وأنت تقصد المركز الترابي مرآة جماعة منطقة أولاد عمران المعروفة بإنتاجاتها الفلاحية ورجالاتها الذين وقفوا ضد تيار الفساد بشتى أشكاله، قد تنتابك رغبة في اكتشاف مركز ينعم بطرقات وبنية تحتية في المستوى العادي، وإنارة عمومية، وتمدرس، وممثلين للإدارة العمومية يكون همهم تسهيل الحياة للمواطنين البسطاء، لكن أحلامك سرعان ما تتبخر مع أول إطلالة، حين تتطاير عليك الأوحال الناتجة عن مستنقعات مائية أغرقت الطرق والمواطنين في ظلمات لا قبل لهم بها، وكأنها دموع مظلومين تستجديك لإنقاذها من غدر الزمان وإهمال السلطات بالمنطقة. لا تستطيع وصف معاناة المواطنين بجماعة أولاد عمران التي يبدو أنها فقدت كثيرا من معنى اسمها وأصبحت تتجه نحو الهجران والفراغ بدل العمران والازدهار، شهادات مواطنين يعيشون أوضاعا مأساوية واستبداد سلطة لم تستوعب المفهوم الجديد للسطة، وهشاشة مركز لم يستطع الصمود أمام سوء تدبير في غياب المحاسبة والمسؤولية. «الاتحاد الاشتراكي « سبرت أغوار المركز الترابي أولاد عمران، ووقفت على حقائق مثيرة، وتعسفات لم تسلم منها حتى مهنة المتاعب. «لدي سبعة أبناء، وألقوا القبض على زوجي ليزجوا به في السجن لأني لم أخضع لأوامرهم في بسط نفوذهم على المنطقة، وجعلنا عبيدا نأتمر بأوامرهم وننتهي بنواهيهم...» بكلمات متقطعة تسرقها بين الفينة والأخرى دمعة تخرج مرغمة من بين جفنيها لتحرق وجنتيها، تحدثت سيدة اشترت بقعة أرضية بطريقة قانونية، لتعيش فيها بسلام رفقة أسرتها الصغيرة بعد أن صرفت على الأمر كل ما في حوزتها، قبل أن تفاجأ برفض السلطات الترخيص لها لبناء بيت لها تستقر فيه، رغم أن عددا من الجيران قد تمكنوا من البناء دون تعقيدات، لأنهم عرفوا كيف يتواصلوا مع المسؤولين بلغتهم التي يتقنونها. أجهشت السيدة بالبكاء قليلا، قبل أن تستجمع قواها وتهدهد صغيرها الذي تحمله فوق ذراعيها، كأنها تخبره بأن الرجل الماثل أمامهم ليس ممن خلقوا فيه وفي إخوته الرعب بالسب والشتم والتهديد والوعيد. الطفل نفسه كان يبدو مرتعبا كلما اقترب رجل من عائلته، من شدة الهول الذي عاشه وهو يشاهد والدته وإخوته يهانون وتمرغ كرامتهم في الوحل الذي صار جزءا من المشاهد المألوفة بأولاد عمران. والخطير في الأمر أن السيدة المعنية توجهت إلى جهات مسؤولة بالمنطقة وقدمت تسجيلا مثيرا لأحد ممثلي السلطة وهو يهدد ويتوعد بكلمات نابية ويتحدث عن الرشوة وغيرها من المعلومات الخطيرة التي إذا فتح تحقيق فيها قد تسفر عن خيوط مهمة بالمنطقة. التعليم والبحث عن الحروف الضائعة ببراءة الأطفال تحدت الطفلة آية خجلها وهي تتحدث عن غياب معلمة اللغة العربية، قبل أن يجد رفاقها الحماس المناسب لسرد معاناة الأطفال بالمنطقة مع مشاكل التمدرس التي لا حصر لها. فإذا كان غياب المعلمين قد يجد مبررات معينة، فإن غياب البنية تحتية ونظام تمدرس واضح يراعي الفئات العمرية لا مبرر له إطلاقا، فأبسط الأشياء قد تفاجئ أي زائر لمجموعة مدارس أولاد الخاوى بدوار أولاد الشيخ أو فرعية دوار