1 ذات صباح هاتفني القاص الوديع جبران الكرناوي ليخبرني بالفاجعة، رحيل الأديب المختار ميمون الغرباني. لم يكن متيقنا أن يرحل الغرباني في غفلة منا، دون سابق إخبار. أدرك جيدا أن الموت حق، وأنه مصير كل حي طال عمره أم قصر، ولكن هذا الإدراك اليقيني لم يمنع الألم من أن يتسرب إلى قلبي وأنا أتلقى فاجعة رحيل الأديب الغرباني. 2 الكتاب الحقيقيون لا يموتون، يظلون شامخين بانتاجاتهم الأدبية والفكرية، وبإنسانيتهم الصادقة. قبل الدخول إلى قاعة العروض بدار الشباب، التقيت المبدع الأنيق المختار ميمون الغرباني في جلسة حميمية دافئة، داخل فضاء شاعري به ضوء خافت وتنبعث منه رائحة ماء الورد... كان اللقاء وكان الحوار بصدق وحب وشفافية، كان يرد على أسئلة الحوار، وهو يرتدي لباسا أبيض ناصعا، ويدخن سيجارته الشقراء، وابتسامته الصوفية لا تفارق محياه. لامست عدة جوانب من شخصيته المتعددة، حاورت الغرباني الإنسان الذي يحب الحياة ويحب الحب والإنسان، والأمل والصداقة، سألته عن طفولته، وعن أصدقائه الذين يحبونه حد الجنون، ثم حاورت الغرباني الأستاذ والمربي في علاقته بالمؤسسات التعليمية وبتلاميذه، وبالفصل وبشكل عام عن واقع المدرسة العمومية. وتوقفنا كثيرا عند المختار ميمون الغرباني المناضل الحزبي والنقابي والحقوقي، على اعتبار أننا ننتمي لنفس التنظيم. فكان بين الفينة والأخرى يبتسم ويدخن سيجارته المفضلة، ويرشف دكة من فنجان قهوته السوداء. فكان الثوب الأبيض الذي يلفه، جعل منه عريسا، شابا وسيما دائم الابتسامة... يقف الغرباني شامخا كالزرافة، لأنه كان مستعجلا والوقت يداهمه. ودعني بابتسامته الصوفية. ووعدني بمواصلة الحوار في زمن ما، في فضاء ما. وطلب مني أن أبلغكم تحياته الصادقة المنبعثة من القلب في أسمى صفاءه. وقال لكم جميعا: إنكم تستحقون الحياة والحب. 3 صدق قول شاعرنا بدوي الجبل إذ قال : « غاب عند الثرى أحباء قلبي فالثرى وحده الحبيب الخليل». دمت أيها العزيز حيا وبهيا بيننا .