أدى صباح الخميس الماضي الآلاف من المسلمين، وسط أجواء روحانية خاشعة صلاة العيد في مسجد ستراسبورغ الكبير، الذي يحتفي يوم الأحد بالذكرى الثالثة لتدشينه، أتوه قاصدين من بلدات مجاورة لمدينة تعتبر عاصمة لمنطقة الألزاس الفرنسية لأداء أداء سنة نبي الله إبراهيم عليه السلام، في يوم جعل من النحر تقربا من الله. وانتشر متطوعون من جمعية المسجد ستراسبورغ الكبير المسيرة للمسجد، وعدد مهم من خدام بيوت الله على بوابات بيت العبادة هذا، لتيسير إلتحاق أكثر من 4 آلاف من المصلين سواء إلى قاعة الصلاة الرئيسية بما فيها القاعة المخصصة للنساء أو بقصد السهر على حسن مقامهم في باحة المسجد التى تحولت إلى مصلى افترشوا فيها سجادات من بلاستيك واختبئوا من لفحات الشمس تحت خيام مفتوحة. فبعد عقود من الصلاة في أماكن ضيقة وأقبية كذلك بات للمسلمين في مدينة ستراسبورغ مكان يليق بأداء الصلاة، وشكل تشييد مسجد ستراسبورغ الكبير، الذي دشن قبل ما يقارب ثلاث سنوات بحضور مغربي وازن وممثلين عن الديانتين المسيحية واليهودية في منطقة الألزاس مصدر فرحة للسلطات المحلية في مدينة ستراسبورغ باعتباره معلمة دينية إسلامية تجاور قبته أجراس كنيسة السيدة العذراء وبرج كنيس السلام الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تعزيز الصلة والروابط بين مواطني المنطقة مسلمون أو غير مسلمين. وشيد المسجد ستراسبورغ الكبير، الذي بلغت كلفته 10 ملايين أورو ممولة من هبات المحسنين والجماعات الترابية والمانحين الأجانب، وفي مقدمتهم المغرب بمبلغ3.9 مليون أورو، على مساحة تفوق 10 آلاف متر مربع، منحتها سلطات الألزاس لجمعية المسجد، بني منها أزيد من 2700 متر مربع، ليستقبل 1500 من المصلين، 500 منهم من النساء، أي أكبر مساحة مخصصة للصلاة في مساجد فرنسا. ويحظى المسجد الذي شيد بوسط المدينة والذي أشرف على هندسته المهندس المعماري الإيطالي باولو بورتوغيسي إنفيتي، الذي استوحى تصميم المسجد من قناطر نهر «إيل» الذي يرفد من نهر «الراين»، بقبته المذهبة التي يصل ارتفاعها إلى 24 مترا وأعمدته الثمانية وألوانه الرمادية والبيضاء، بتقبل سكان المدينة. فبعد أزيد من عشرين سنة من العمل والمثابرة لمؤسسيه المغاربة وعلى الخصوص عبد الله بوصوف الأمين العام الحالي لمجلس الجالية المغربية بالخارج، والذين يدعمهم عمدة المدينة الاشتراكي رولان ري، تم أخيرا بناء المسجد الكبير بستراسبورغ ليتيح لمسلمي المدينة ومنطقة الألزاس مكانا محترما لممارسة شعائرهم ومصدرا للفخر والاعتزاز. وكان المشروع قد شهد تعثرات عديدة بسبب التناوب السياسي بالمدينة، إذ حال اليمين دون بناء مئذنة المسجد قبل أن يتولى العمدة الاشتراكي السيد رايس، سنة 2008، شؤون المدينة مجددا، فأذن باستئناف الأشغال بالمشروع التي توقفت منذ عام 2006 . فمنذ تدشينه، قبل ثلاث سنوات بعد جهود دامت أزيد من 15 سنة لكل من الجالية المسلمة المقيمة في مدينة ستراسبورغ، التي تشكل الجالية المغربية جزءا مهما منها، والسلطات العمومية في هذه المدينة التي لم تتوان عن تقديم الدعم لإنجاز هذه المعلمة الدينية والتاريخية، شكل مسجد ستراسبورغ الكبير قنطرة بين الحضارات وواجهة مهمة لإسلام يتلاءم بشكل إيجابي مع محيطه الأوربي، وواجهة للتعريف بالنموذج الديني المغربي، المبني على التسامح. وخصص الإمام محمد الموسوي، خطبة العيد، التي حرصت بعض الأسر أن يحضرها أبناؤها يقيمون في مدينة واقعة في مقاطعة الألزاس، على الحدود مع