في هذا الحوار مع الأستاذ موليم العروسي الذي نقدمه للقراء يفترض مساءلة الحوار ذاته . كيف سيكون حوارنا معه ؟ و هل يستطيع ترميم المعنى من اللامعنى ؟ و ماهي موضوعات الحوار؟ ... الخ ، و هي كلها أسئلة تروم بما قاله موريس بلانشو من خلال قولة ماركيز دوساد يجب على الفلسفة إن تقول كل شيء مهما ارتعد الناس من ذلك أسئلة كثيرة تقترب منا كلما ابتعدنا عن مكان الحوار و تبتعد منا حينما نكون قبالته . و بين القرب و البعد يتبخر الكلام ليصير ماءا نشربه أحيانا ، و نرش به المكان في أحايين أخرى . الجلوس مع موليم العروسي يحملك إلى متاهة غريبة تبحث عنه فتجده في ليلته الموعودة . إلا انه يختفي مرة أخرى بين سيدة المقام وكائناتها في الطابق العلوي. و بين هذا و ذاك يحضر الخطيبي و دكالة ، الفن المعاصر ، المرأة ، الكتابة الروائية ، الأسطورة ، التسمية ، الأثر ، المؤسسة و كائنات أخرى تظهر و تختفي كما هو . لا نستطيع قول الدهشة في هذا الحوار ولا نظن أننا حاولنا رسم بورتريها لهذا الكاتب / الباحث الذي يتقن حرب العصابات على الكلمات و الأشياء و إنما حاولنا بمكر شديد ضيافته بحب مع قراء محتملين . فأسئلة ما بعد الحداثة تسكنه ، لهذا يجب المشي و الترحال بين النصوص و الآثار اللتين لفظتهما المؤسسة ، ربما قد أقلقنا خلوته انطلاقا من النوافذ التي فتحها لنا، و لعل المجال الذي يشتغل فيه و عليه من بين مجالات اخرى ( علم الجمال بما باب مشرعة على الجسد ) هو الذي وضع مساحة رحبة في هذا الحوار . كان الحوار طويلا( في حدود أربع حلقات تدوم كل حلقة أربع إلى ست ساعات ) في مؤسسة محمد بنسعيد ايت ايدر بمرس السلطان بالدارالبيضاء . لا نريد ربط هذه المؤسسة بالدلالة التي تحيل عليها، و إنما أشكر الأخ أحمد الحبشي الذي فتح لنا بابها ، مثلما أشكر الصديق الشاعر محمد عرش الذي ساعدني في تفريغ هذا الحوار . o في جدلية النور والظلمة ثمة ألوان قزحية تعيش وسط هذه الثنائية وتخلخلها في نفس الوقت، ونعني بذلك الحضرة الصوفية والتركيب الرمزي للألوان قبالة الله، بأي طريقة توسمون ذلك، هل الجمالي الذي يسكنكم هو الذي ينبهكم للعبور من هذا اللون إلى آخر، ثم كيف تربطون بين الجذبة الصوفية وشطحة الفنان في مرسمه؟. n بطريقة أكثر بساطة من السؤال هو أنه ربما حدث مثل ذلك لك، لا أدري نوع القلم الذي تكتب به، ولكن علاقة المبدع بالملمس واللون والرائحة، علاقة ذات أهمية كبرى، بما سيصدر عن الجسد من إبداع، فعندما كنت أكتب بقلم الحبر، وعلى ورق شروب، والحروف تتمدد، ورائحة الحبر، هذه علاقة خاصة داخل طقس الكتابة. بحيث أنه لا يمكن أن تبدأ يومك دون تجريب القلم على الورق والدخول في هذه العلاقة الحميمية مع أدوات الإبداع. الفنان يوجد على نفس الحالة وربما أكثر،عند دخوله إلى مرسمه وأمام سنده فهو يدخل إلى فضاء وطقس محدد هناك المواد والعجائن ورائحة القماش والأحبار..