- في 24 أكتوبر من الشهر الفارط خلّد العالم اليوم العالمي لشلل الأطفال، فما المقصود بهذا المرض؟ - شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات من الزمن، ويدخل الفيروس الجسم عبر الفم أو الأنف، ثم يتكاثر في الحلق والأمعاء، وبعدها يمتصه إلى الجسم وينتقل عبر الدم إلى باقي أجزائه. وتبلغ فترة حضانة الفيروس في العادة، منذ دخوله الجسم إلى بدء ظهور الأعراض، ما بين 5 و 35 يوما، علما أنها في المتوسط تتراوح ما بين أسبوع وأسبوعين. وينتقل هذا الفيروس من شخص إلى آخر بعدة طرق تشمل التواصل المباشر بين شخص مصاب وآخر سليم، وعبر المخاط، والبلغم من الفم والأنف، وعن طريق البراز الملوث، إضافة إلى الطعام والماء الملوثين بالفيروس. وتتمثل أعراض المرض الأولية في الحمى، والتعب، والصداع، والتقيؤ، وتصلب الرقبة، والشعور بألم في الأطراف. وبالإضافة إلى تداعيات المرض على أطراف المصاب سيّما على مستوى الساقين فإن ما بين 5 و10 في المئة من المصابين بالشلل يلقون حتفهم بسبب توقف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها. - كيف هي الوضعية الوبائية لهذا المرض عالميا؟ - في مطلع التسعينات كان مرض شلل الأطفال الفيروسي يمسّ حوالي 350 ألف شخص على امتداد 125 دولة، متسببا في شلل آلاف الأطفال وفي وفياتهم أيضا، إذ كما قلت فإن ما بين 5 و 10 في المئة من المصابين يسبب الشلل توقف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظيفتها، ولم تحدّ من انتشار المرض وتطوره سوى حملات التلقيح التي مكّنت لوحدها باعتبارها عاملا وقائيا من فرملة تطور المرض وتسجيل نسب للتراجع في معدلات انتشاره، إذ تقلّص عدد حالات المرض إلى 359 حالة سجلت في 2014 من أصل 350 ألف، وإن ظل حاضرا ببعض الدول كما هو الحال بالنسبة لأفغانستان وباكستان، مع التأكيد على حقيقة وهي أنه طالما هناك طفل واحد مصاب بعدوى فيروس الشلل، فإن الأطفال في جميع البلدان هم معرضون لخطر الإصابة بالمرض. - هذه الوضعية تدفعنا للتساؤل عن واقع الداء في بلادنا؟ - يجب أن أؤكد على أن مرض شلل الأطفال هو داء يحظى باهتمام خاص بمختلف دول العالم من أجل القضاء عليه، وهو مناسبة لأبرز المجهودات التي قامت بها وزارة الصحة ببلادنا في مواجهة هذا الداء، إذ ومنذ سنة 1987 وإلى اليوم لم تسجل أية حالة إصابة واحدة بالشلل الفيروسي في صفوف الأطفال، وذلك نتيجة للمجهود المبذول في هذا الصدد على مستوى البرنامج الوطني للتلقيح، وهنا أود أن أشير إلى أننا انتقلنا على مستوى هذا المرض من استعمال التلقيح الفموي من خلال جرعات تؤخذ عن طريق الفم إلى التلقيح بالحقن، ونحن اليوم في المرحلة الثالثة والأخيرة من خطوات هذا البرنامج التي تمتد ما بين سنة 2015 و سنة 2020 في انتظار الحذف النهائي لهذا التلقيح الفموي والقضاء الكلي على المرض من خلال تسلم شهادة في هذا الصدد من منظمة الصحة العالمية على غرار أمراض أخرى تم القضاء عليها بالمغرب. - كيف تتم عملية مراقبة تطور شلل الأطفال الفيروسي ووجوده من عدمه؟ - عملية تتبع حالات الشلل عند الأطفال تشمل كل الأشخاص الذين هم دون سن 15 سنة، ووفقا لتوصيات منظمة الصحة العالمية فإنه يتعين التعامل سنويا مع عدد محدد من الحالات التي يجب الاشتغال عليها في إطار نظام المراقبة الوبائية، وهو العدد المحدّد الذي يتم حسابه وفقا للمعطيات الوبائية المتعامل بها عالميا، حتى نتسلم شهادة سنوية من هذه المؤسسة الصحية الدولية، ولهذه الغاية يقوم خبرائها بزيارة المؤسسات الصحية يختارونها من اجل الوقوف على حقيقة نجاعة نظام المراقبة والآليات المتبعة ويتتبعون الوضع في هذا الصدد، وهو ما جعل المغرب دوما يجتاز عملية التقييم هذه بنجاح. أما بالنسبة لمنشط هذا البرنامج على المستوى الداخلي، فإنه يقوم بمبادرات استباقية تتمثل في الانتقال إلى جميع مصالح استشفاء الأطفال بشكل أسبوعي وليس انتظار التوصل بحالة من الحالات المرضية، ويتم إجراء تحاليل البراز على الحالات المشكوك فيها من أجل التأكد من طبيعة أسباب المرض، وهو مايعطي لنظام المراقبة الوبائية الخاص بنا قوة ومصداقية ويؤكد نجاعته. وإن كان من خلاصة يجب التأكيد عليها في هذا الصدد فهي كون نظام المراقبة الوبائية هذا وعملية التمنيع التي يجب أن تتجاوز تغطيتها دائما نسبة 90 في المئة الآلية التي مكّنت من مواجهة داء شلل الأطفال الفيروسي. - الحديث عن التلقيح ضد شلل الأطفال يحيلنا للحديث عن برنامج التلقيح الوطني، فما هي الأمراض التي يستهدفها، وما هو تقييمكم له؟ - هذا السؤال يدفعني لأن أعرض عليكم مراحل تطور هذا البرنامج، إذ انطلقنا في البداية بحملات متفرقة للتلقيح، ثم انتقلنا للعمل ببرنامج موسع في هذا الصدد شكّل أول خطوة في هذا الباب، والذي انطلق سنة 1981، وكان يشمل التلقيح ضد 6 أمراض مستهدفة وهي السل، شلل الأطفال، السعال الديكي، الكزاز، الدفتيريا والحصبة، وبعد تقييم لهذا البرنامج لوحظ أنه لم يصل إلى النتائج المتوخاة، إذ لم تتجاوز نسبة التغطية 50 في المئة، فتم الانتقال للعمل في سنة 1987 بالبرنامج الوطني للتمنيع المعمول به حاليا، والذي عرف تنظيم مجموعة من الحملات التي تعرف بالأيام الوطنية للتمنيع، وفي سنة 1995 تم الشروع في العمل ببرنامج القضاء على شلل الأطفال، كما أنه وفي سنة 1999 تم إدخال التلقيح ضد التهاب الفيروس الكبدي من نوع «باء»، واستمرارا في هذا المسار الإيجابي تم في سنة 2003 الشروع في العمل بتلقيح الحصبة والحميراء، وقد تميز هذا البرنامج بكونه ظل في تطور مستمر تجاوبا مع توصيات منظمة الصحة العالمية والتكيف مع احتياجات وسياق مكافحة الأوبئة في المغرب، والذي مكّن من القضاء على شلل الاطفال، واستمرار القضاء على الكزاز المولدي الذي يتسبب في عدة وفيات للأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى القضاء على المرض الثالث وهو الحصبة. واليوم أصبح التلقيح يشمل حاليا 11 مرض وبائي، وذلك بعد إدخال التلقيح ضد الالتهابات والتعفنات النفسية «البنموكوك»، والتلقيح ضد حالات الإسهال الناتجة عن فيروس «الروتافيريس»، ويشمل هذا البرنامج 9 مواعيد قارة للتلقيح ابتداء من 24 ساعة الأولى بعد الولادة وإلى غاية السنة الخامسة من عمر الطفل. - كيف هي نسبة التلقيحات على مستوى جهة الدارالبيضاء الكبرى في ظل التقطيع الإداري القديم؟ - أود أن أوضح قبل ذلك أنه وإلى جانب تلقيح الأطفال أقل من سنة باللقاحات، فإن هناك تذاكير دورية هي الأخرى يستفيد منها الأطفال الملقّحون، وقد ساهمت هذه التلقيحات في التخفيف من وفيات الاطفال وفقا لاهداف الألفية الإنمائية، على اعتبار أن برنامج التمنيع هو رافد من روافد تقليص وفيات الأططفال دون سن 5 سنوات. وبخصوص مؤشر التلقيح على المستوى الوطني فإنه ظل دائما يتجاوز نسبة 90 في المئة، أما على مستوى جهة الدارالبيضاء الكبرى، والمقصود بها كل من عمالة الدارالبيضاء وعمالة المحمدية، إضافة إلى إقليم مديونة وإقليم النواصر، فإن هذه النسبة تفوق 95 في المئة، وبالتالي فإننا أمام برنامج هو من البرامج المهمة والمنظمة لوزارة الصحة، ويجب أن يكون الجميع على علم أن برنامج التلقيحات هذا هو غني بعدد اللقاحات التي يتوفر عليها مقارنة بدول جهة «إمرو» أي شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وبخصوص الأرقام التي تبين حجم المستفيدين فيمكن أن أسرد بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر، إذ تشير أرقام الملقحين للسنة الفارطة 2014، أن المستفيدين من اللقاح ضد شلل الأطفال فقد بلغ 75022 مستفيد، بنسبة 97.41 في المئة، و 53499 ملقّحا، أكبر عدد للملقّحين سجل بالبرنوصي، متبوعا بمولاي رشيد، ثم المحمدية، في حين بلغ عدد الملقحين بلقاح الفيروس الكبدي «ب»، 73080 مستفيدا ... وغيرها من الأرقام، وبالتالي نحن أمام برنامج غني للتلقيحات يتعين على المواطنين الاستفادة منه والتوجه إلى أقرب مركز صحي تابع للسكن فور ولادة المولود وتمكينه من تلقيحاته بشكل منتظم. كما أود في الختام أن ألفت الانتباه إلى أن الرضاعة الطبيعية هي الأخرى من الراوفد المهمة إلى جانب برنامج التلقيح في إكساب المواليد/الرضع مناعة في مواجهة الأمراض، إلا أنه يتبين وبكل أسف أن نسبة الأطفال المستفيدين من الرضاعة الطبيعية المطلقة، خلال الأشهر الستة الأولى، قد انخفضت من 52٪ سنة 1992 إلى 32٪ سنة 2004، ثم 27.8٪ سنة 2011، فضلا عن كون نسبة الأمهات اللواتي يقدمن الثدي مبكرا خلال النصف ساعة الأولى بعد الولادة لايتجاوز26.8٪ ، وفقا لإحصاءات المسح الوطني للسكان والصحة الأسرية2011، وذلك نتيجة لتغير أنماط العيش بالوسط الحضري خاصة، وكذلك لانتشار بعض الاعتقادات الخاطئة لدى الأمهات حول عدم كفاية حليب الأم كغذاء وحيد للرضع ، في حين أن كل المعطيات العلمية والتوصيات تدعو إلى الإرضاع المطلق بحليب الأم طيلة الستة أشهر الأولى. وعليه يتعين تدارك هذا الأمر والعودة إلى الرضاعة الطبيعية التي تحظى بكثير من الاهتمام حتى في الدول الأوربية التي تشجع الأمهات عليها. (*)المدير الجهوي لوزارة الصحة بجهة الدارالبيضاء الكبرى