من هو المؤلف الحقيقي وراء كل عمل فني جماعي؟ سؤال يطرح نفسه بحدة عندما يتعلق الأمر بالفنون الفرجوية ذات الطابع الجماعي، خصوصا بالنسبة لما بات يسمى الآن بالفن السابع. في كتابه جمالية وسيكولوجية السينما، يتناول جون ميتري، الناقد الفرنسي والخبير بعلم الجماليات في السينما، بكثير من الدقة هذا السؤال من زاوية معالجة خاصة تأخد بعين الإعتبارالظروف المادية والإقتصادية في عملية إنتاج أي عمل فني ما. من هو مؤلف الفيلم؟ سؤال لطالما تم مناقشته، لكن تبقى إشكالية السؤال مرتبطة أساسا بطريقة طرحه غير الصحيحة. بالفعل التساؤل حول هوية المؤلف يدفعنا لإعتبار أن جميع الأفلام تم إنجازها أو إخراجها بنفس الطريقة وحسب قواعد وأساليب متطابقة. ولكن الجانب الذي غالباما يتم إهماله في هذا الطرح هو الظروف المادية للإنتاج السينمائي. في «سيكولوجية السينما»، المقال الذي أسال الكثير من الحبر، لأنه يعرض بطريقة واضحة مجموعة من الأشياء التي يقتصر على فهمها سوى المتخصصون، يعلق الكاتب الفرنسي أندريه مالرو مستنتجا «على أي حال، تبقى السينما في نهاية المطاف صناعة». إن عبارة «على أي حال» تعكس في مضمونها رفضا مطبوعا بشيء من الإزدراء لحقيقة بقدر ما هي جلية بقدر ما هي مخيبة للآمال. هي أن من كل هؤلاء الذين يعتبرون السينما كفن والذين يهتمون أو بالأحرى لا يهتمون سوى بالظروف التي تجعل من السينما على ما هي عليه.أي السينما كفن. إذا كنت أستمع فقط لأحاسيسي، سوف أدافع عن نفسي بإعتبار أي شيء سوى هذه القيمة التي تشكل نقطة قوة داخل أي فيلم. ولكن بالرغم من أن صناعة السينما و متطلباتها غالبا ما تكون معاكسة لمتطلبات الفن، يجب الإعتراف بكل موضوعية أنه لو لم تكن السينما صناعة لما كان لها أي فرصة لتكون فنا، لأنه ببساطة لن تكون السينما قادرة على البقاء. إن عملية إنتاج الأفلام تتطلب توظيف وسائل ضخمة، و ما من ثروة سوف تكفي إذا ما تم إنفاقها أو تسخيرها فقط من أجل خدمة الفن. فقط وحدها الإيرادات التي تسمح بضمان إستمرارية عملية الإنتاج، وأي تطور كان تقنيا أو فنيا، فكلاهما يخدم الآخر. و تجدر الإشارة إلى أن السينما لم تكتسب استقلاليتها كفن إلا عن طريق فرض نفسها كصناعة. تجاهل هذه الحقيقة يحجب عن أبصارنا رؤية الأشياء الأكثر جلاءا و بداهة. ولكن لا يمكن تجاهل أيضا حقيقة أن السينما لا تستطيع أن تكون صناعة إذ لم تكن فنا عرضا فنيا و سردا بصور متحركة. إذا يجب أن تكون هذه الصناعة عقلانية و واعية بإلتزاماتها وإحتياجاتها، ولا تحاول قط بطريقة عمياء، خنق أو شل القيمة التي تبرر وجودها، رغم أنه يجب عليها أحيانا كبح جماح الإفراط. تستمد السينما مشروعية وجودها من خلال رسالتها الموجهة أساسا لجمهور واسع. في هذه الظروف لا يمكن للأعمال الفنية إلا أن تكون إستثنائية. إن تزايد عدد الأعمال الفنية راجع بالأساس الى إرتفاع أعداد المتفرجين، و خاصة للأهمية التي يوليها الجمهور المثقف اليوم للأشياء المرتبطة بالشاشة و الذين يشكلون لحد الآن أقلية صغيرة. وصل الإنتاج اليوم بفضل التصنيع الى مستوى جودة مقبولة تضمن الى حد ما قيمة للفرجة. إذا كانت الأفلام الرديئة رائجة اليوم، فردائتها مرتبطة عادة بمضمونها و ليس بشكلها، والأفلام الرديئة جدا، أي التي يتم إنجازها بطريقة سيئة جدا، أصبحت الآن أكثرة نذرة. السينما كصناعة ترتكز على قاعدة أساسية مفادها أن كل فيلم فهو نتاج لعمل جماعي. ولكن إذا كانت مجموعة من التقنيين مضطرة لحل مشاكل معينة، السؤال يطرح دائما في مجمله من طرف شخص واحد. يعني أنه يوجد فقط شخص واحد الذي يطرح هذا السؤال و هو فقط الذي يوجه السؤال الى الوجهة التي يريد. إن القول بأن الفيلم هو منتوج جماعي، مع ترك انطباع أن الشخص المؤلف هو نفسه الذي يجسد هذه الجماعة (collectivité) هو ضرب من العبث و خلط بين الأشياء. الكاتدرائية هي نتاج لعمل جماعي ولكن ليست بمؤلف جماعي. ليس لديها سوى مؤلف واحد، هو الشخص الذي وضع الرؤيا والفكرة والتنظيم لهذا الصرح الفني، أي المهندس. يبقى الآخرون، مهما كانت مواهبهم أو درجة تعاونهم، مجرد أشخاص منفذون. بدون شك يبقى الرسام الذي رسم المرايا، والنحاث الذي نحث التماثيل، هم المبدعون الوحيدون لهذه المرايا والتماثيل، لكنها تبقى في نهاية المطاف مجرد أدوات تزيين، تم تحديد وضعيتها ومقاساتها ومستلزماتها مسبقا من طرف المهندس. هذه الأجزاء تعتبر مجرد إضافات الى التحفة الفنية ولكن لا تشكل جوهرها على الأقل ليس كبنية أصلية تندمج فيها ليس إلا . بالرغم من استعانتة بمجموعة من البنائين لبناء قصر فرساي يبقى هاردوين مانسارت (Hardouin‑Mansard). هو المسؤول الوحيد على إبداع هذا العمل الفني . الفيلم له أيضا مؤلف، يبقى فقط أن نعرف من هو. (*) أستاذ اللغة الأنجليزية وطالب باحث مهتم بعلاقة الأدب والسينما