سنة 2003 ، صدر للباحثة المغربية فاطمة المرنيسي، كتاب تحث عنوان، ONG rurales du Haut-Atlas .Les Ait-Débrouille ، هو خلاصة لرحلة قامت بها الباحثة إلى الجنوب المغربي للوقوف ميدانيا على النجاح الباهر الذي حققته المنظمات الغير الحكومية . اخترت نقل هذا النص إلى العربية لأنه يستعيد قضايا من قبيل العلاقة بين أشكال التنظيم الاجتماعي ومختلف القونين والأعراف التي أنتجها المغاربة قبل دخول اقتصاد السوق والتي مازالت تؤدي أدوارا أساسية في العديد من المناطق خصوصا، في المجال القروي، مع العلم أن من مهام الحركة الثقافية الأمازيغية اليوم ،هو المساهمة في إنجاز الثورة الثقافية لشمال إفريقيا عبرتحقيق التمفصل المطلوب بين القيم الكونية و ما تسميه فاطمة المرنيسي بالرأسمال الاجتماعي المتمثل في ما أنتجه المجتمع من أعراف . إن الديمقراطية في الغرب، لاتكتفي فقط بالاعتراف بالحق في المشاركة في اتخاد القرار - وهو شيء موجود في التقليد القبلي- بل في الإقرار بنفس الحقوق لجميع الافراد ،بينما المشاركة ليست في المجتمع القبلي حقا مكفولا للجميع ، ذلك أن اليهود والأجانب و النساء مقصيون من الجماعة الأمازيغية، نظرا لكون المشاركة ليست حقا فرديا، بل مرتبطا بعنصر الانتماء للقبيلة ، بحيث يتم تمثيل النساء و الأجانب من طرف أفراد آخرين وبالتالي يبقى المجال مفتوحا باستمرار أمام الخروقات، كحالة الزعيم الذي يضع نفسه فوق الجماعة أو بديلا لها محتكرا السلطة بأكملها.وهو النموذج الذي أشار إليه عبد الله العروي قائلا: «أما فيما يخص الحرية الأمازيغية، فإننا لانجدها إلا في الكتب، ففي كل مكان، القياد الكبار، الأمغارات والشرفاء والمقدمون يمارسون نفوذا لايقل استبدادا عن ما يمارسه السلاطين.» وفي نفس السياق يستشهد عبد الله العروي بسعيد كنون من خلال كتابه « البادية الأمازيغية،آيت أومالو و بلاد الزعيم» والذي يلخص المسألة قائلا : كل شيء في ملك القايد، الأشخاص كما الأشياء» إن السلطة تكمن داخل الجماعة ومن يمثلها، وهذا هو الحد الفاصل بين أنظمة التضامن التقليدي و الديمقراطية الغربية التي تقوم على مبدأ كونية الحقوق.و بالتالي، فالمشاركة في اتخاد القرار غير كافية إذا لم تكن حقا فرديا. وحسب عبد الله العروي دائما: « إن الجمهورية الأمازيغية لا تحيل لا على حرية فردية و لا على أي نوع من المساواة ، مظهرها الحداثي كما لاحظه روبير مونتاني نفسه يتجلى في علمانيتها التي يمكن ملاحظتها بوضوح في الأطلس الكبير حيث «الجماعة «هي التي تضع قوانينها الخاصة. وهذا بدون شك خير دليل على العلمانية بحيث إن الشعب هو مصدر القانون وليس شيئا آخر» مايقوله العروي عن الديمقراطية الأمازيغية يمكن قوله عن الديمقراطية القبلية العربية التي يصمون بها آذاننا -خصوصا أهل الخليج الذين يخلطون بين العشيرة والديمقراطية - والتي أوضحها ابن خلدون من خلال مفهوم العصبية، ففي رأي هذا الأخير ?