابل. فإذا ظهر في مكان ما، فذلك يعني أن مسلخا بشريا سيبدأ عمله في الجوار، وأن الدماء ستتدفق هناك، هو نذير بالفتن المرعبة الكبرى وموقد نارها. وهو هنا لم يتغير. ولعل هذا التناقض في شخصيته يعود إلى أنه مفكر وفيلسوف «يساري» من ناحية، ومن ناحية أخرى هو سياسي يميني وصهيوني، وهو في ذلك يشبه كثيرا «اللبراليين» الروس.