إعادة انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    جمعية الصحافة الرياضية تستعد لاستقبال مؤتمر الاتحاد الدولي    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    انطلاق انتخابات تشريعية في ألمانيا تحت ضغط اليمين المتطرف وترامب    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    هل الحداثة ملك لأحد؟    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    توقيف ثلاثة أشخاص بشبهة نشر محتويات عنيفة    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مؤتمر دولي مغربي لنموذج محاكاة الأمم المتحدة    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    الميلودي موخاريق يقود الاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا هبت رياح الحداثة على المغرب...من بوابة طنجة


-1-
لربما تكون مدينة طنجة، بموقعها الحضاري / التاريخي / الجغرافي، المطل على القارة الأوروبية، من الأسباب التي جعلتها، من أكثر المدن المغربية استيعابا لمفاهيم «الحداثة» وتقاربا مع قيمها الثقافية والفنية والاجتماعية...والحضارية عامة.
على فضاء هذه المدينة، التي استقطبت مبكرا أفواجا من الأدباء والفنانين والسياسيين والتجار والمقاولين الغربيين / أوربيين وأمريكيين، ظهرت العلامات الأولى لقيم الحداثة ومفاهيمها كما هي في العالم الحديث، إذ سبقت بذلك كل المدن العتيقة بالمغرب الراهن.
على فضاء هذه المدينة، تم ظهور أول جريدة ورقية مغربية (سنة 1907)، وتم ظهور أول فنان تشكيلي مغربي / محمد بن علي الرباطي (سنة 1908)، وتم تشييد أول مسرح حديث بالمغرب / مسرح سيرفانطس (سنة 1913) وتم تأسيس أول فريق رياضي مغربي لكرة القدم ( سنة 1914) وأول قاعة للعرض التشكيلي (سنة 1917).
وعلى فضاء هذه المدينة، تم تأسيس أول فندق مصنف بالمغرب، وأول مقهى مصنفة، وأول حانة مصنفة بالمغرب أيضا.
وعلى فضاء هذه المدينة، تم تشييد أولى المؤسسات البنكية المغربية والدولية، وأولى الشركات التجارية والصناعية والسياحية وعلى فضائها أيضا تم فتح أولى سفارات العالم الحديث بالمغرب، وأولى مؤسسات التواصل والبريد بالمغرب نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين.
وثقافيا، لا يمكن أن ننسى أن مدينة طنجة هي المدينة الأولى بالمغرب التي عرفت إذاعة حرة / (إذاعة طنجة). وهي الأولى التي أعطتنا «رواية» عالمية / رواية الخبز الحافي لمحمد شكري، التي استقطبت القراء والمترجمين من حوالي أربعين دولة.
-2-
هكذا شكلت مدينة طنجة مدخلا أساسيا للحداثة بالمغرب الجديد، ليس فقط لأنها استقطبت قامات إبداعية / ثقافية غربية في نهاية القرن التاسع عشر، و مطلع القرن العشرين، ولكن أيضا لأنها فتحت ذراعيها على المدارس والاتجاهات والمفاهيم الثقافية الحديثة، التي وضعت مدينة طنجة، في موقع ريادي / لا يمكن الاختلاف حوله.
لذلك سيكون من السهل على الباحث / الملاحظ، لمس التطورات التي عرفتها هذه المدينة ،خلال هذه الفترة من التاريخ وهو ما يوازي من حيث قيمته، الانعكاسات التي تحكمت في تحديد هوية هذه المدينة، وشخصيتها ورؤاها الاجتماعية، ونعني بذلك التطورات الاقتصادية والسياسية التي برزت انعكاساتها، على الإنتاج في فضاءات جديدة / حداثية بمفاهيم وأشكال جديدة، والذي عكست بسرعة وقوة أساليب مغايرة لأنماط الحياة في مغرب القرن العشرين، كما عكست موقعها من وضع المغرب الجديد على الخريطة الإنسانية.