إن انتصار الإسلام كان نتيجة «للعصبية العربية» وحين تلاشت فقد العرب السلطة: « لقد كان الإسلام خاضعا لسلطة دولة موحدة في عهد الخلفاء الراشدين الأوائل ثم بني أمية فيما بعد، نظرا لوحدة العصبية العربية . بعد ذلك ستنتصر حركة الشيعة أي المطالبين بالسلطة لأهل البيت. وبالتالي ستنقسم الدولة الإسلامية إلى جناحين نتيجة انشطار عصبية العرب» بدورها، لم تكن العصبية العربية تقصي الأفراد من حق الاختيار و المشاركة داخل القبيلة لكن، ذلك ليس كافيا للقول بوجود ديمقراطية. لقد كان ابن خلدون يعتقد بأن التوفر على عصبية يساعد على التحول إلى قوة عالمية ، غير أنه كان مخطئا، فالقوة الوحيدة الصاعدة في القرن الرابع عشر كان هو الغرب الذي نجح في تعويض الولاء للقبيلة إلى الولاء لنموذج قائم على حقوق الفرد. إن العصبية، شأنها شأن الجماعة الأمازيغية هي بمثابة رأسمال اجتماعي، ولكي يكون هذا الرأسمال فعالا، عليه أن يتمفصل على استراتيجيات حديثة كما فعل اليابانيون مع «الكاريتسو» أي التضامن التقليدي ، وذلك حينما قرروا إعادة النظر فيه : كان السؤال في البداية هو لماذا لم يتحول اليابانيون إلى قاطرة لقوة أسيوية عظمى تظم الصين وكوريا و أندونيسيا؟ لماذا بقوا رغم تفوقهم التكنولوجي موضع حذر من طرف جيرانهم؟ لقد كنت في آسيا، وتكفي ثمانية وأربعين ساعة لمعرفة أن اليابانيين ليسوا موضوع ثقة من جانب الكوريين وجيرانهم الآخرين .و السبب في ذلك هو أن «الكاريتسو» ظل خاصا باليابانيين و حدهم دون أن يسمح ببروز نظام فدرالي ديمقراطي للأمم: «إن سبب تفوق الاقتصاد الياباني يتجلى في كون تقديره يتم على أساس أن ماهو في صالح « شركة طويوطا» هو في صالح اليابان». لقد كانت كل شركة تهتم بتأمين الشغل مدى الحياة لمستخدميها،كما تتعاون كل الشركات للدفاع عن مصلحة اليابان أولا و أخيرا، بعكس الأمريكان و الألمان الذين كانوا يغلقون المعامل الموجودة في بلدانهم و يدفعون بعمالهم نحو البطالة و في المقابل يتجهون لفتح معامل بماليزيا حيث يشغلون آلاف الأسيويين النشيطين بتكلفة أقل .أما «الكاريتسو»، فإنه يتعارض مع هذا النوع من السلوك ، رئيس شركة «سوني» يفضل التضامن مع عامل ياباني غيرمؤهل بدل إنشاء معمل بماليزيا حيث العمال يقومون بنفس العمل مقابل أجور زهيدة. هنا تبدو لنا محاسن و مساوئ التضامن القبلي أي الرأسمال الاجتماعي الذي تحدثنا عنه. ليس لي ما أقترحه بهذا الصدد، سوى أنه لايجب تمجيد لا التضامن القبلي و لا الحداثة الغربية، فالمطلوب هو تشغيل عقولنا للقيام بتحليل هادئ لكيفية انتقاء الأحسن في كل شيء و إبداع تركيبات جديدة صالحة لنا. إن اليابانيين، لم يتبنوا تقليد» الساموراي « كما هو، بل قاموا بتحليله و غربلته وخلطه بما هو أحسن لذى الأمريكيين و تركوا كل ماهو سيء في الرأسمالية الليبيرالية، أي السعي الجنوني نحو الربح، وهاهم اليوم يتحركون ويفكرون و لايترددون في إعادة النظرفي «الكاريتسو»، لأن النظام الاقتصادي و الاجتماعي الياباني أصبح أقل نجاعة وفاعلية كما يقول شاريشيرو تويودا، رئيس مؤسسة كالدانانر، الأكثر قوة في عالم الأعمال في اليابان. وقد بدأت المنظمات الاقتصادية اليابانية في إغلاق معاملها باليابان و فتحها فوق الأرض الماليزية ، باعتبارها أكثر تنافسية: « فبماليزيا ، أكثر من أرباع أخماس الناتج الوطني يأتي من شركة ماتوشيطا لوحدها « . كما خلقت الشركات اليابانية 5000 منصب شغل بالمنطقة الأسيوية، في حين ،البطالة في ارتفاع باليابان. نحن هنا إذن بصدد إعادة النظر في «الكاريتسو» أو « العصبية اليابانية» من طرف رجال الأعمال اليابانيين الذين أخدوا يعيدون النظر في قوميتهم لأجل التفكير جهويا: إذ ما الفائدة من حماية عامل ياباني أقل كفاءة و عدم إتاحة الفرصة لماليزي قادر على القيام بماهوأحسن؟ نستنتج من هذا المثال الياباني ،أن الحداثة هي قبل كل شيء حركة، هي إمكانية الاختيار بين عدة بدائل . للعرب مشاكل، لكن هل هي غير قابلة للحل كما تقول بعض وسائل الإعلام العنصرية الغربية؟ إن إمكانية الاختيار هي الميزة الإنسانية التي لايمكن لأحد منعنا من القيام بها، نحن أحرار في التفكير في ثراثنا ،أمازيغي، عربي، متوسطي و عالمي . لهذا السبب، من الازم تحليل تقاليد «الجماعة» باعتبارها رأسمال اجتماعي قابل للتمفصل على استراتيجيات كلية مفتوحة و ليس مغلقة، ضمن نماذج عتيقة لولاءات عقيمة . إن « الجماعة» لايمكنها أن تتوفر على حمولة حداثية إلا إذا تم ربطها بااستراتيجيات وطنية، مغاربية ، متوسطية وعالمية ، وهنا يفترض علينا استعمال عقولنا بطريقة إبداعية ، بحيث لا يكفي أن نهنئ أنفسنا بالقول»إن الجماعة ديمقرطية»، بل في انفتاح هذه الجماعة التي مازالت حاضرة لذى التجمعات المغربية سواء بجبال الأطلس والريف و أحياء المدينة العتيقة ،على المتوسط الذي يحترم الحقوق الكونية للفرد. بهذا الشكل يمكننا وضع حد للترهات العنصرية للفرنسي لوبين و الإسرائيلي نتانياهو الذين ينظرون إلى العالم من خلال «عصبيتهم القبلية» . إن مشكلة المجال المتوسطي و تحدي القرن التاسع عشر تكمن في كيفية التخلص من الهويات القبلية وتأسيس هويات جديدة قائمة على احترام الحقوق الكونية . لقد عجز الأمازيغيون والفلسطينيون والعرب واليابانيون على بناء تكثلاث جهوية كبرى على شاكلة الاتحاد الأوربي رغم رأسمالهم الاجتماعي و تقاليدهم التضامنية لأن الفرد الحامل للحقوق الكونية لم يكن يوما يوما ما مقدسا. مع ذلك، لنقم بالنبش أكثر في فكرة الجماعة مستنيرين برأي كل من إرنست كلنر و احمد التوفيق: « يمكن اعتبار الحياة القبلية الأمازيغية ديمقراطية إذا ما اعتمدنا المعيار التالي: كونها بنيوية وليس إيديولوجية أي معاشة بتعبير بورديو، بحيث لاتقوم على أي أساس نظري يؤسس للحق الفردي في المشاركة ذلك أن الضعفاء مقصيون بصفة رسمبة» مبدئيا، لكل أرباب الخيام الحق في إدارة شؤون «تاكا» والمساهمة في قرارات الجماعة، لكن، فقط القادرون على ركوب الخيل والمشاركة في الحروب ،هم المسموح لهم عمليا بحضور لقاءاتها. لقد كان الفقراء مقصيين تماما لأن ليس لهم مايفقدونه . وقد كان كلنر محقا في تحليله حينما قال « إن الشخص الذي لايملك أي شيء، لايمكنه أن يساهم في المسؤولية الجماعية « و إضافة إلى استنتاجات كلنر حول زاوية أحنصال بالأطلس الكبير، اكتشف احمد التوفيق بدوره نفس الشيء لذى قبيلة إدوتنان مبينا كيف سعى السكان إلى إقصاء اليهود من ملاح دمنات المتواجد بالمركز بمبرر أنهم كانوا يلوثون ماء الساقية الذي كان يمر بجوارهم قبل أن يصل إلى الأحياء المسلمة. إن اتهام أفراد معينين بأنهم ملوثين فقط لأنهم مختلفون أمر لايقبل إلا في مجتمع لاتحترم فيه كونية الحقوق ، فلا يعقل التعامل بهذا الشكل مع أقلية. بل حتى حينما تم طردهم من وسط المدينة نحو الخارج ، كان اليهود موضوع اعتداءات متكررة، مما يعني أن الأمن كحق للجميع ليس من