ألمانيا، يتراوح عدد سكانها ما بين 350 و400 ألف شخص، بينهم 40 ألف مسلم، للحديث عن شعائر عيد الأضحى، ومغزى العيد في حياة الإنسان وعلاقته بخالقه، الله سبحانه وتعالى، قبل أن يعرج للإشارة إلى مبادئ التضامن والسهر على حسن العيش المشترك، الأمر الذي فصل فيه بشكل كبيرفي خطبة الجمعة التي حضرها ما يقارب ألفي مصل ومصلية من جنسيات مختلفة. فقد شكلت قاعة الصلاة لمسجد ستراسبورغ الكبير لحظة صلاة العيد الأضحى أو خلال صلاة الجمعة برهانا على أن الله رب العالمين، إذ تحولت صفوف المصلين الى فسيفساء روحي ضم مصلين رجالا ونساء شبابا وكهولا من بلدان آسيا، أو دول إفريقيا جنوب الصحراء افريقيا وروسيا البيضاء (الشيشان) وعدد من الفرنسيين المسلمين الذين اختاروا الالتحاق بأمة الرسول محمد خاتم الأنبياء. وهي المبادئ بل المنطلقات، التي أكد عليها علي الجرودي، في كلمة له في مستهل الاستعداد لصلاه العيد بحضور أعضاء الجمعية، ومحافظ منطقة «با رين» وجهة الالزان، والنائب الأول لعمدة مدينة ستراسبورغ وممثلة المجلس الجهوي ورئيس المجلس الجهوي للديانة الإسلامية في فرنسا، حيث أشار رئيس جمعية مسجد ستراسبورغ الكبير الرسائل القيمة التي يحملها الاحتفال بعيد الأضحى من بينها الصبر والاستمرار في محبة الله والجهاد من أجل التخلص من النفس السيئة الإمارة بالسوء وجزاء الله بالحسنات كل من واصل في صبره ومحبته لله والتقرب منه. وشدد على الجرودي على قيم التقاسم والعيش المشترك والتضامن والتسامح والحوار التي تعكسها الاحتفالية بعيد الاضحى، وهي القيم التي تصر الجالية المسلمة في فرنسا بشكل عام ومنطقة الالزاس بشكل خاص أن تستمر في تبنيها في تناغم مع قيم الجمهورية والمواطنة الايجابية. وأكد رئيس جمعية مسجد ستراسبورغ الكبير أن ضرورة دعم السلطات المحلية لهذة المؤسسة الدينية، التي تعتبر قنطرة بين الحضارات وواجهة مهمة لإسلام يتلاءم بشكل إيجابي مع محيطه الاوربي، وواجهة للتعريف بالنموذج الديني المبني على التسامح والاعتدال الوسطية، من خلال مساندة جمعية مسجد ستراسبورغ الكبير من أجل تحقيق مشروع انشاء مركز لتكوين الائمة والأطر الدينية في ستراسبورغ، وكذا مشروع تدريس الدين في المدارس، وايضا انشاء مركز سوسيوثقافي تابع للمسجد الكبير. إن الوضع الخاص الذي تعيشه مدينة ستراسبورغ بفضل القانون التوافقي الذي تتبناه منذ فترة حكم نابليون، مدينة لتعايش الحضارات وعنوانا لتسامح الديانات، جعلها تستفيد من تمويل المؤسسات العمومية بلغ حوالي 26 في المائة من قيمة المشروع، فيما ساهم المغرب في المشروع بتمويل تجاوز 50 بالمائة من التكلفة. كما أن التقارب بين الاسلام والديانتين المسيحية واليهودية بستراسبورغ، كان مصدرا لمساندة قساوسة وأحبار لمطلب المسلمين بناء مسجد بستراسبورغ، الذي تم إطلاقه مشروع بنائه عام 1998، من خلال توقيعهم على نداء. وقد حيا كل من محافظ منطقة بل رين والالزاس ستيفان فرتاسي ونائب عمدة ستراسبورغ، ألان فونتانيل مبادرة التضامن التي قام بها المسجد إزاء اللاجئين السوريين بشراكة مع جمعية ألزاس سوريا، وهي المبادرة التي اعتبرها علي الجرودي «انها بالدرجة الأولى إنسانية تجاه إخوة يعانون الفقر والحاجة واتخذت منحيان، الاولى التبرع بثمن الأضحية لفائدة جمعية ألزاس سوريا أو بما تيسر من لحم الأضحية لفئدة اللاجئين»، وهي العملية التي انطلقت منذ الجمعة وتواصلت أمس الأحد في احتفالية تؤسس للتضامن والتعاون والمساندة للاجئي فرنسا في محنتهم الإنسانية.