لا نستطيع أن ننفي هنا، الدور الإيجابي الذي لعبه الفنانون والأدباء والسياسيون والإعلاميون الغربيون، الذين اتخذوا من عاصمة البوغاز / طنجة موقعا لهم حتى قبل أن تتحول إلى عاصمة للسياحة، شمال المغرب سواء من حيث تنشيط الحركة الثقافية الحديثة، أو من خلال إعداد أجيال جديدة من الأدباء والفنانين المغاربة، مدمجين في مناهج الحداثة وأساليبها العولمية، أو من حيث إذكاء تجاربهم الإبداعية، وإعطائها وجها جديدا ومشرقا محليا وعالميا.
إن رائد الفن التشكيلي الحديث، محمد بن علي الرباطي ( 1861-1939) كرائد الرواية المغربية الحديثة محمد شكري ( 1935-2003 ) لا يشكلون فقط أسماء عابرة في تاريخنا الثقافي، إنهم مؤسسون لثقافة جديدة / وضعوا المغرب على قائمة الحداثة في المجال الثقافي بالعالم الحديث.
ولاشك، إن حتمية الأخذ والعطاء، كما تحكمت في الفكر والأدب والعلوم الإنسانية خلال هذه الفترة الحالكة من التاريخ بمدينة طنجة، تحكمت في الصناعة والتجارة والسياحة...وفي الإبداعات البصرية واللغوية، التي ازدادت على أرض هذه المدينة العتيقة، بل أن هذه الإبداعات والصنائع هي متعددة ومتنوعة وذات مرجعيات وطنية وعالمية، مختلفة / متداخلة ومتشابكة، كانت المحور الأساسي لكل أخذ ولكل عطاء، على فضاءاتها.
إن الحركية المتطورة للثقافة والفنون والصناعة والتجارة، المتمثلة فيما احتضنته مدينة طنجة، خلال العقود العشرة الماضية، من إبداعات ومبدعين، من صناعات وصناعيين وحرفيين، مرت / تمر بمرحلة غنية، بما تحفل به من أسماء ومدارس واتجاهات وأساليب وقيم حضارية، حيث استطاعت في هذا الظرف التاريخي، التجدر في الطموحات، وفي مختلف التناقضات التي عاشها / يعيشها المجتمع المغربي، قبل وبعد فترة الحماية، والانتقال بهذه المدينة التاريخية من مجرد موقع حضري، إلى موقع حضاري، يساهم بفعالية في التغيير والتنمية والتحديث والبناء القومي.
إن التطور الاجتماعي / الاقتصادي / السياسي / الثقافي الذي عرفته مدينة طنجة خلال القرن الماضي، مع حلول البعثات الغربية التي حملتها رياح الحماية خلال القرن المنصرم، قد غير كثيرا من الرؤى الجمالية في هذه المدينة، وانعكس على الصناعة والتجارة والتعليم، كما انعكس على الثقافة والفنون البصرية، وعلى تطور المفاهيم، مما جعل هذه المدينة تتكيف وتتفاعل مع الأنماط الجديدة للحياة الاقتصادية والثقافية التي رافقت هذه البعثات، وهو ما أعطاها في نهاية المطاف منحى دلاليا له أكثر من علاقة بقضية الوجود والكرامة والحرية، إذ انصبت خلال هذه الفترة من التاريخ، اهتمامات العديد من المبدعين المغاربة بهذه المدينة على طرح أسئلة راهنية لتحديد الموقف االحضاري على الخريطة الثقافية المغربية، بتناقضاتها وهمومها وتداخلاتها مع القضايا الثقافية والحضارية الأخرى.
إن التأمل النقدي في التراكمات الحضارية التي حققتها هذه المدينة، انطلاقا من نهاية القرن التاسع عشر، تعطي الانطباع أن البداية ، كانت تهدف إلى استشراق المستقبل، ذلك لأن ما ميزها منذ بدايتها هو طابع الاستمرارية، وإبراز الذات المغربية، التي كانت وما تزال تلح على سؤال الذاتية والهوية وتلك هي ميزتها الثقافية بكل تأكيد.