أولويات «الديمقراطية القبلية» . ونفس الشيء تم استنتاجه من الدراسات التي قام بها مركز الاستماع و الإرشاد القانوني و النفسي للنساء ضحايا العنف» بالدارالبيضاء حيث يعزف أغلبية المغاربة غن التدخل أثناء مشاهدتهم للنساء وهن تعنفن بالشارع، لأنهم يعتقدون بأن من حق أزواجهن ضربهن. إذن، المجتمع الذي يعتبر من الطبيعي إقصاء البعض أو ممارسة العنف على البعض، هو مجتمع لا يؤمن بكونية الحقوق . ولنعد إلى الديمقراطية الأمازيغية ، فرغم أن الأجانب كانوا أيضا مقصيين، فإننا نجد طقوس الذبيحة التي بموجبها يسمح للاجئين بالاستفاذة من حماية القبيلة .مع ذلك، الخلط بين الحماية والحقوق الكونية أمرغيرمقبول نظرا لكون الحقوق مرتبطة بالافراد وليس الجماعة . لقد كان الأجنبي الذي يتصرف كفرد من القبيلة يعاقب، أما الفقراء فكانوا يعانون من التهميش كما بين الأستاذ التوفيق بالنسبة للأسر التي كانت تعجز عن تربية المواشي والخيول. وهوما كان يسهل تمركزالسلطة : «» إن الكساد المالي للعديد من الأسر التي تعجز عن دعم فارس لها، يساعد على تمركز السلطة في يدي أقلية « . أما المرأة، فهي مقصية منذ الوهلة الأولى نظرا لكونها لاتحمل السلاح سواء في التقليد الأمازيغي أم العربي-الإسلامي . في القرن الثامن عشر، عارض الفقيه محمد الكيكي، المنحدر من نواحي مراكش العرف الأمازيغي الذي يحرم النساء من الإرث لأنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية ، لكنه يعتبر حرما نهن من القرار السياسي أمرا طبيعيا لأن الشريعة في نظره تقول بذلك» « المرأة لايمكنها ان تكون، لا نبية ولا سلطانة و لا قاضية ولا يمكنها ان تدلي بالشهادة» وسيكون من الطبيعي تعويض هذا الإقصاء بآليات قانونية تسمح بتوفير الحماية للنساء و الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية ، من خلال تمثيل المرأة من طرف زوجها وأداء الأقليات لضريبة الجزية والتعبير عن وجودها من طرف اللآخرين. ما أود التأكيد عليه هو أنه إذا كانت أنظمة الحماية والنيابة المعروفة في المجتمعات التقليدية ، تضمن نوعا من العدالة التي تعوض الإقصاء، فإن المبدأ الذي يميز الديمقراطية الغربية هوأساسا وبالتدقيق، كونية الحقوق. إذ لاشيء يبرر تجريد فرد من حقوقه السياسية كما نلاحظه من إقصاء الديمقراطية التقليدية سواء أكانت إسلاميةٌُُ»الشرع» أم أمازيغية» العرف» للأشخاص الذين يفتٌقرون إلى شروط محددة. فوكوياما، المفكر الذي يقع بين الشرق و الغرب ، باعتبار أصوله اليابانية ، يرى أن السر في عبقرية الغرب تكمن في كونية الحقوق الفردية. إنها هي التي تجعل الغربيين أقوياء، إنها ترفع من شأن المواطن، المفكر والمسؤول. وحتى لاأكون مجحفة في حق فوكوياما ،فإني أترك له الكلام بلغته الأنجليزية التي كتب بها: «إن العنصر السيكولوجي المؤسس والمحرك للديمقراطية، هو الرغبة في الكونية والاعتراف المتبادل والمتساوي. إن كل الأنظمة الاستبدادية بما فيها ديكتاتوريات اليسار المؤكدة على مبدأ المساواة هي نسخة مطابقة لعلاقة أسياد-عبيد، حيث يتم الاعتراف فقط بكرامة بعض السادة «النخبة المسيرة، الحزب الطلائعي ...إلخ» دون باقي الجماهير.إن الرغبة والحاجة إلى الاعتراف هي طاقة تحفيزية غير اقتصادية قابلة لأن تتخد أشكال متنوعة ومتعددة.