الطويليع التابعة لمجموعة مدارس الوفا التابعة لإقليم سيدي بنور، المراحيض تغزوها الأوساخ والأدران في مشهد مقزز، حتى جدران الأسوار المحيطة بالمدرسة، صارت تتوسطها ثقوب كبيرة تحولت إلى مداخل مريحة، لتبدو من خلالها الفصول كأنها في كهوف غريبة من صنع مسؤولي المنطقة. الأحوال التعليمية بالمنطقة تشير إلى خروجها مبكرا من أجندة المخطط الاستعجالي لوزارة التربية والتعليم في هذا الشأن. كما أن السيارات التي تقل التلاميذ الذين يقطعون عدة كيلومترات لمتابعة دراستهم، أصبحت تسيطر عليها لوبيات المصالح المتشابكة وسماسرة الانتخابات. يقول أحد المواطنين بكلمات تفوح مرارة :»سيارات النقل المدرسي صارت وسيلة لقضاء المصالح الانتخابية، ويستفيد منها فقط الموالون للمتحكمين فيها، وذلك (على عينك يا بن عدي) في غياب أي محاسبة...» أبرز سمات تدهور التعليم تظهر جلية بالمنطقة التي تبعد عن مدينة سيدي بنور بحوالي 40 كيلومترا. نقص حاد في الحجرات الدراسية، شبه انعدام النقل المدرسي، بالإضافة إلى النقص الحاد في المرافق الصحية التي وإن وجد بعضها، فإنه لا يبدو في حالة صحية، علاوة على تعطيل عملية انطلاق المطاعم المدرسية، دون الحديث عن تحول المؤسسات التعليمية إلى أوكار للصوص وقطاع الطرق، في غياب تام للحراسة بها. ليظل التعليم بالمنطقة في بحث مضن عن حروفه التي افتقدها للالتحاق بالركب. مركز بدون بنية تحتية لعل الوافد على المركز الترابي أولاد عمران الذي يمتد نفوذه إلى خمس جماعات تضم أولاد عمران وكدية بني دغوغ وتامدة وكريديد ولحكاكشة، قد يفاجأ بالحالة المتردية التي أضحى عليها، حيث كان حاله قبل سنوات أفضل مما هو عليه الآن، ليتقهقر وضعه على خلاف الأوامر الملكية والمبادرات التي جعلت الاهتمام بالمجال القروي ضمن الأولويات. فالشوارع لا تتوفر على أدنى مقومات البنيات التحتية، حفر كبيرة، برك مائية هنا وهناك، أزقة وشوارع خالية من التعبيد، وكأنك تزور إحدى القرى السورية وتعاين دمار الحرب الطاحنة على الشوارع والأزقة، لتتوصل فعلا الى أن المركز الترابي أولاد عمران كان ضحية حرب انتخابية قذرة، وحرب مصالح تقودها لوبيات فاسدة حولت المنطقة إلى دمار يثير الاستغراب. قد تستوقفك لوحة إعلانية كبيرة تتحدث عن أشغال مد المنطقة بالماء الصالح للشرب، يبدو أنه تم تثبيتها منذ سنوات، تفيد أن مدة الأشغال التي تتجاوز قيمتها المادية مليوني درهم، تدحضها الحفر الخاصة بربط الأنابيب البلاستيكية التي لاتزال قائمة، ربما في انتظار صفقة أخرى لإغلاق الحفر من طرف جماعة المنطقة بعد توصلها بإمدادات مالية لهذا الغرض. وعلى ذكر التزويد بالمياه، فسكان المنطقة يعانون من التزويد بهاته المادة الحيوية، وفي هذا الصدد يقول مصطفى المويمي رئيس جمعية الماء الصالح للشرب دوار أولاد شبان المكرونات التابع لمركز أولاد عمران: «نحن نعيش في عصر بائد، نتوصل بمياه غير معالجة، وبتسعيرة مرتفعة جدا، كما أن الصهريج لا يخضع للمعايير الصحية...» وحسب ما