من الصعوبة بمكان الإلمام الشامل بتاريخ مفهوم التواصل والوقوف عند الفترة المحددة التي أصبح معها التواصل يكتسي طابعه الواعي العلمي فقد اعتمد كآلية من آليات التبليغ والتلقين. وتعتبر محاولات أفلاطون نموذجا لذلك عندما استعمل هذا الفيلسوف الحوار أسلوبا في الكتابة ليعرف بأفكاره على لسان أستاذه سقراط بل قبل ذلك ظهر نوع من التواصل المتولوجي بين سحرة الأرض وملائكة السماء كما تناولت الكتب السماوية وعلى رأسها القرآن التواصل كمدخل لنسج العلاقات الإنسانية وتوطيد الوشائج بين الناس على اختلافهم وتنوعهم لقد كان التواصل دائما مطلبا إنسانيا ضروريا لنسج وتجسيد مختلف المستويات العلائقية بين الأفراد والجماعات والمجتمعات والمؤسسات، تطور عبر التاريخ بتطور وسائل الاتصال إذ استعمل الإنسان عبر التاريخ أنساق تواصلته مختلفة إشارات ورسوما ولغة... إلا أنه من الصعوبة بمكان الإلمام الشامل بتاريخ مفهوم التواصل والوقوف عند الفترة المحددة التي أصبح معها التواصل يكتسي طابعه الواعي العلمي فقد اعتمد كآلية من آليات التبليغ والتلقين. وتعتبر محاولات أفلاطون نموذجا لذلك عندما استعمل هذا الفيلسوف الحوار أسلوبا في الكتابة ليعرف بأفكاره على لسان أستاذه سقراط بل قبل ذلك ظهر نوع من التواصل المتولوجي بين سحرة الأرض وملائكة السماء كما تناولت الكتب السماوية وعلى رأسها القرآن التواصل كمدخل لنسج العلاقات الإنسانية وتوطيد الوشائج بين الناس على اختلافهم وتنوعهم. إلا أن الملاحظ أن المفهوم ظل لمدة طويلة مفهوما فضفاضا وهولاميا يلتقي ويتقاطع مع مفاهيم أخرى، كالوصل والاتصال والتعارف والحوار وغيرها. فلن يتحدد علميا إلا لاحقا ولن تثبت أهميته وأدواته وإجرائيته إلا مع التطور الذي عرفته المجتمعات الإنسانية خصوصا تلك السابقة إلى الثورة الصناعية. فمع حلول القرن 18 أصبح " التواصل" الذي كان يعني " تقاسم" Partager ذا مدلول ثان أكثر دقة وهو تقاسم معلومة Partager une information إلى أن أصبح الفعل " تواصل" يعني تحديدا: توصيل المعلومة. ومع بداية القرن العشرين أصبح مصطلح التواصل حاضرا في المعاجم العلمية، بل أصبحنا نتكلم عن أدوات التواصل التي حملتها مختلف مظاهر التطور المترتبة عن الثورات الصناعية والعلمية والتكنولوجيا والمعلوماتية من صحافة وهاتف وتلفاز وسينما وصولا إلى الأشكال الأكثر تطورا في الأنظمة المعلوماتية الجديدة. وقبل أن نربط تحديدا بين التواصل والمؤسسة الإنتاجية او الخدماتية المعاصرة وبين سبل الارتقاء بهذه المؤسسة على مستوى المردودية من جهة وعلى مستوى تطوير مناخ العمل من جهة ثانية نذكر بالأهمية التي يحظى بها التواصل في مختلف المجالات حيث لا تستقيم الحياة الاجتماعية ولا البنية الأسرية إلا إذا عم التواصل بين أفرادها. ولقد أثبتت الدراسات السيكولوجية اليوم أهمية التواصل بين الأفراد، بل أصبح أداة علاجية ناجحة من خلال القدرة على التبليغ والإنصات حيث يبرهن على أهميته من خلال التعرف أولا على مختلف العوائق لإزالتها وتجاوزها ثانيا، تلك العوائق المثبطة لأي تصور بالرضى ليفتح المجال بعد ذلك نحو التحفيز على حياة هادئة متوازنة تسمح