وهي بشكل ما قاعدة للبدائل الغيرالديمقراطبة كالتيوقراطية والقومية .ويبدو أن الديمقراطية الليبيرالية وحدها القادرة على تحقيق الرغبة في الاعتراف بعقلانية وذلك عبر ضمان الحقوق الأولية للمواطنة على أرضية كونية» إن ما يعجبني في تعريف فوكوياما، كونه يضع في خانة واحدة الأنظمة التي تقوم على التمييزبغض النظر عن مرجعيتها: دينية «الأوتوقراطيات»، قبلية « القوميات» ،اقتصادية» الشيوعيات». لكنني مضطرة، مع ذلك إلى النأكيد على أن الفرق الذي أتحدث عنه يكمن في المبادئ لأن الواقع في الغرب شيء آخر، وهذا لايقلل من أهمية المبدأ. إن سيادة العنف و اللاتسامح سواء من جانب أفراد في الحكومة أم المعارضة ،يعتقدون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة، نابع من الإيمان بأن الخلاف و الصراع ليس هو قاعدة البناء الاجتماعي. وهذا عنصرآخر مميز للديمقراطية الغربية ، المنحدر من مبدأ كونية الحقوق .Ralf dahrrendorfيؤكد على أن هناك شيئا واحدا ثابتا في الديمقراطية ،هو أن لاأحد يمتلك الحقيقة .لكل فرد الحق في اقتراح ماهو صالح للمجتمع. ولا اقتراح يعلو على الآخر: « في المجال السياسي... نفترض منذ البداية أن لاأحد يعرف أو يقدر أن يعرف ماهو شكل النظام الاجتماعي الملائم ، ماينتج عن هذا الافتراض ،أن تجنب الشكل المجتمعي الغير العادل، رهين بتشجيع وتثمين الصراع بين مختلف التصورات و المشاريع المجتمعية. إن عدم اليقين يعني التنافس الذي يؤسس للصراع كقاعدة للاجتماعي و السياسي. والانطلاق من هذا المبدأ، هو الذي يجعلنا نعي دلالة المؤسسات والديمقراطية التمثيلية» تقديم وترجمة: احمد العوام أشعبان المدرسة العليا للأساتذة-مكناس[email protected] لا أريد الدخول في تعريف المثقف، ولا السؤال عن وجوده بالمحمول المعرفي والواقعي الذي يثبت هذه الصفة له، ولكن يكفي أن أقول إن المثقف ليس هو الذي ينشر كتبا في الفكر أو نصوصا في الإبداع فحسب، ولكنه أيضا هو من يحرص إلى جانب ذلك على أن يجعل من حضوره في المجتمع امتدادا لكتاباته، وأن يكون له قناعات واضحة في صدد حاضر أمته ومستقبله. إنه يعد على نحو ما ضمير عصره. فهل لدينا اليوم مثل هذا المثقف؟ لن أكون مجانبا الصواب إذا كانت إجابتي سلبية، وكم سيكون محزنا أن أصف المثقف بكونه مصابا بداء فقدان المناعة ، وأقصد بذلك عجزه عن تحديد نفسه على نحو واضح، فهو لا يملك بطاقة هوية محددة، إذ يتصف حضوره في المشهد العام بنوع من الضبابية التي تجعله مفارقا للحظته التاريخية، وقابليته للتواجد في كل الأمكنة، وتصريف الخطاب وفق الظرفية التي يوجد فيها زمنيا؛ الشيء الذي يسمح بالقول إن مفهوم الزمن بدوره يصير عنده عائما. فلا يتورع المثقف عن تكييف خطابه بما يتلاءم مع الجهة التي تؤطر مكان الخطاب وزمانه. ولا شك أن وضع المثقف البائس هذا يجهل منه مجرد مصرّف أعمال. وكم هو مثير للدهشة أن يكون المثقف بهذا المعنى ضد منطق التاريخ وصيرورته. والمقصود بذلك أن من المفروض أن يتطور خطاب المثقف وفعله وممارسته نحو ما هو أكثر إيجابية، ويضيف إلى من سبقه دعامات جديدة لبناء ثقافة تخدم التاريخ في اتجاه التقدم، وفي اتجاه تحقيق المهام المطروحة على الأمة ككل، وأن يكون بوصلة هادية للمجتمع في صراعه من أجل