مدينة طنجة بين الفن والرمز / بين الفن والخط / بين الفن والهندسة / بين الفن والأدب / بينه وبين البيئة والتراث والحداثة الحضارية، لم تتجه فقط إلى نقلها السياحي، ولكنها أيضا حاولت / تحاول إعطاء دورا جماليا / ثقافيا إلى هذه المدينة على الساحة الثقافية.
-3-
إن ذلك لا يعني إطلاقا أن فعل الحداثة وجد مفرداته هنا بمدينة طنجة، ولكنه بفعل الجذور الإنسية / الحضارية لهذه المدينة المتعددة الصفات، أصبحت حداثتها تجسد الوعي واليقظة والتطلع إلى المستقبل، ومن ثمة أصبحت تسير جنبا إلى جنب مع الحركات الحداثية العالمية القائمة، وهذا ما يجعلها جديرة بقراءة متأنية لمثنها االحضاري والحداثي.
ولابد هنا من الإشارة، إلى أن الذاكرة الجماعية وقوة المخيلة كانتا دائما وباستمرار، سمة هذه المدينة / سمة الأجيال المتلاحقة والمترابطة على تاريخها، إلا أن جيل الشباب الذي برزت سماته مع الألفية الثالثة حاول / يحاول إعطاء مدينة طنجة مفاهيم ومعاني نظرية متميزة بالتحرر من قيود التخلف والرجعية، ولكنها متأثرة بالجذور الثقافية : الرموز / الأشكال الهندسية / القيم العربية والأمازيغية، في محاولة جادة لإعطاء هذه المدينة شموليتها بأبعاد نفسية / اجتماعية / وتاريخية.
أفلا تنظرون...؟
-1-
لربما تكون مدينة طنجة، بموقعها الحضاري / التاريخي / الجغرافي، المطل على القارة الأوروبية، من الأسباب التي جعلتها، من أكثر المدن المغربية استيعابا لمفاهيم «الحداثة» وتقاربا مع قيمها الثقافية والفنية والاجتماعية...والحضارية عامة.
على فضاء هذه المدينة، التي استقطبت مبكرا أفواجا من الأدباء والفنانين والسياسيين والتجار والمقاولين الغربيين / أوربيين وأمريكيين، ظهرت العلامات الأولى لقيم الحداثة ومفاهيمها كما هي في العالم الحديث، إذ سبقت بذلك كل المدن العتيقة بالمغرب الراهن.
على فضاء هذه المدينة، تم ظهور أول جريدة ورقية مغربية (سنة 1907)، وتم ظهور أول فنان تشكيلي مغربي / محمد بن علي الرباطي (سنة 1908)، وتم تشييد أول مسرح حديث بالمغرب / مسرح سيرفانطس (سنة 1913) وتم تأسيس أول فريق رياضي مغربي لكرة القدم ( سنة 1914) وأول قاعة للعرض التشكيلي (سنة 1917).
وعلى فضاء هذه المدينة، تم تأسيس أول فندق مصنف بالمغرب، وأول مقهى مصنفة، وأول حانة مصنفة بالمغرب أيضا.
وعلى فضاء هذه المدينة، تم تشييد أولى المؤسسات البنكية المغربية والدولية، وأولى الشركات التجارية والصناعية والسياحية وعلى فضائها أيضا تم فتح أولى سفارات العالم الحديث بالمغرب، وأولى مؤسسات التواصل والبريد بالمغرب نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين.
وثقافيا، لا يمكن أن ننسى أن مدينة طنجة هي المدينة الأولى بالمغرب التي عرفت إذاعة حرة / (إذاعة طنجة). وهي الأولى التي أعطتنا «رواية» عالمية / رواية الخبز الحافي لمحمد شكري، التي استقطبت القراء والمترجمين من حوالي أربعين دولة.
-2-
هكذا شكلت مدينة طنجة مدخلا أساسيا للحداثة بالمغرب الجديد، ليس فقط لأنها استقطبت قامات إبداعية / ثقافية غربية في نهاية القرن التاسع عشر، و مطلع القرن العشرين، ولكن أيضا لأنها فتحت ذراعيها على المدارس والاتجاهات والمفاهيم الثقافية الحديثة، التي وضعت مدينة طنجة، في موقع ريادي / لا يمكن الاختلاف حوله.