بالعمل والإبداع. وإذا نظرنا إلى الشغل والإنتاج في حياة الأفراد والجماعات، سندرك أن الأمر يتعلق بمظاهر أخرى أساسية للتواصل المحركة للحياة والضامنة لها ، فمن خلال الشغل وعبر طرق تحويل المواد الأولية، والبحث عن أمكنة واتجاهات نقلها وتسويقها، يتضح أن الأمر لا يتعلق بفعل مادي إنتاجي صرف، بل إن الأمر يتعلق بأشكال مختلفة للتواصل تتجاوز ذلك المنتوج المادي نفسه. فالإنسان لا يتبادل فقط المنتوجات أو الوسائل التقنية المسخرة لذلك، بل يتبادل كذلك الأفكار والعادات وينفتح على مختلف الثقافات كما يتبادل المواقف والأحاسيس بالعواطف، بل يمكن اعتبار مجموع هذه العمليات أشكالا مختلفة للتواصل ذات أهمية بالغة باعتبارها عاملا أساسيا للحفاظ على النوع البشري وتطوره واستمراريته. إنه هدف أرقى من التقنية والحركات* . إن التواصل يقوم دائما على امتزاج مجموعة من العوامل التي تثير مختلف الحواس والمعارف فالذكاء والذاكرة. إنه امتزاج يتوقف على درجة تقدم معارف مجموعة بشرية ما، كما يتوقف على نوعية أدواته التقنية التي يعتمدها ويستعملها ليجعل هذه الذاكرة أكثر نموا وتطورا. ويبقى التواصل إذن أهم متغير حاسم في التحولات الكيفية عبر التاريخ، سواء بين الرجال والنساء أو بين الجيل والجيل او بين المجموعات البشرية المتزامنة و المتوالية بصفة عامة . وتجدر الإشارة إلى أن التواصل في مختلف المجالات يتطلب توفر درجة من درجات التحفيز للإقبال عليه. وهذا التحفيز على نسبية درجاته يخترق الكون الحي بكامله، إذ تلتقي عنده كل الكائنات الحية، مع فارق أساسي طبعا عند الإنسان هو وعيه بالحافز للتواصل وبما سيترتب عنه من نتائج متعلقة بالمجد والشهرة والامتيازات التي يمنحها عالم الإعلام والتواصل. هذا العالم الذي بدأ يؤسس لفظ جديد من التواصل المرشح لإحداث تغيرات في النظام السوسيوقتصادي وعلى مستويات مختلفة. ويؤكد ذلك ما نلاحظه اليوم من توجهات مهمة نحو إحداث تجمعات سواء بين الدول (أسواق مشتركة وأحلاف ...) أو بين الشركات ( الشركات المتعددة الجنسيات). فما يحدث اليوم في هذا المجال هو من نتاج التغيرات في وسائل التواصل سواء على المستوى الاقتصادي التجاري المادي أو على المستوى الثقافي التربوي الرمزي . ويتجلى من خلال الوقوف على هذه التداعيات السوسيوقتصادية والسياسية للمجموعات communautés أنها وثيقة الصلة بإنجازات التنظيم وتحسين المشاراكات في مختلف مراحل التخطيط، و اتخاذ القرارات وتنفيذها، مما يسمح بالقول بأن الأمر يتعلق بكل راق وغير مباشر للتواصل. ولابد أن نذكر في هذا السياق أن التواصل كوظيفة أساسية تؤثر على السلوكات والتصرفات يفترض تحويل Transfert وإبلاغ المعلومة بين قطبين على الأقل. لذا فإن الجودة والقابلية للتواصل تتوقف على طبيعة المعلومة ويتجلى من خلال إستراتيجية التواصل الأكثر تداولا من أجل التأثير على السلوكات، إن هناك ثلاث مراحل هامة في هذه العملية : مرحلة الانجذاب او الجذب Séduction العامل المهيئ لانطلاق الفعل التواصلي، ومرحلة زعزعة الاستقرار déstabilisation، وتتجلى في تهشيش وتهديم الفرد، ثم المرحلة الثالثة وهي مرحلة البديل المقدم والإقناع وهي تعكس قدرة التأثير من خلال الفعل التواصلي وإعادة بناء الفرد المهشم. 