الارتقاء نحو ما هو أفضل وسام، لكن ما حدث في واقعنا الثقافي كان عكس كل هذا، بل كان أسوء بكثير من وضع المثقفين خدام السلطة، فعلى الأقل هؤلاء كان موقفهم واضحا، ولم يكونوا يرقصون على الحبال. وكم هو مخيب للأمل أن يتنازل المثقف عن دوره عن طيبة خاطر، ويقبل بلعب دور الكومبارس في شريط التخلف الذي ما فتئت الأنظمة العربية تتقن إخراجه، مع العلم أن ظروف القمع لم تعد كما هي في ضراوتها وقسوتها. ما قلناه أعلاه، لم يكن مجرد توصيف، وإنما يؤشر على وضع ملتبس ومحير، فإذا كانت الثقافة العربية والمغربية انمازت بظهور مثقفين قاوموا ما وسعهم الجهد، بوسائلهم المحدودة، من أجل التقدم، ومن أجل التنوير، ومن أجل ربط الفكر بمصير الأمة من قبيل محمده عبد، وطه حسين، وعلي عبد الرازق، وغيرهم وضاقوا الويلات من جراء عدم رضا الحكام، وأهل الفكر المتجمد، وتحملوا في ذلك الويلات، فإن ما كان مؤملا من الخلف هو أن يتقدم بالفعل الثقافي نحو آفاق من التنوير والارتباط بقضايا المجتمع أكثر مقاومة، وأكثر إيجابية، لكن لم يحدث ذلك، ما حدث هو العكس، فقد عمل المثقف الحالي على إضاعة تلك المكتسبات، على الرغم من أنه وجد نفسه في عصر يوفر له وسائل اتصال جديدة (وسائل «الميديا»، ومحمولات الثقافة الإلكترونية، وأنساق التشابيكة) تمكنه من إيصال آرائه وأفكاره إلى فئات عريضة من دون الاصطدام برقابة السلطة، أو رقابة أهل التخلف. ما السبب في ذلك؟ أعرف أن الإجابة تقتضي فهما يستند إلى البحث والتقصي حتى يمكن الوصول إلى إجابة كافية وشافية، لكن الحالة التي نعيشها تدفعنا إلى كسر الصمت، وبناء أسئلة مؤقتة في انتظار أن يفضي تطور النقاش إلى تشخيص دقيق. وفي هذا الجانب نريد أن نركز على مجمل التناقضات التي تسم علاقة المثقف بعصره: 1- السياسي والثقافي: من البديهيات التي كانت تطرح دوما في النقاش حول وضع الثقافة هو تهميش السياسي لما هو ثقافي، كان هذا في زمن الاصطفاف الواضح، لكن هل ما زالت هذه المسألة ورادة في ذهن المثقف على النحو الذي طرحت فيه إبان مصارعة المثقف، وهو يرتدي جبة التقدمي، أم لا؟ نعم ما زالت واردة، ولكن ليس على النحو الذي كانت تطرح به سابقا، بل على نحو معكوس، حيث صار المثقف يطالب بحصته من الغنيمة، ويسعى إلى أن يخطب ود السلطة من أجل «البقشيش»، أو مكاسب ظرفية، أو منصب ما. وهناك الكثير من «المبدعين» الذين يحتلون اليوم المشهد الثقافي ممن يعدون مثالا لهذا الوضع الغريب المقلوب، وهم يعرفون جيدا كيف يكيفون أنفسهم مع الأوضاع المتقلبة، ولهم قدرة غريبة على تغيير الخطاب 180 درجة إذا ما تبين لهم أن مصلحتهم في علاقتهم بما هو سياسي مهددة. ولا حاجة لنا بذكر الأسماء. ويكفي أن نرى كيف كانوا ? وما زالوا- يشتغلون في تدبير هذه العلاقة (السياسي/ الثقافي)، فمنهم من كان عراب النظام، ويبرر ذلك بدعوى غريبة مفادها أن التنوير يمكن أن يحدث بفعل استغلال ما تمنحه السلطة القائمة من فرص وإمكانات، ومنهم من برر ذلك بأن في عصر «الديمقراطية» التي يعيشها بلده لم يعد هناك من داع لمعارضة السلطة، ولا بد من الانخراط في مشروعها السياسي، وهناك من بلغ به الأمر أن يجعل نفسه ممثلا لنظام عربي مستبد في بلده، وداعية لمشروع السياسي، ولا يتورع عن القيام بأعمال قذرة.