لذلك سيكون من السهل على الباحث / الملاحظ، لمس التطورات التي عرفتها هذه المدينة ،خلال هذه الفترة من التاريخ وهو ما يوازي من حيث قيمته، الانعكاسات التي تحكمت في تحديد هوية هذه المدينة، وشخصيتها ورؤاها الاجتماعية، ونعني بذلك التطورات الاقتصادية والسياسية التي برزت انعكاساتها، على الإنتاج في فضاءات جديدة / حداثية بمفاهيم وأشكال جديدة، والذي عكست بسرعة وقوة أساليب مغايرة لأنماط الحياة في مغرب القرن العشرين، كما عكست موقعها من وضع المغرب الجديد على الخريطة الإنسانية.
لا نستطيع أن ننفي هنا، الدور الإيجابي الذي لعبه الفنانون والأدباء والسياسيون والإعلاميون الغربيون، الذين اتخذوا من عاصمة البوغاز / طنجة موقعا لهم حتى قبل أن تتحول إلى عاصمة للسياحة، شمال المغرب سواء من حيث تنشيط الحركة الثقافية الحديثة، أو من خلال إعداد أجيال جديدة من الأدباء والفنانين المغاربة، مدمجين في مناهج الحداثة وأساليبها العولمية، أو من حيث إذكاء تجاربهم الإبداعية، وإعطائها وجها جديدا ومشرقا محليا وعالميا.
إن رائد الفن التشكيلي الحديث، محمد بن علي الرباطي ( 1861-1939) كرائد الرواية المغربية الحديثة محمد شكري ( 1935-2003 ) لا يشكلون فقط أسماء عابرة في تاريخنا الثقافي، إنهم مؤسسون لثقافة جديدة / وضعوا المغرب على قائمة الحداثة في المجال الثقافي بالعالم الحديث.
ولاشك، إن حتمية الأخذ والعطاء، كما تحكمت في الفكر والأدب والعلوم الإنسانية خلال هذه الفترة الحالكة من التاريخ بمدينة طنجة، تحكمت في الصناعة والتجارة والسياحة...وفي الإبداعات البصرية واللغوية، التي ازدادت على أرض هذه المدينة العتيقة، بل أن هذه الإبداعات والصنائع هي متعددة ومتنوعة وذات مرجعيات وطنية وعالمية، مختلفة / متداخلة ومتشابكة، كانت المحور الأساسي لكل أخذ ولكل عطاء، على فضاءاتها.
إن الحركية المتطورة للثقافة والفنون والصناعة والتجارة، المتمثلة فيما احتضنته مدينة طنجة، خلال العقود العشرة الماضية، من إبداعات ومبدعين، من صناعات وصناعيين وحرفيين، مرت / تمر بمرحلة غنية، بما تحفل به من أسماء ومدارس واتجاهات وأساليب وقيم حضارية، حيث استطاعت في هذا الظرف التاريخي، التجدر في الطموحات، وفي مختلف التناقضات التي عاشها / يعيشها المجتمع المغربي، قبل وبعد فترة الحماية، والانتقال بهذه المدينة التاريخية من مجرد موقع حضري، إلى موقع حضاري، يساهم بفعالية في التغيير والتنمية والتحديث والبناء القومي.
إن التطور الاجتماعي / الاقتصادي / السياسي / الثقافي الذي عرفته مدينة طنجة خلال القرن الماضي، مع حلول البعثات الغربية التي حملتها رياح الحماية خلال القرن المنصرم، قد غير كثيرا من الرؤى الجمالية في هذه المدينة، وانعكس على الصناعة والتجارة والتعليم، كما انعكس على الثقافة والفنون البصرية، وعلى تطور المفاهيم، مما جعل هذه المدينة تتكيف وتتفاعل مع الأنماط الجديدة للحياة الاقتصادية والثقافية التي رافقت هذه البعثات، وهو ما أعطاها في نهاية المطاف منحى دلاليا له أكثر من علاقة بقضية الوجود والكرامة والحرية، إذ انصبت خلال هذه الفترة من التاريخ، اهتمامات العديد من المبدعين المغاربة بهذه المدينة على طرح أسئلة راهنية لتحديد الموقف االحضاري على الخريطة الثقافية المغربية، بتناقضاتها وهمومها وتداخلاتها مع القضايا الثقافية والحضارية الأخرى.