1 - السياق الأساسي للتواصل: لضمان نجاعة الفعل التواصلي، يتطلب الأمر سياقا سليما يصعب تحديده، وذلك تحسبا لكل ما قد يشوش على هذا الفعل. فالتواصل عادة ليس حوارا، بل يسير في اتجاه واحد وأي خطأ أو لبس فيه يمكن أن تنتج عنه عواقب وخيمة. وعندما يتعلق الأمر بالتنظيم أو المؤسسة الإنتاجية أو الخدماتية تكون النتائج اخطر والخسارة اكبر على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي. ولقد انتبه الإنسان وبشكل مبكر إلى أهمية التواصل وضرورة تطوير أدواته. فبعد أن كان شفهيا مباشرا (كما هو الأمر في الأساطير والقصص)، انتقل إلى المكتوب Ecrit، وانتقل بعد ذلك إلى الأساليب الأكثر تطورا كالهاتف والحاسوب مثلا. ولقد أكد الدارسون في هذا المجال على أهمية هذا التنوع والتطور في وسائل التواصل من حيث أثرها على تقدم الأفراد والمؤسسات والمجتمعات بصفة عامة، انعكست على الارتقاء بطرق تبليغ المعلومة والثقافة بصفة عامة. لفهم تحليل موقف تواصلي ما بشكل ملائم لابد من وضع منهجية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذا الموقف، وأهدافه، وصرامته، وتحديد دور الفاعلين فيه والوقوف عند الكيفية التي يتم بها استيعاب الرسالة المستقبلة أو المرسلة، على اعتبار أن عملية التواصل تقدم على سياق أساسي واحد، وان الفعل التواصلي - سواء بين فردين أو مجموعة من الأفراد- ينقل ويترجم فعلا أو حدثا أو مفهوما أو عاطفة عبر قناة ملائمة للتبليغ، على الرغم وكما سبقت الإشارة- أن هذا الفعل الارسالي لا يفترض دائما مجيئا رسالته من الطرف المستقبل أي من الطرف الآخر باعتبار هذا الفعل ذي اتجاه واحد وليس حواريا، يتطلب وصول الرسالة إلى المرسل إليه وفهمه واستيعابه لها، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا السياق لا يكتمل إلا عند ضرورة توفر الشرطين الأساسيين لوضعية التواصل المفترض، وهما الإشارة والدافع، إذ لابد أن يكون كل من المرسل والمستقبل ممتلكين لما يحفزهما على هذا التواصل. حيث يفترض توفر الاستباق والتخطيط لمدى جدوى ونفعية الفعل التواصلي. ومعلوم أنه من المفيد جدا أن تستحضر الارساليات الأبعاد الاجتماعية والثقافية والعقائدية، وكدا الفلسفية الوجدانية باعتبارها مرجعيات ذات اهمية كبيرة وغير قابلة للعزل والابعاد خلال العملية التواصلية. بل يمكن -ارتقاء بالسياق الداخلي «توظيف هذه الأبعاد في تمرير المضامين وتبيلغ الرسالة حتى يكون التواصل جيدا. وكما سنرى لاحقا فإن المقاربات التفاعلية» تسند إلى هذا العامل أهمية قصوى، لأنه عامل يغدي التحفيز لدى الأفراد والمجموعات، ويعمل على تجديد إثارته. إذ تبين أن عوامل من خارج التواصل (كتلك العوامل المذكورة سلفا) تؤثر على كيف التواصل وجودته وهو ما يطلق عليه عادة بالمتا تواصل «Méta communication». ولابد من التذكير بأن نجاعة التواصل بين الأفراد وداخل كل المؤسسات وخاصة منها التنظيمات ذات الطابع الإنتاجي والخدماتي، يتطلب توفر شروط عامة لابد ان تؤخذ بعين الاعتبار حفاظا على فعالية وجودة السياق