كيف يمكن الاقتراب من أسئلة السياسة والثقافة في سياق تمظهراتهما الجديدة؟ ما هو الفهم المناسب الذي يمكن إنتاجه لتحديد مفردات الصراع أو التوافق ما بين مقتضيات السياسة، واعتبارات الثقافة، ولا سيما ما هو ديني فيها؟ إلى أي حد نشهد على نمط جديد من اشتغال المتخيّلين السياسي والديني؟ و كيف يمكن الحديث عن «التثاقف» في عالم تشوش فيه إرادات الشر على ميولات التواصل، و تحتل فيه نزعات العدمية العنيفة على المجال الإدراكي اليومي؟ وما هو الموقع الحقيقي للإبداع في التاريخ الثقافي المغربي؟ هذه الأسئلة، وغيرها، حاول محمد نورالدين أفاية مقاربتها في كتاب جديد باللغة الفرنسية بعنوان « التواصل الخلافي في الهوية، والديمقراطية والإبداع». كما يتناول فيه جملة من الموضوعات التي تطرح على راهننا، و مجموعة من القضايا التي يشتغل عليها الباحث، منذ مدة، من قبيل الأبعاد الثقافية للتواصل، والاختلاف، وتحولات الظاهرة الدينية، وصور الآخر. ويحاول هذا الكتاب معالجة ما سماه المؤلف» التواصل الخلافي» في خطابات الهوية، والتنوع، والمتخيَّل، والعولمة، والسياسة، والإبداع؛ كما يقترح انفتاحات على أسئلة «جدل الهوية»، بالدعوة إلى اعتبار جملة شروط فكرية، وسياسية ومؤسسية. وسواء تصورنا الثقافة بوصفها أنماط تفكير وعيش وفعل، عالِمة أو شعبية، أو نظرنا إليها من خلال مختلف الوسائط التواصلية، مثل اللغة والصورة، فإنه لا مناص، في نظر المؤلف، من تغيير براديغم التفكير وإطار التحليل في سياق فهمنا للظواهر الثقافية. كما يبين هذا الكتاب، من جهة أخرى، أن الحركية الدائمة لعمليات التلاقح والاختلاط والتفاعل الإنساني يتطلب مقولات جديدة للتفكير في تجليات التثاقف وفي المقاومات، المتفاوتة التأثير، التي تشوش على النزوع الإنساني نحو قبول الآخر. وهكذا عمل، في فصوله المختلفة، على كشف مفارقات الهوية والتنوع، و تحليل بعض مظاهر «الحروب» الدائرة على الرموز والمتخيل والدين والسياسة، في الكتابة كما في العُدّة السمعية البصرية، وتبيان بعض العوامل التي قد تُحول قضية عادلة إلى مصدر للتيه والموت. ويحتوى الكتاب على تسعة فصول منها «الإنسان المعولم والتثاقف غير المتكافئ»، و«فخ الهوية»، و«الهجرة وسؤال الاعتراف»، و«التواصل والتنوع ما بين الانزلاقات والضبط»، و«عالم بدون روح، أو صراع التأويلات»، و«رهانات حداثة ثقافية معلقة في المغرب».. إلخ.