إن التأمل النقدي في التراكمات الحضارية التي حققتها هذه المدينة، انطلاقا من نهاية القرن التاسع عشر، تعطي الانطباع أن البداية ، كانت تهدف إلى استشراق المستقبل، ذلك لأن ما ميزها منذ بدايتها هو طابع الاستمرارية، وإبراز الذات المغربية، التي كانت وما تزال تلح على سؤال الذاتية والهوية وتلك هي ميزتها الثقافية بكل تأكيد.
مدينة طنجة بين الفن والرمز / بين الفن والخط / بين الفن والهندسة / بين الفن والأدب / بينه وبين البيئة والتراث والحداثة الحضارية، لم تتجه فقط إلى نقلها السياحي، ولكنها أيضا حاولت / تحاول إعطاء دورا جماليا / ثقافيا إلى هذه المدينة على الساحة الثقافية.
-3-
إن ذلك لا يعني إطلاقا أن فعل الحداثة وجد مفرداته هنا بمدينة طنجة، ولكنه بفعل الجذور الإنسية / الحضارية لهذه المدينة المتعددة الصفات، أصبحت حداثتها تجسد الوعي واليقظة والتطلع إلى المستقبل، ومن ثمة أصبحت تسير جنبا إلى جنب مع الحركات الحداثية العالمية القائمة، وهذا ما يجعلها جديرة بقراءة متأنية لمثنها االحضاري والحداثي.
ولابد هنا من الإشارة، إلى أن الذاكرة الجماعية وقوة المخيلة كانتا دائما وباستمرار، سمة هذه المدينة / سمة الأجيال المتلاحقة والمترابطة على تاريخها، إلا أن جيل الشباب الذي برزت سماته مع الألفية الثالثة حاول / يحاول إعطاء مدينة طنجة مفاهيم ومعاني نظرية متميزة بالتحرر من قيود التخلف والرجعية، ولكنها متأثرة بالجذور الثقافية : الرموز / الأشكال الهندسية / القيم العربية والأمازيغية، في محاولة جادة لإعطاء هذه المدينة شموليتها بأبعاد نفسية / اجتماعية / وتاريخية.
أفلا تنظرون...؟
يظن أغلب الناس أن المشكل الذي يطفو هذه الأيام على سطح المشهد السياسي بالمغرب، سببه تصريح السيدة الوزيرة «شرفات أفيلال» حول معاشات البرلمانيين والوزراء، لكن هذا الظن بعيد عن الصواب، لأن المشكل هو بالأساس مشكل تاريخي تمتد جذوره إلى حكومات المغرب منذ ستينات القرن الماضي، فالمعني بالأمر إذن ليس وزيرة بعينها بل «منظومة» يدخل ضمنها كل من يتقاضى معاشا غير مشروع، ويمكن أن يدرج ضمن «الريع».
المعني بالأمر هو أيضا كل من مرّ من هناك، من بَرلمان أتاح له إمكانية طرح هذا المشكل للنقاش ولم يفعل، بَرلمان لاشك أن الشعبَ هو مَن أوصَلَهُ إليه، فنَسِي الشَعبَ وربّ الشّعبِ، ليجلِس على مقعد تفوق جاذبيته جاذبية كوكب الأرض، لتُنسيهِ أنّ بوسعِه اقتراح قانون ضد هذه السرقة العلنية الجماعية، المسكوت عنها.. تلك الجاذبية أنسته أن بإمكانه تقديم ملتمس أو على الأقل التفوه ولو بكلمة حق يكتبها له التاريخ فيبرئ ذمته وذلك أضعف الإيمان، المعني بالأمر هو ذاك الذي دخل برلمانا تسميه دول أخرى «مجلس الشعب» ليستفيد هو من مال ومجلس الشعب وبالمقابل لا يستفيد الشعب منه إلا النزر اليسير.