كل هذا قبل الشروع في العمل. لقد تحدث عن هذا مطولاً في نص حول الفنان "عبد الكبير ربيع «،في كتاب بالفرنسية عنوانه الظل والنور،أتحدث فيه عن هذه العلاقة الموجودة بين الفنان وتعامله مع القماش الذي سوف يكون حاملا للرسم والتواصل الذي يمكن أن يحدث بينهما(أي الفنان وقماشه) حينها، وجذبة الجذاب حيث يدخل في علاقة مشتتة مع الموسيقى، يكون فيها هائما تائها يبحث فيهاعن نقطة ارتكاز أساسية داخل الموسيقى(فهناك القراقب والطبل والكنبري وهناك الأصوات والروائح...)والحداب يبحث داخل كل هذا عن نقطة الارتكاز وعندما يعثر عليها تصبح رقصته متزنة أي عندما يدخل في الجدبة بشكل متناغم، ويذهب نحو الإشباع. الفنان كذلك تماما وخصوصا عندما يكون في بحثه الدائم عن مجهول ما، فهو يهييء القماش بطلائه بصباغة بيضاء ثم يعمد إلى حكه، يتأكد من أن الملمس جيد ويوفق نفسيته، يتردد في اختيارالأصباغ، أنا أتحدث عن "ربيع" فهو فنان حركي يمكن أن يقوم بما قلته الآن في بداية الأسبوع وأن لاينجز العمل إلا في نهايته ويمكن للحظة الحاسمة أن تأتي في دقيقة وينجز العمل كحركة سريع فوق القماش. كل هذه الأمور تتحدد وجسده يبحث عن تلك النغمة، نغمة الإرتكاز فيلغي هذا اللون وذاك هذا لا يوافق وهذا ليس كما أريد، ويَدُه تبحث عن لحظة المتعة واللذة الكبرى فيضع اللمسة على العمل، ولكن عندها سوف فيتراجع إلى الوراء، فيرى أن هناك شيئاً ناقصاً. هنا يمكن أن نقارن حالته مع الجداب عندما يسقط وترى المعلم عازف الكنبري يشير إليه أو يلمس جسده ويقول له بالصحة، هذه اللمسة هي نفسها التي يضعها الفنان والتي تحدث التوازن ككل داخل العمل والتي سوف تمنح الإشباع في نفس الوقت. وهذا شيء موجود عند الصوفي والكاتب. بحيث أن الكتتب عندما ينتهي من كتابة النص ويعيد قراءته يمكن أن يكمل توازن بنيانه بفاصلة أو قاطعة أو حرف ويحدث هذا الأمر في القصة كما في الرواية أوالشعر أو الأبحاث حتى العلمية لأن الأمر يتعلق بالكتابة بصفة عامة.... أما وبالعودة لشطر آخر من سؤالك، فاللون الأساسي هو الأبيض، ولكن في توزيعه تصبح الألوان متعددة، والأبيض في الفكر اللاهوتي التوحيدي مانح الحياة لأن هناك ارتباط كبير بين الأبيض والنور وآلهة الديانات التوحيدية. لكن الفنان يأخذ مانح الحياة هذا الذي هو بمتابة الخالق، يمدده، يفتته، ويعدده ويعيد تركيبه من جديد. وهذه هي أهمية الفنان، بما أنه لم تكن له فرصة لإبداء الرأي في السياسة (أتحدث عن فترة السبعينات)، كي يعيد النظر في مرتكزات الخطاب السياسي الإستبدادي عن طريق إعادة لنظر في اللاهوت بهذه الطريقة. الفنان سلك إذن هذه الطريقة، لاشعوريا طبعا، وهي طريقة طبعت الثقافة المغربية في تلك الفترة سواء في الفن أو الفلسفة أو الدين. كنا ننتقد اللاهوت والواحد الأحد وكلها كنايات عن الاستبداد. وهذه الطريقة لم تكن تروق التيارات التقليدانية حتى ولو كانت لابسة لبوس الحداثة على المستوى السياسي وأتذكر أن الأستاذ "الحبيب الفرقاني" لم تكن تعجبه مقالاتي في الجريدة لهذا السبب لذا كان يعارض نشرها بقوة. o المرأة القروية أيضاً، عندها طقوس عندما تعمل على صناعة "الزربية"، تماماً كالطقوس التي تكون عند الفنان. n فعلاً، صحيح أن هناك ارتباطاً بالمقدس، والذي يحتوي الدين، إن الشعوب عندما تعيش في حالة توازن داخلي، وتصالح مع نفسها ومع المحيط تنتج أعمالا مسحوبة من عمقها الروحي. إن