تنفيذا لبرامج مشروع تربية – تمكين- عدالة، الذي أطلقته منظمة العفو الدولية، للفترة الممتدة بين 2015 و2017 ، أعطيت ورشات تكوينية لفائدة جمعيات المجتمع المدني، والأطر التربوية، والمحامين، بجهة فاس/ مكناس، يومي 28 و29 نونبر 2015 بفندق تافيلالت، تحت عنوان: «حقوق المرأة في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية «.حيث افتُتح اللقاء بكلمة لمنسقة مشروع تربية – تمكين - عدالة، مريم نصيف، حيث رحبت فيها بالحضور، وقدمت السياق الذي ورد فيه التكوين. وبخصوص الملفات المسلمة للحضور، أكدت على ضرورة الحرص عليها طيلة أشهر التكوين، التي ستختتم بلقاء تقييمي، كما شرحت جدول الخطة التشغيلية ودلالات ألوانه. ثم تناولت الكلمة السيدة عائشة بوطيبي، عضو المكتب التنفيذي، التي أوضحت بدورها الإطار الذي يندرج ضمنه التكوين، وهو التربية على حقوق الإنسان، وأن المشروع يستهدف جمعيات المجتمع المدني، والأطر التربوية، بهدف تمكين وتقوية القدرات لدى النساء والرجال، على حد سواء، من أجل الوصول إلى المساواة وتحقيق العدالة. الأستاذ عبد الله خالوب، ميسر الورشات، دعا بدءا إلى ضرورة الالتزام بالوقت، وبحضور كل مراحل التكوين حتى تتحقق الأهداف المتوخاة منه. بعد ذلك أوضح أن مسألة الإلمام بمفاهيم من قبيل: التمييز، العنف، النوع...هي مفاهيم ضرورية وأساسية لمواصلة الاشتغال في المشروع.بعد ذلك تم تكثيف القيم المتنوعة التي تحملها الأسماء، وتصنيفها إلى قيم مرتبطة بالمرأة، كالأمانة والحنان وغيرها، وأخرى مرتبطة بالرجل كالعبادة والصلابة والقوة والافتتاح... كان هذا التمرين وسيلة للتعارف وتكسير الجليد من جهة، ومدخلا لمقاربة النوع الاجتماعي من جهة ثانية ,وقبل انطلاق النشاط الموالي، أكد الأستاذ الميسر على ضرورة استيعاب المفاهيم أولا لتمثلها كقناعة ثانيا، إذ بدون قناعة لا يمكن تغيير السلوك. وهذا ما سيتبين في: التمييز والنوع المبني على النوع الاجتماعي: عُرض شريط «الحلم المستحيل» في حوالي 00 دق. بعدها طُلب من الحاضرين تقديم قراءاتهم له، ومناقشة أحداثه على ضوء الواقع، في لقاء مفتوح، شريطة التزام مبدإ مقاربة النوع الاجتماعي في المداخلات: امرأة ثم رجل. وكانت خلاصة المناقشة أن الشريط هو تصوير واقع، وهو نتاج ثقافة راسخة تتكرس، ليس فقط من طرف الرجل، وإنما من طرف المرأة أيضا. ولا يمكن تعميم أحداثه، لأنه مجرد حالة. أحداثه تعكس الواقع السائد، بناء على تقاليد ومعارف وتأويلات، إذ لا زال المجتمع يعطي المرأة أعمالا معينة، والرجل مهاما أخرى تكرس في تربيتنا. هذه المناقشة أحالت على طرح التساؤل: ما هي المهام التي لا يمكن أن تقوم بها إلا النساء، والمهام التي لا يمكن أن يقوم بها إلا الرجال؟ فكان الجواب من خلال عمل المجموعات. العنف المبني على النوع الاجتماعي. قُسم الحضور إلى خمس مجموعات: مجموعتين نسائيتين، مجموعتين رجاليتين، مجموعة بها رجال ونساء. اشتغلت مجموعة النساء على مهام الرجال، واشتغل مجموعة الرجال على مهام النساء، في حين اشتغلت المجموعة الخامسة عليهما معا. أُعطيت للمجموعات 20 دق للاشتغال على هذا التمرين. بعد تقديم العمل ومناقشته، تبين أن المهام التي لا تقوم بها إلا المرأة هي: الحمل والولادة والرضاعة، أما المهام التي لا يقوم بها إلا الرجال فهي: التخصيب. كان هذا النشاط وسيلة للوقوف على مسألة ثابتة غير متغيرة، وهي أن الفوارق بين المرأة والرجل هي فوارق بيولوجية محضة، وباقي الفوارق هي من نتاج ثقافة المجتمع، حيث إن تطور الحياة والمجتمع والتاريخ مكن الذكر- من خلال دور التخصيب - أن يرتبط بالسلطة والإرادة والقوة وغيرها ، في حين ارتبطت المرأة بالضعف والدونية، في جميع مجتمعات الإنسانية. لذلك فمقاربة النوع الاجتماعي لا تستحضر النوع البيولوجي، وتدعو إلى إعادة النظر في توزيع الأدوار الاجتماعية، مادامت أدوارا باستطاعة الجنسين معا القيام بها. بعد هذه المناقشة المستفيضة بين المشاركين، قدّم الأستاذ خالوب خلاصة ركز فيها على النقط التالية: ضرورة استيعاب معنى النوع الاجتماعي، على أنه منهج للتحليل( كل شيء قابل للتحليل) ورؤية للوجود الإنساني. الهدف هو احترام كرامة الإنسان، أين وكيفما كان. لابد أن نتساءل عن الأدوار والصور النمطية، وان نحللها من أجل تجاوزها، لبناء حلم التعاضد والمساواة من أجل المصلحة المشتركة. لابد أيضا من التمييز- في المقاربة الحقوقية- بين مفهومي الجنس(الأنثى والذكر) ومفهوم النوع ( المرأة والرجل)، وهناك من يضيف نوعا ثالثا: الخنثى وهي خلقة لا بد أن تُنصف وتُكرم. حينما نتكلم عن الأدوار الاجتماعية، لا بد أن نطرح مسألة الحاجيات الآنية والاستراتيجية، حيث تتكلف المرأة بالحاجيات الآنية، في حين يتكلف الرجل بالحاجيات الاستيراتيجية. واعتبر الأستاذ هذه الآليات ضرورية في المقاربة الحقوقية، ودعا إلى ضبط هذه المفاهيم لأنها بمثابة مفاتيح الاشتغال على النوع الاجتماعي. ثم استطرد بان المدخل لضبط هذه المفاهيم، يتمثل في عنصرين أساسين وهما بمثابة قيم: الحرية والمساواة ، حيث تُساءل الأدوار والصور النمطية، والحاجيات الآنية والاستيراتيجية إن كانت تحقق المساواة أم لا، بين الرجل والمرأة، لأن الهدف هو الإنصاف أي إعطاء لكل ذي حق حقه. أما الحرية، فهي قيمة أصلية ومتأصلة في الإنسان. شروط مواجهة العنف المبني على النوع في اتجاه القضاء عليه: تم عرض شريط وثائقي يعطي إحصائيات حول تعليم البنات في العالم العربي. فتحت المناقشة بعد ذلك حول فهم الظاهرة اعتمادا على مقاربة النوع من خلال طرح مجموعة من الأسئلة : هل الصور النمطية عن المرأة والرجل في المجتمع تساهم في تقليص ظاهرة التمدرس؟ هل التمدرس حاجيات آنية أو استراتيجية؟ هل لدينا إمكانية الوصول إلى المراكز الكبرى والقرارات الكبرى؟ وهل هي متاحة للرجال والنساء على حد سواء؟ وغيرها من الأسئلة، التي تؤكد الإجابة عنها أن التمييز ضد المرأة مبني على النوع الاجتماعي. أدى هذا النقاش إلى الوقوف بشكل تفصيلي على مفهوم التمييز، حيث أُعطي له التعريف التالي: التمييز هو التفضيل، «هو حرمان شخص بعينه أو جماعة بعينها من التمتع الكامل بحق من الحقوق، بسبب الجنس، أو اللغة أو الجنسية أو المعتقد، أو المذهب، أو الحالة الصحية، أو لون البشرة أو الأصل الاجتماعي أو الجغرافي أو غيره، والنظر إليهم على أنهم كائنات أدنى من الإنسان». وارتباطا بالتمييز، نوقش مفهوم العنف. - شريط حول العنف ضد المرأة: قدم الشريطُ العنف ضد المرأة، وصورتها عبر التاريخ في مختلف المجتمعات والديانات، حيث ارتبطت بالشيطان، والجن، والسم، والأفاعي، والشر وغيره، إلى أن كرّمها الإسلام. فالإسلام أول من دعا إلى تكريم المرأة وحفظ مكانتها في المجتمع، إلا أن المسلمين لم يلتزموا. والتمييز- في التاريخ البشري – كيفما كان نوعه، فهو عنف. ويرتبط بالمفاهيم التالية: الاستغلال، اللامساواة، التهميش، الإقصاء، الحرمان، الدونية، العبودية، التبعية وغيرها. بعدها تم تقديم التعريف الدولي للعنف ضد النساء، حيث هو» كل فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أو يُرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة ، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة». - شريط ضحايا العنف الجنسي.: قدم الشريط حالتين: الأولى سيدة عشرينية، تعاني من مشاكل جنسية مع زوجها، ترتب عنها عنف لفظي وجسدي، أفضى بها إلى طلب الطلاق. والثانية متقدمة في السن، زوجها مسن، يعاني من الشذوذ الجنسي، ترتب عنه مشاكل تطورت لتصل إلى حرمان الزوجة من المصروف اليومي. وقد ناقش المشاركون هذه الظواهر، وذكّر الأستاذ الميسر بإلحاح، بأن أية ظاهرة تُطرح للتحليل، يجب أن تعتمد مقاربة النوع ، كما أشار إلى أن الاشتغال على الشريط، يقربنا من المعلومات أكثر، ويقربنا من حالات من واقعنا، حتى لا يبقى الاشتغال رهين النظري فقط. في نقاش للأشرطة، طُرحت مسألة المرض النفسي أو البيولوجي الذي يقف عائقا في بناء حياة أسرية متوازنة، حيث الرجلُ المريضُ يعتبر زيارة الطبيب والبوح بمثل هذه المشاكل النفسية ، ضربا في العمق لرجولته وفحولته، بسبب الصور النمطية في المجتمع التي ترسخت في مجتمعنا الذكوري. وقد أكد المشاركون - بخصوص هذه النقطة - على أهمية التربية الجنسية منذ الصغر، وهي مسؤولية الجميع: الآباء، الوعاظ، المدرسين وغيرهم. فالتربية تمكن من آليات الوصول إلى العدالة. الحقوق الإنسانية للنساء في الاتفاقيات الدولية في هذا المحور، اشتغل المشاركون على مجموعة من المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان: اتفاقية سيداو، خلاصة الاجتماع الوزاري الأورو- متوسطي حول تعزيز دور المرأة في المجتمع- البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. - حقوق النساء في صميم حقوق الإنسان: قُسم المشاركون إلى أربع مجموعات، وطُلب منهم اعتماد تلك الوثائق، والبحث في المواد التي لها علاقة بمناهضة العنف بشكل عام، والعنف ضد النساء بشكل خاص، ثم التعليق عليها. بعد الزوال تم تقديم عمل المجموعات كرونولوجيا، حسب ظهور الوثائق، بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ووصولا إلى اتفاقية سيداو، فُتح الباب للمناقشة. وكان الإصرار من طرف الميسر على أن تكون المداخلات بالتناوب: امرأة/ رجل كما هو الشأن منذ انطلاق عمل أول ورشة. أما اليوم الثاني فعرف قراءة في نتائج الاستمارة، الخاصة بالنقط الإيجابية والسلبية التي عرفها يوم أمس، حيث أبانت النتائج أن نقط القوة كانت راجحة، باستثناء بعض الملاحظات الخاصة بالتزام المشاركين بوقت الحضور، وتجنب الإطالة في المداخلات وغيرها. أجمعت المداخلات على استفادتها من ورشات الأمس، حيث فهمت معنى النوع، ومقاربة النوع الاجتماعي كمنهاج للتحليل، ورؤية للوجود الإنساني.وقد توقف الأستاذ خالوب لحظة ليؤكد على ضرورة القراءة المعمقة في هذا المجال، بكل الطرق والوسائل المتاحة، وعدم الاكتفاء بما يعطى في أيام التكوين. الحقوق الإنسانية للنساء في القوانين والسياسات الوطنية الشريط عبارة عن مقطع من برنامج تلفزي: وجها لوجه. مناظرة حول حقوق المرأة في المغرب بين فعّاليتن نسائيتين: بسيمة حقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية في المغرب، وسعاد فريقش رئيسة فيدراليات جمعيات المغاربة بفرنسا. بعد العرض، فُتح باب المناقشة، بمراعاة المقاربة النوعية- دائما- أثناء المداخلات: رجل/ امرأة. في هذا النشاط التفاعلي، الذي حاول تشخيص الوضعية، تم تسجيل مجموعة من التحولات الإيجابية التي عرفها المغرب في مجال حقوق المرأة – من خلال الشريط- إلا أن الملاحظ هو عدم تفعيل القوانين المصادق عليها. استكشاف أهم القوانين والاستراتيجيات الوطنية.: تم استكشاف أهم القوانين والاستراتيجيات الوطنية: الدستور، القانون الجنائي، مدونة الأحوال الشخصية، إستراتيجية الحكومة، إستراتيجية المجتمع المدني، من خلال عما المجموعات. قسم المشاركون إلى أربع مجموعات، وطلب منهم- انطلاقا من مقاربة جندرية - مقاربة الوثائق، حيث على كل مجموعة أن ترافع من اجل وثائقها، على شكل مناظرة، من خلال برنامج تلفزي. قبل انطلاق العمل، طلب من كل مجموعة، على حدة، التقدم لوسط القاعة لاختبار مدى الانسجام الحاصل بين أفرادها. عُصّبت أعين أعضاء المجموعة، وأُعطيت حبلا، ثم طُلب منها ان تشكل به أشكالا مختلفة، في أقل من دقيقة. (المجموعة 1 شكلت حرف A – المجموعة الثانية، شكلت خماسي الأضلاع – المجموعة الثالثة، طلب منها رسم حرف B- المجموعة الرابعة، رسمت رقم 3). وقد كان ها النشاط اختبارا واستراحة في نفس الوقت، حيث استحسنه الجميع. في عمل المجموعات، قدم الصحافي السياق العام الذي يرد فيه اللقاء وموضوع النقاش، ألا وهو الإنصاف من اجل الحق، فطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: هل القوانين كلها أنصفت المرأة؟ هل نجحت أمام مقاربة النوع بشكل إيجابي؟ هل هذه القوانين تتناسب مع ما جاء به دستور 2011؟ وغيرها من الأسئلة المهمة. في اختتام اللقاء، ركز الأستاذ خالوب على نقطة أساسية وهي ضرورة مضاعفة التكوين، ضرورة إنجاز أنشطة موثقة بالتقارير والصور وإرسالها إلى منسقة المشروع. وهو شرط لمواصلة التكوين. كما أكد- مرة أخرى- على أن كل ما نوقش يجب أن يكون له صدى لدى الجمعيات الأخرى أو التلاميذ، في خلال 20 يوما. كما طلب تكوين لجنة تتبع وتقيم البرنامج. (*) منسقة مجموعة أمنستي بمكناس