هل فكرنا عربيا، يوما، بشكل جدي في الطبقة المتوسطة؟ والقصد هنا طبعا، ليس المقاربة الإيديولوجية التي ظلت تتعامل مع سؤالها، كحاجة سياسية. بل، المقاربة التاريخية، السوسيولوجية، السلوكية والقيمية. لأن بعض الجواب عن هذا السؤال الكبير، هو الذي قد يقدم ملامح الجواب لفهم أعمق ل «الواقعة العربية والإسلامية»، كما ظلت تحدث منذ أول الاصطدام مع الاستعمار في بداية القرن 19، إلى اليوم (الواقعة كفعل، وليس الواقع كتجل ونتيجة). ولعل هذا سيدفعنا، منهجيا، إلى استنبات أسئلة أخرى متساوقة مع هذا السؤال المركزي، أولها: كيف نتمثل أصلا معنى الطبقة المتوسطة عربيا وإسلاميا؟. وهل للمفهوم أدلة تنزيل في شرط وجودنا العربي والإسلامي، بذات الشكل الذي تبلور ونضج في المجتمعات الصناعية؟. أم أنه مصطلح غريب في معنى وجودنا، كممارسة للحياة وكإنتاج للقيم؟ . الحقيقة، إن مفهوم «الطبقة المتوسطة» هو مفهوم مأمول عندنا، أكثر منه واقعا كان وقد يكون. لأنه لو كان تحديد «الطبقة الاجتماعية» هذه منطلقا من معناها التحرري كما تبلور في المجتمعات الغربية، ضمن صراع تطورها الصناعي، طيلة القرن 19 والقرن 20، فإن الأمر سيجعلنا نكتشف (بغير قليل من الصدمة)، أن الشرائح الاجتماعية العربية المندرجة في خانة «الطبقة المتوسطة» منذ بداية القرن 20، خاصة في تجارب مجتمعية مثل مصر والشام وتونس، هي الشرائح الأكثر محافظة وتطرفا في تجربتنا العربية (أكبر نموذج لها هو حركة الإخوان المسلمين كما تبلورت في تلك التجارب المجتمعية العربية منذ عشرينات القرن الماضي). لأنها شرائح مجتمعية بلورت وجودها المادي والسياسي، ضمن منطق لصراع الهوية، وليس ضمن تطور لمنطق دورة الإنتاج الاقتصادية والصناعية. وأنها، من حيث هي مستهلكة لنتائج التطور المديني، كما فرضها نظامالسوق العالمية، ذاك الذي حدده زمن استعمار الشمال للجنوب، مما جعلها غير منتجة لقيمة السوق، فإنها لم تجد أمامها من معنى وجود، سوى بلورة سؤال قلق الهوية والدفاع عنها بالنية واللسان والسيف. هذا أمر عادي وطبيعي، في نهاية المطاف، في كل تجربة مجتمعية، ينتقل أفرادها من نظام حياة بدوي إلى نظام حياة مديني. يخلق قلق سؤال الخوف من الانسلاخ من حال قديم، راسخ، محقق لمعنى للانتماء، صوب مغامرة الولوج إلى حال جديد مختلف. وهو عندنا، منذ أكثر من قرن من الزمان، انسلاخ من معنى للجماعة إلى واقع ضاغط، يفرضه التطور التقني العالمي، عنوانه قيم الفرد/ المواطن/ المستهلك. فكان تبلور ملمح «الطبقة المتوسطة» عندنا عربيا، تجليا لهذا القلق في الدفاع عن الهوية، وليس مجالا لتبلور نظام مديني، حديث، يبلور شكلا جديدا لنظام السوق وإنتاج قيم «الحق والواجب» وقيم «الكفاءة والعمل والمردودية والمحاسبة». من هنا، يحق لنا التساؤل، معرفيا وتحليليا، عن معنى التحول في نتائج الانتخابات المغربية، تحت سقف الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011، التي هي أكبر من مجرد تحول في «السلعة السياسية الإيديولوجية» المقدمة أمام الناخب المواطن. بل إنها تحول في معنى تمثل الفرد، كتجل للطبقة المتوسطة، لدور السياسة، الذي يتأسس لديه على قيم الهوية وليس على قيم الإنتاج. لهذا السبب ربما، علينا معرفيا أن نغير نظارات قراءة معنى «الطبقة المتوسطة» عربيا وإسلاميا، وضمنها المغربية والمغاربية. والذي قد يشكل إضافة مختلفة عن معنى «الطبقة المتوسطة» كما بلورته المجتمعات الصناعية الغربية. وقد يكون مهما، هنا، قراءة دور وتاريخ الطبقة المتوسطة في مجتمعات أخرى، غير غربية، اندمجت من موقع الاختلاف مؤخرا في منطق نظام السوق العالمية، مثل التجربة الهندية والتجربة الصينية. ففي التجربتين معا، كان للدولة (عقل الدولة) دور حاسم في إدماج الفرد ضمن منطق قيم الإنتاج، ومساعدته عبر شكل نظام التعليم، في استيعاب معنى الهوية كقوة مخصبة وليس قوة مكبلة أو انغلاقية، تسجن الفرد والمجتمع ضمن منطق الخوف من الآخر، والخوف من التحول، والخوف من الآتي.