المعني بالأمر كذلك وبشدة هو ذاك الذي تحدث –بجرأة منقطعة النظير- عن إصلاح صندوق التقاعد حتى قيل أنه لا يخاف في الله لومة لائم، بينما عندما يخيفه شيء ما أو جهة ما تجده سريع التبرير والتعليل وكأنه «بروفيسور» متخصص في علم التبريرات، ذاك الذي يصف وبحرقة الحال الذي آل إليه الصندوق، وتبدو على محياه وطنية خالصة ظننا أنها ستدفعه إلى المضي قدما في الإصلاح، لكن سرعان ماغض طرفه عن ملفات (طمست) وعن سبب من أسباب مشكل الصندوق وهو في الان نفسه أحد الحلول المهمة الممكنة إزاءه، وهو الثروة البرلمانية المنهوبة والتي تسلب من صندوق الشغيلة ظلما، ظنا أنها حق بينما هي باطل لا يوجد في أي دولة (أوباما «باباه» لن يأخذ معاشا إلا عند بلوغه سن التقاعد)، لكن لحسن الحظ أن قرارات أخينا دائما تستند إلى دوافع وتبريرات في نظر الأتباع لايأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وكأنه لا يخطئ، هو معني بالأمر لأنه أبدى شراسة غير مسبوقة إزاء الطبقات الشعبية الكادحة وكان من شهامته وأخلاقه رضي الله عنه أن أوصاهم بالصبر والتقشف من أجل الوطن، لكن نسي سهوا أن يوصي مع زملاءه الوزراء والبرلمانيين بمثل ذلك فالتمسوا له سبعين عذرا ولعل السهو من بينها، التمسوا عذرا للذي جحظت عيناه في العمّال ومطالبهم وأصر على عدم الزيادة في الأجور مفضلا الزيادة سن التقاعد لكنه لم يكن له نفس الإصرار إزاء إيقاف مهزلة تقاعد شباب في أوج العطاء، لم يجرؤ على وقف تقاعد قبل سن التقاعد، لم يجرؤ على إعادة تقاعد مسروق من مال دافعي الضرائب كي لا يقول أحد أن المال يأتي من كوكب آخر.
المعني بالأمر أيضا هي أحزاب تغني بالمرجعية الاشتراكية وتقسيم الثروة و...، لكن عندما يطرح موضوع أجرة الوزراء والبرلمانيين ومعاشهم اللاشعبي، تجدها تعيد ترتيب نفسها في حفل تنكري تصير خلاله بورجوازية شجعة، بينها وبين الشعب ما بين المشرق والمغرب.
إن الموضوع في نظري ليس شخصيا بل هو أكبر من الوزيرة الشابة المقبلة على تقاعد سخي، الموضوع له علاقة بفساد راقي، فساد من نوع آخر، وبالتالي لا يجوز محاسبة شخص واحد دون باقي المتنفعين، إما نحاسب الجميع أو لا أحد وإن هي تفوهت ببعض التراهات التي اعتذرت عنها لاحقا بينما هم التزموا الصمت لأن كلامها لا يعني محاسبتها وحدها، كما أن صمتهم لا يعني أنهم بعيدون عن المعمعة بل هم وسطها سواء علموا أم لم يعلموا، وسواء تكلموا أم لم يتكلموا.
وأخيرا ما كلام الوزيرة إلا نقطة جاءت استجابة للقدر، قدر رأى الحياة في وجوه وأقلام مغاربة مسالمين شعارهم: «جوج فرانك» مجرد نقطة أفاضت الكأس، كأس آن له الأوان كي يفيض بمعاشات باطلة ، كي تفيض بالنفع على المجتمع المغربي قاطبة وليس لفائدة فئة دون أخرى تطبيقا لمبدأ الأجر مقابل العمل، وإذا كان العدل أساس الملك فإن العدالة أساس الحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.