السيدة التي تتحدث عنها في سؤالك، عندما تنسج الزربية (السجاد) داخل إطار معين، على أساس أنها ستملأ فضاءً معيناً، وستكون تأثيثا لحميمية خاصة جدا، ينبغي أن تكون طاهرة (بالمعنى الديني غير حائض)، في اعتبار المقدس، و الصانع التقليدي كذلك عندما يصنع آنية، فهو يقول أنها قد تصبح إناء للوضوء، أو إناءً لشرب الحليب في العرس أو الخمر في كنيسة، ولهذا يضع فيها كل أحاسيسه وإيمانه، ويضع كذلك وبعناية فائقة كل الرموز المقدسة الواجب وضعها والتي لها معنى بالنسبة للمجموعة التي ينتمي إليها، فهو لا يراوغ ولا ينافق ولا يخادع لأن الآنية موهوبة للآلهة ولتلك اللحظات الحميمية التي هي جزء من حياته أيضا والتي يعتبر أن الآلهة أو الجن أو الملائكة انتذبته لذلك. لذا عندما تدخل لأي مكان تقليدي وهذا لازال موجودا عندنا خصوصا في الجبل تلاحظ أن هناك هوية بصرية متجانسة. ليس فيها نشاز بصري. كما سوف تجد أن لها ارتباط بالوشم الذي تضعه المرأة على يديها أو خدها، لها ارتباط بما يوجد على الآنية، لها ارتباط بالوشم الذي نضعها لتمييز الماشية، لها ارتباط بالرموز الموضوعة على الجدران. بينما الشعوب التي تعيش حالة بلبلة داخلية و تشويش في الهوية ينعكس ذلك على هويتها البصرية أيضا. وأعطي مثالا بسيطا يتعلق الأمر بمسجد الحسن الثاني باادار البيضاء، هناك عظمة من حيث الحجم وفخفخة من حيث النقش والرقش والتزويق، لكنك أنت المغربي داخل هذا الفضاء تحس أن هناك شيئا ما في غير محله سواء تعلق الأمر بالزليج أو الكرافيك الذي يزين الجدران تحس أن شيئا ما ينقص هذا الصرح ويجعله أقل أهمية من حيث الإبداع من غيره من الصروح المغربية كالكتبية أو صومعة حسان على بساطتهما. تجد في هذين الصرحين شيئا ما ربما يأتي من الحجر الذي ينتمي لهذه الأرض المغربية، شيئا ما يوجد في روح الخطوط وكيفية ترتيبها تجعلك تحس أنك تنتمي إليها، هذا الشيئ الذي تفتقده في صرح مسجد الحسن الثاني قد تفتقده أيضا في ضريح محمد الخامس وإن بشكل أقل حدة. هذه الأمور الغائبة ولكن الحاضرة في عمارة الكتبية وصومعىة حسان تجدها عند الشعب، هل لا زالت موجدوة اليوم أم لا ولكن قانونها هو أنني أبني بيتا لأسكن فيه أو كأنني سوف أسكنه. مشكلتنا مع المعمار ورداءة المعمار في غالبية منجزاته تأتي من هنا هو أن المعماري يتعامل مع تدبير الإسمنت والإسمنت المسلح و لا يهمه من سيسكن في هذاالبيت بينما الذي بنى الكتبية بناها وهو يعرف أنه سوف يصلي والذي بنى مسجد الحسن الثاني بناه وهو يعرف أنه لن يصلي فيه بل بناه وصممه كتقني، وكل معماري يتعامل مع الصروح كتقني لا يمكنه أن ينفذ لجوهر السكن بمعناه الشعري. لأمر كذلك بالنسبة للمعماري الذي يبني بيتا يجتمع فيه الناس في حميمية حيث تحضر الذكريات ومعها الغائبون والحاضرون وحيث يمكن لرمزية المكان أن تتكون وتخلق تاريخا أي أن تؤرخ. وهذه الحالة هي التي يحضر فيها المقدس بمعناه العام.. وكذلك الأمر بالنسبة للمعمار. التصوف ليس إلا كناية عن هذه الأمور، إذ التصوف ليس هو الأصل، فالأصل هو حياة الناس اليومية وارتباطها بتدبير علاقتهم بالغائب والحاضر وليس التصوف كما