التواصلي. إنها شروط ضرورية لمختلف أركان العملية التواصلية، إذ يتعين أن تتميز الرسالة أو المرجع بالدقة والوضوح، تغيب فيها احتمالية التأويل والأساليب البلاغية التي تحمل الطرف الآخر عناء الفهم وتكبده مجهود البحث عن المعنى وتثبيته، كما يفضل أن تكون الرسالة قصيرة يتم التقاطها رأسا ودفعة واحدة من طرف المتلقي لايجد عناء في ربط بدايتها بنهايتها، حتى لايفوته استيعاب جزء منها أو حتى لا تتطلب وقتا لا يسمح به الزمن الخاص للفرد او الزمن الانتاجي للمؤسسة. كما يساهم صفاء القناة التواصلية في جودة التبليغ والتلقي. فعند حضور عوامل النزاع أو عند التركيز على عوامل التراتبية المعبرة عن التفاوتات في المنصب، ودرجات المسؤولية، قد تتعرض هذه العملية التواصلية إلى مجموعة من الإكراهات الخارجية عن الرسالة والمعيقة للفعل. فلابد من مراعاة نفسية المخاطب ومستواه الإدراكي استباقا لكل مشوش سيكولوجي قد يفسد أو يؤخر أو يعرقل عملية التبليغ المأمولة، كما يتعين الانتباه ? خصوصا عند التواصل اللفظي الشفوي المباشر-، واستعمال الأسلوب المناسب، واللهجة المناسبة، والاستبعاد ما أمكن عن الطرق العمومية الصرفة التي تحول التواصل وتختزله في مجرد اوامر وتعليمات تؤكد الفارق وتضخمه بين المرسل والمرسل إليه. 2 - التواصل الداخلي: لقد أجمعت الدراسات السوسيواقتصادية على الأهمية البالغة للتواصل داخل المؤسسات والتنظيمات الانتاجية (المقاولة نموذجا). فإذا كان التركيز سابقا على التواصل الخارجي للتنظيم المتجلي على مستويات متعددة كلها تربط المقاولة بعوامل خارج التنظيم، بالمحيط الخارجي، بمختلف المؤسسات الأخرى إنتاجية كانت أم تجارية أو إعلامية، بسوق الشغل، بمؤسسات التوزيع والتسويق، بمختلف الزبناء أفرادا ومؤسسات، فان التواصل الداخلي مطلب حديث بالمقارنة ولازال مفهوما غامضا على مستوى التناول والأدوات والجدوى. إلا أن المؤكد في مختلف الأبحاث في مجالات العلوم الإنسانية المتقاطعة والمختلفة من علم الاقتصاد، وعلم المؤسسات ومختلف الدراسات المتعلقة بالسوسيولوجية الصناعية، وسوسيولوجية التنظيمات، أن للتواصل الداخلي داخل المؤسسة أهمية كبيرة في علاقته بمناخ العمل، وتحفيز الأفراد وأداء المؤسسة. فالتواصل الداخلي ليس مطلبا إضافيا ثانويا أو ترفا، زائدا إنه جزء رئيس وأساسي في الاستراتيجية الشاملة لتنمية كل الأطراف الفاعلة داخل التنظيم والمجتمع بصفة عامة. إن المتتبع لتطور وتحديدات هذا المفهوم خلال الآونة الاخيرة، وخاصة العقدين الأخيرين، يلاحظ أن أغلبية المهتمين يعتبرون أن لاشيء بدون تواصل بل اعتبروه واقعة أساسية وضرورية لنجاح المؤسسة? ويميز الخبراء بوجه عام في هذا المجال بين التواصل بوجه عام والتواصل الداخلي في المجال الانتاجي وكثيرا ما اطلقوا عليه تسمية " التواصل الإجرائي communication opérationnelle الذي يتعلق بالشغل تحديدا او بالخدمات المتراتبة، ويسمح باتخاذ المبادرات ومعرفة الاطار الاقتصادي، والتعرف على القدرات والانخراط السليم والمعلن في تنفيدها. ويمكن الإشارة في هذا المجل إلى إمكانية حدوث نوع من اللبس نتيجة الخلط بين الإعلام والتواصل