أقدم رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران في بحر هذا الأسبوع، وبشكل انفرادي، على طرح نسخته النهائية لإصلاح التقاعد الخاص بالصندوق المغربي للتقاعد على أنظار نواب الأمة، خلال الجلسة الشهرية الخاصة بالسياسات العمومية، وهي نسخة «منقحة ومزيدة» مقارنة مع صيغ الإصلاح التي روجت لها الحكومة في عدة مناسبات سابقة، حيث تم التراجع عن رفع سن التقاعد إلى 65 سنة واستبداله ب 63 سنة، كما طرح رئيس الحكومة أجندته الخاصة لتطبيق هذا الإصلاح برفع سن الإحالة على التقاعد إلى 61 سنة ابتداء من فاتح يناير 2017، وإلى 62 سنة ابتداء من فاتح يناير 2018، ثم إلى 63 سنة ابتداء من فاتح يناير2019 . وقد أثارت هذه الخرجة الانفرادية لرئيس الحكومة غضب جميع النقابات التي اعتبرت أن بن كيران عمد بخطوته هذه، إلى تهريب الملف من مكانه الطبيعي الذي هو اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وتسرع بتقديمه قبل أن ينضج النقاش حوله إلى قبة البرلمان، دون الأخذ بعين الاعتبار للحد الأدنى من التوافق الوطني الذي يقتضيه إصلاح التقاعد. عبد الحميد فاتحي الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل يرى في هذه الخرجة الانفرادية لرئيس الحكومة تجاهلا كليا لمسلسل النقاش الطويل الذي استغرقته اللجنة الوطنية لإصلاح التقاعد منذ قرابة 10 سنوات. واعتبر فاتحي أن رئيس الحكومة لم يتجاهل فقط النقط الرئيسية التي توافقت حولها اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وإنما ضرب عرض الحائط بكل الخلاصات والتوصيات الصادرة عن المؤسسات الوطنية التي قدمت مشورتها حول هذا الملف الوطني الذي هو ملف جميع المغاربة وليس ملكا للحكومة، ومن ضمنها أساسا خلاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للحسابات والمندوبية السامية للتخطيط..بالإضافة إلى توصيات المكتب الدولي للشغل. وأوضح الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل أن أعضاء اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد الذين ظلوا ينادون بشمولية إصلاح الملف برمته، فوجئوا بهذا الطرح التجزيئي الذي جاءت به الحكومة والذي يقف عند إدخال بعض التعديلات التقنية على نظام الصندوق المغربي للتقاعد واستثناء باقي الصناديق ، والحال أن الاتفاق داخل اللجنة الوطنية كان قد رسا على ضرورة مباشرة الإصلاح الشمولي للصناديق الأربعة بداية من 2016 في سبيل المرور التدريجي إلى نظام القطبين، غير أن الصيغة التي جاء بها بن كيران تقفز على كل هذا وتفرض أجندة خاصة بالصندوق المغربي للتقاعد يمتد تنفيذها إلى أفق 2019 ، قبل العودة إلى النظر في وضعية باقي الصناديق التي لا تقل خطورة عن حالة CMR كما هو الحال بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والذي بات ينتج معاشات تكرس الفقر المدقع.. ويرى فاتحي أن صيغة الأمر الواقع التي جاء بها رئيس الحكومة في هذا الملف، مستقويا بأغلبيته الحكومية، تفتح الباب على مصراعيه لتوترات اجتماعية ظلت البلاد في غنى عنها. وتلقى الرتوشات التقنية التي وردت في مقترح الحكومة لإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، معارضة شديدة من قبل جميع التمثيليات النقابية خصوصا وأنها تمس مباشرة الوضعية المادية للأجراء دون أن تمنح في المقابل إجراءات عملية لتخفيض التكاليف الاجتماعية و إعادة النظر في الضريبة على الدخل بالمقابل اقتصر الطرح الحكومي على 4 ميكانزمات تقنية تتلخص في الزيادة في سن الإحالة على التقاعد والزيادة التدريجية بمعدل 4 نقط في الاقتطاعات، وتقليص النسبة المئوية لاحتساب المعاش من 2.5 إلى 2 في المائة وأخيرا احتساب المعاش على أساس 8 سنوات الأخيرة بدل أخر معاش..وهذه كلها إجراءات تعتبرها النقابات جد مجحفة. وأضاف فاتحي:«نتشبث في الفيدرالية الديمقراطية للشغل بما جاء في اللجنة الوطنية لإصلاح التقاعد، وما جاء به المجلس الاقتصادي والاجتماعي للنظام الجماعي لاحتساب المعاش». وختم عبد الحميد فاتحي أن رئيس الحكومة يحاول أن يمرر إصلاحه بمفرده بالزيادة في الاقتطاعات للموظفين والموظفات والمس بالقدرة الشرائية للمواطنين، ونحن مع قانون إطار قطبين، قطب القطاع العام وقطب القطاع الخاص. من جهته قررت الحركة النقابية المغربية التصعيد ضد حكومة عبد الإله بنكيران، بتجميد أعضائها من كل المؤسسات باستثناء مجلس المستشارين، ويتعلق الأمر بالتمثيلية النقابية داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والوكالة الوطنية للتشغيل والمكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل ومجلس طب الشغل والمجلس الأعلى للوظيفة العمومية ومجلس المفاوضة الجماعية . كما قررت النقابات رفع شكاية لدى المكتب الدولي للعمل BIT وتنظيم لقاءات مع الأحزاب السياسية المغربية لشرح مواقف الحركة النقابية من الحكومة، لكي تتحمل هذه الاخيرة مسؤوليتها في ملف الحوار الاجتماعي وإصلاح نظام التقاعد، كما اتخذت الجبهة النقابية قرار الاعتصام أمام البرلمان يوم 12 يناير المقبل. وتأتي هذه الخطوة التصعيدية ضد الحكومة، في الوقت الذي لم تستجب فيه هذه الأخيرة إلى مطالب الشغيلة المغربية التي خاضت إضرابات قطاعية ومسيرات، وجمّدت الاتفاقيات السابقة، وتصدّت لمشروع قانون إصلاح التقاعد، وتحقيق مطالبها النقابية المتمثلة في الزيادة العامة في الأجور ومعاشات التقاعد، وتخفيض الضريبة على الأجور، وتحسين الدخل، ورفع سقف الأجور المعفاة من الضريبة إلى 6000 درهم، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، وتنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق 26 أبريل 2011، واحترام مدونة الشغل، وفتح مفاوضات قطاعية للوصول إلى اتفاقيات جماعية.