أسس على أنه علاقة مع غائب لاهوتي. o لقد مارس أحد الفنانين المغاربة هذا الشكل التصويري، في حضرة "كناوة" تجربة احتفى بها الغرب أكثر، لكن هذه تجربة تروم الفولكلور أكثر من كونها مؤسسة، على رؤية فلسفية وجمالية، ما رأيكم في ذلك؟. n بكل صراحة، كنت أتمنى ألا أتحدث عن هذا الموضوع، لكن سأجاريك، الآن كنا نتحدث عن العلاقة الموجودة بين المُنجَز، وصدق المُنجِز، فمن طلب من السيدة أن تبتعد عن النسيج، وهي حائض؟ هو صدقها؛ ويقينها على أن هذه "الزربية" ربما هي موهوبة للصلاة، أو التقاء الناس حول الذكر أو الخمر، حول مأثم أو عرس، لكن عندما يتعلق الأمر باستعمال الشكل الخارجي للطقس أي تقنياته، على أساس أنك سوف تستعمله لإستدراج الناس ليظنوا أنك أحسست بحالة خاصة نفس الحالة التي يوجد عليها الجذاب فمن الواجب عليك أن تدرس الأمر بطريقة أخرى. في الوقت الذي مارس هذا الفنان هذاالأمر الغريب، كنا نقوم بتجربة في "الجرف الأصفر" بالجديدة، لأننا كنا انتبهنا أن تلك المنطقة تتحول إلى معامل ومصانع وأن طبيعتها الخاصة جدا والجميلة جدا سائرة إلى الاندثار بفعل جشاعة الرأسمال، وطلبنا من الطلبة، التعامل مع هذه المساحة بالجسد فقط، وعدم التدخل في الأحجار وفق قانون: لا لتكسيرها ولا لإضافة زاوئد سواء أكانت صباغة أو مواد غريبة. لمدة أسبوع، لم يستطع الطلبة القيام باي شيئ. لكنهم استنتجوا أن كل ما يمكن القيام به في هذه المنطقة، هوهو تأمل الحجر واحترامه. لما اكتشفوا هذه المسألة، انتقلنا في التجربة إلى مستوى آخر ألا وهو ملاحظة تعامل أطفال تلك المنطقة مع الأحجار. كان الأطفال وهم يرعون أغنامهم يعمدون إلى تركيبات حجرية غريبة أساسها التوازن: كيف تركب حجرا مع آخر دون اللجوء للأسمنت. كان ذلك درسا بليغا. لأن الغاية هي كيف تحصل على التوازن التوازن الجسدي سواء أكان ذلك في الرقص، في الموسيقى، في الشعر...والمتلقي عليه أن يبحث عن التوازن الذي نظم إيقاع جسد المبدع. بعد ذلك، أرحلنا عن تلك المنطقة، ودخلنا مدينة الدارالبيضاء، وعنده طلبنا من الطلبة لهم القيام بتجربة فنية شخصية انطلاقا من شيئ ما يشبه السيناريو الشخصي الذي يتحول إما إلى فيلم أو لوحة أو صور فوتوغرافية أو تنصيبات...لم نكن نطالبهم بعمل فني نهائي قابل للعرض وإنما ركزنا على أن يعيش الطالب التجربة بصدق. الصدق هو المطلوب في العمل الفني أظن أنني أجبت وإن بمواربة على سؤالك. o في كتاب "الفضاء والجسد" يسائل الهامشي، كما قلنا سابقاً، وهو سؤال مبني على فلسفة الإختلاف، هل مرد اهتمامكم به راجع إلى أسئلة هؤلاء الفلاسفة (فوكو دريدا وغيرهم..) أم مساءلته تروم كشف العلامة، وما تختزله من مكبوت جماعي؟. n أظن أن هذه المسألة تعرضنا لها في السابق، ولكنها الآن تقدم على أساس أنها سؤال دقيق جدا. علاقتي بالفلسفة هي معقدة لأنها وكما قلت لك، وعلى الخصوص، معرفتي بمفكر لعب دوراً أساسياً في حياتي الشخصية هو ألتوسير Louis Althusser لأنه عندما وقعت النكسة السياسية في النصف الثاني من السبعينات كجرح عميق في جسدي في بداية السبعينات، كنت مناضلاً في خلية مع "كريستين السرفاتي"، ووقع ما وقع، بدأت