عاينت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» ،فإن البئر المعتمدة في مد ساكنة المنطقة بالماء الصالح للشرب، لا تبعد سوى بأمتار قليلة عن المجزرة بما تحتويه من دماء ومياه ملوثة، وهو ما يتسرب إلى جوف الأرض، حيث تقتضي مصلحة السكان عمل المسؤولين بالمنطقة على أخذ عينة من المياه وإرسالها إلى المختبر الوطني لدراستها والتأكد من خلوها من أمراض قد تستقر في أجساد سكان لا ذنب لهم سوى أنهم من أبناء المنطقة التي يسيطر عليها الاستهتار واللامبالاة بحياة المواطنين. هذا دون إهمال الحديث عن الوضع الصحي الكارثي بالمنطقة، حيث يعاني المركز الصحي بأولاد عمران من نقص كبير في الأطر العاملة من أطباء وممرضين، علاوة على معاناة الأمهات من انعدام دار للولادة بالمنطقة حيث يضطر الأهالي إلى قطع كيلومترات عديدة للعثور على مستشفى للولادة، سواء باتجاه مدينة اليوسفية أو آسفي أو سيدي بنور أو الجديدة. وتظل منطقة أولاد عمران مرتعا خصبا لتجارة المخدرات بشتى أنواعها، فبالإضافة إلى القنب الهندي (الكيف)، والشيرا (الحشيش)، كثرت منابع ماء الحياة (الماحيا)، وهي خمور تتم صناعتها محليا، وذلك بعلم السلطات هناك، والتي لا تحرك ساكنا، مكتفية بمراقبة المنطقة من دخلاء قد يعكرون صفو الفساد القائم هناك، على غرار زيارة جريدة الاتحاد الاشتراكي. القائد والشطط في استعمال السلطة بعد توصل جريدة «الاتحاد الاشتراكي» بمجموعة من الشكايات حول الأوضاع المزرية التي تعيشها منطقة أولاد عمران، قررت التوجه لمعاينة الأمر، وفي إطار استماعها لأقوال المواطنين الذين عبروا عن معاناتهم اليومية، والتقاط صور للكوارث التي آلت إليها المنطقة، توصل المستشار الاتحادي باستدعاء من قائد المنطقة يطالبه بالحضور رفقة ممثل الجريدة الطيبي اهنودة الذي كان يلتقط صورا للمنطقة حسب ما يكفله له القانون العام وقانون الصحافة. وفعلا توجه المصور إلى القائد الذي يبدو أنه لايزال يعيش في العصور البائدة، حيث طلب من أحد زبانيته إقفال الباب بالمتراس، في ما يبدو أنه احتجاز. لم يطلب هذا القائد، باللباقة التي يجب أن تتوفر لدى رجل سلطة، الوثائق الخاصة بالرجل أو هويته، أو تبريرا لما يقوم به، بل صرخ بكل سلطوية وعيناه تنظر للرجل باحتقار وازدراء كبيرين، ليخبره بأن التقاط الصور ممنوع قانونا، ليجيبه المصور بكل لباقة بأنه صحافي مهني ولديه بطاقة وزارة الاتصال وأنه يلتقط صورا للشارع العام، وليس لمرفق حساس. توترت الأجواء وصار القائد يرغي ويزبد وتعهد بمعاقبة المصور، الذي تمكن من الإفلات من الاعتقال التعسفي، بعد استغلاله لحيرة القائد بعد اتصالات هاتفية بين الصحافي ومسؤولي الجريدة. علمت الجريدة أن القائد لم يخرج عن عادته في الشطط في استعمال السلطة، حيث تتوفر وزارة الداخلية على شكايات في الموضوع، وأن ما حدث ليس بغريب عن قائد كان حريصا جدا على إحكام إقفاله المنطقة في وجه الإعلام، لأن هناك ملفات كثيرة تطبخ في السر وليس في مصلحة العديد من المسؤولين بالمنطقة أن تنكشف تلك الأمور إلى العلن.