من جهة، والتواصل والمعلومة من جهة أخرى، فالمعلومة ليست سوى جزء ا من عملية التواصل هدفها الأساسي هو أن تجعل الأفراد في علاقة ما مباشرة مع ما يجد من أفكار وأحداث. يمكن مثلا لمدير قسم الانتاج أن يقوم بتوصيل المعلومة الى مسؤول آخر عبر شكل من أشكال التواصل، البريد الالكتروني مثلا، ويتعلق الامر بنقل معلومة أو معلومات أساسية للالتزام بتفاصيل الانتاج. بينما يعتبر مفهوم التواصل مفهوما أشمل، فهو مجموعة من التطبيقات التي تهدف أساسا من خلال نقل المعلومة الى بناء علاقة متبادلة بين مختلف أطراف التنظيم. كما أن الإعلام من جهة أخرى هو إيصال المعلومات والمعاريف المتعلقة بالحاضر أساسا انطلاقا من راهنية الأحداث، مما يجعل الإعلام والتربية او التنشئة شيئين مختلفين. فهذه الأخيرة، مع عدم إهمال أثرها على كل من التواصل والإعلام- نسعى الى توريت الأفكار وتمرير المعرفة والقيم من لدن الأجيال السابقة إلى الأجيال الحالية. وإنه لمن المفارقة أن يكون هناك تواصل خارجي بين الأفراد العاملين بالمؤسسة وبين مؤسسات أخرى خارج الشغل، كالنقابات والأحزاب السياسية والجمعيات الرياضية والثقافية، والا يكون هناك تواصل داخلي يكفي ان نطلق عليه ما نسميه بلغة العصر " تواصل القرب" communication de proximité " يجعل كل الفاعلين في المؤسسة على اختلاف مسؤولياتهم وتفاوت مناهجهم منخرطين في واقعهم التنظيمي، منشغلين عبر هذا الانخراط بحاضر المؤسسة ومستقبلها. وحده التواصل إذا يجعل الافراد المتشغلين في المؤسسة في علاقة أفقية حميميته تتنمى معها درجة قابلية وقبول مختلف العلاقات العمودية الناتجة عن التراتبية الوظيفية والطبيعية داخل وسط العمل، إذ يتمكن الجميع من استدخال تمثلات ايجابية حول الحياة داخل التنظيم وحول انتاجها، وتلميع صورتها في المجتمع، مما يسمح لهم بالاعتزاز بالانتماء إليها، وينمي عندهم شهية الإقبال على العمل فيها، ويولد لديهم حواس الدفاع عنها، باعتبارها مكانا للتجمع والتلاقي حول مجموعة من الأهداف المشتركة. فإلى جانب كونها مصدر للرزق والعيش تصبح المؤسسة العامل الأساسي لتحقيق الرضى الشخصي والتوازن النفسي والاندماج الاجتماعي، وهذا ما يطلق عليه **D.Weiss تطبيقات التواصل. ويستقيم التواصل الداخلي في المؤسسات باعتباره ما يحصل عن ثلاث مكونات على الأقل الاعلام النازل، والاعلام الصاعد، والاعلام المتبادل، وهي مكونات تنتظم في تواصل لا شكلي، وتتداخل هذه المستويات لتتلاشى الحدود بين أنواع الإعلام. فلم يعد التواصل مقتصرا على المجال الكلاسيكي الاجتماعي المرتبط حصريا بالعمل داخل المؤسسة، وتوعية الماجورين وممثليهم عن طريق الإخبار التراتبي الاداري، او عن طريق ممثلي الأجراء ومناديبهم. ان التطور الحاصل في هذا المجال داخل المؤسسات المنتمية الى عالم الاقتصادات المتقدمة، بدأ يكشف أن التواصل الداخلي لا يقف عند حدود الإخبار وتبليغ المعلومة ولكن أصبح بمثابة تبادل عام وفي جميع الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والقافية والعلمية وهكذا أصبح التواصل الداخلي يرمي إلى أبعد من مفهومه الاصطلاحي والإجرائي الأول. أصبح باستطاعته ان يحقق هدفين أساسيين، أولا، تعزيز ديناميكية الفرد وتفعيلها، ثانيا تقوية روابط التضامن الاجتماعي، على اعتبار ان التغيرات التي تحدث في المحيطين الداخلي والخارجي هي التي تساهم في وضع الأهداف المبتغاة وطرق تحققها باعتبارها أهداف مشتركة . إن كل المؤسسات تعتمد التواصل الداخلي بشكل واع أو غير واع، ضمني أو صريح حسب درجة تطور أساليب العمل واعتماد ادارة متخصصة في مجال تدبير الموارد البشرية. تفرض هذا التواصل الداخلي ? بغض النظر عن درجة تطوره ? طبيعة العلاقات التراتبية التي تفرضها المؤسسة، والتي تظهر من خلال إبلاغ المعلومات من أعلى إلى أسفل، أو أحيانا من الأسفل إلى الأعلى. إلا أن الملاحظ أن هذه المسارات قد لا تستغل دائما بشكل جيد وعقلاني ومرض يأخذ بعين الاعتبار متطلبات التنظيم ومختلف عناصره. وعندما لا تسمح القنوات المؤسساتية الموضوعة دخل ورهن إشارة المؤسسة بتحقق التوصل الداخلي بشكل علني شفاف وواضح، فإن هذا الفراغ يفتح المجال أمام الإشاعة والتشويش واختلاق المعلومات، والتنافس على السبق إليها وامتلاكها، اذ تصبح قوة وهمية عند صاحبها. إن هذا النوع من التواصل غير المشكلن يفوت على التنظيم إمكانية الاستفادة الكاملة من الوسائل المؤسساتية الحقيقية في هذا المجال القادرة على تعبئة الأفراد والارتقاء المدروس للمؤسسة. لذا لابد من استثمار أدوات المؤسسة وتطوير وسائل أخرى لتوفير الطرق الناجحة في التواصل الداخلي، حتى يؤذي أدواره المأمولة بما يتماشى مع التدريس العلمي والعقلي للتنظيم حتى يقترن التواصل بعوامله المحفزة عليه من جهة وحتى يوفر الشروط الصحية والسليمة للارتقاء بمستويات الأداء في الشغل، ليحمل التواصل لقيمة المضافة إلى العناصر الثلاثة المستقلة ظاهريا والمتداخلة فعليا، أي العامل والمؤسسة والمجتمع. ولقد بينت الدراسات أن التواصل الداخلي ليس مجرد بتجميع لتقنيات، ولا مجرد استعمال لادوات تعتمدها المؤسسة في المجال التواصلي، كالاجتماعات الدورية والاتصالات الهاتفية، والرسائل الالكترونية، والملصقات وغيرها... اذ اعتبرت شخصية المسؤول أو المسؤولين عن تدبير شؤون المؤسسة ذات تأثير قوي في هذا المجال من حيث درجة كريزمية carreisme ، وتمثله للتواصل - مفهوما واحداث وتطبيقا ? وكذا من حيث مستوى مهنتيته، وتكوينه المعرفي، والخصائص والسمات السيكولوجية لشخصيته، على مستوى درجة انغلاقها وانفتاحها، وتسليطها أو اجتماعاتها وتسامحياتها، بالاضافة طبعا إلى مدى مهنية وتخصص باقي الأفراد المسؤولين عن الموارد البشرية. فقيمة العنصر البشري على مستوى المعرفة والكفاءة والقابلية تسجل أهميتها داخل المؤسسة وعلى كل المستويات. فلا يكفي أن تتوفر العوامل التقنية والامكانات المادية والقنوات الرسمية ليكون التواصل الداخلي تواصلا ناجحا. لقد أثبتت الدراسات المعاصرة محدودية وقصور المقاربة التقنوية، فهي لم تعد قادرة على مسايرة التطور الحاصل في المجالات الاقتصادية عموما والمؤسساتية بصفة خاصة، لأنها تبعد عن مجال اهتمامها العوامل الإنسانية والثقافية والزمنية كعوامل لاشكلية، لا مادية باعتبارها عناصر غير قابلة للقياس والمعيرة.