في التأمل وإعادة النظر في الماركسية وخصوصا تلك الكتابات التي كنت أظن أنها الماركسية وهل هي فعلا الماركسية الحقيقية. كان هناك إذن جواب ألتوسير كان موجودا لإعادة النظر في المعتقدات الماركسية والقول بأنها ليست الماركسية. فماركس فيلسوف ولكن ماركس كعقيدة(dogme) هذا شيء آخر. ولكن أنت تعرف أنه عندما ندخل باب ألتوسير فإنه يفتح أبواب أخرى و أحد هذه الأبواب هو اللسانيات وعلم النفس التحليلي بطريقته الخاصة مع الأنتربولوجيا، كما أنه يفتح لك الأبواب على فلاسفة لم يكن لك بهم علم في ذلك الوقت نظرا للعمى الإيديولوجي. من هؤلاء الفلاسفة ميشيل فوكو طبعا. بعد ذلك سوف أتعرف على ديريدا. إذن لا استبعد تأثير هؤلاءالفلاسفة، ولكن من أيجاء التأثير؟ لأنني لما أعدت في الماركسية خصوصا انطلاقا مما قرأته لألتوسير ماأعدت النظر في الواقع هو المعتقد، هو في الفكر الأحادي والفكر الأحادي كما تعلم وكذلك الماركسية كما كنا نمارسها كعقيدة ولكن بما أنها ليست عقيدة دينية إذن ليست عقيدة سماوية بل عقيدة أرضية فالذين طوعوا هذه العقيدة وأقاموا صرحها ربطوها مباشرة بالعقلانية ربطوها مباشرة بالديكارتية ربطوها بفكر مُمَرْكِز. إعادة النظر إذن في هذا الفكر المُمَرْكِز فتحت الباب بالضرورة للخروج عن الفكر المُمَرْكِز والخروج عن هذا الفكر لابد وأن يهتم بالضرورة بهامش هذا الفكر والذي نسيه منذ ديكارت وهذا ما ذكرته في جوابي على سؤال سابق لك. هذا الفكر الممركز اين توجد هوامشه؟ وهنا أتذكر أنني في فترة السبعينات كنا أتحدث مع مجموعة من المناضلين في الاتحاد الاشتراكي كان ذلك قبيل او بعيد المؤتمر الاستثنائي وكان وقتها طلب مني أحد المناضلين أن أساعده في إقناع محمد ملوك وعبد الكبير البزواي بمغادرة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والالتحاق أولا بالنقابة الوطنية للتعليم ثم بالاتحاد الاشتراكي سوف يلتحقان بالحزب وبالنقابة وسوف يتابعان مسارهما المعروف من الجميع وسوف ينجح الأول في الدخول للبرلمان والثاني للسجن ليخرج منه ويدخل البرلمان. ولكن خلال النقاش كنت أقول لهم أنه لايمكن أن نتصور مشروع المغرب من خلال السياسة والاقتصاد فقط دون الاهتمام بقضية المرأة والطفل والثقافة الشعبية واللغات...وكان جوابهم: كل هذه الأمور سوف يتكفل بها التاريخ عند حل الأمور السياسية والاقتصادية كنا أفهم من تصورهم للتاريخ أنه يضعونه مكان الله أي أنه قوة قاهرة تتكفل بحل مشاكلنا الهامشية في نظرهم.إذن الاهتمام بهذه المواضيع كان سابقا على اهتمامي بهؤلاء الفلاسفة لكنهم كانوا في الأفق لأن اهتمامي بألتوسير كان يقودني إلى الاهتمام بباقي المجموعة (على كل حال ديريدا كان زميلا لألتوسير بالمدرسة العليا للأساتذة بباريس، سوف أن له علاقة كبيرة بألتوسير عندما التقيته سنوات بعد ذلك)؛ كان هؤلاء الفلاسفة في الأفق لأنني كنت قد دخلت في مشروع إعادة النظر في الفكر العقدي وفي فكر المركز وكان هذا شيء أساسي وحاسم بالنسبة لي. وبالطبع عندما كنت أحضر دروس عبد الكبير الخطيبي وكنت لأول أجلس للاستماع إليه في الكلية سنة 77 كان يتحدث عن هؤلاء المفكرين.