نظمت شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك سيدي عثمان، جلسة علمية، يوم 20 أبريل، حول المؤلف الأخير الذي أصدره محمد نورالدين أفاية: «في النقد الفلسفي المعاصر، مصادره الغربية وتجلياته العربية»، شارك فيها الأساتذة مليم لعروسي، محمد الشيخ، نبيل فازيو، ورشيد العلوي. في البداية، ترأس الجلسة الأستاذ عبد الإله بلقزيز منوّها بالإصدار الجديد للأستاذ أفاية، ومشيرا إلى أن هذا الباحث المغربي دخل التأليف مبكرا في أواسط الثمانينيات، وموزعا انشغالاته الفكرية على ثلاثة مسارات: المسار الأول دافع فيه أفاية على الفلسفة والحداثة قصد توطين الفكر النقدي، وتجاوز التأخر وهو ما ظهر في كتابه عن «الحداثة و التواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة، نموذج هابرماس» وكتاب « في النقد الفلسفي المعاصر»؛ والمسار الثاني ركز فيه على فهم وتحليل تعبيرات المتخيل ونقد الصور النمطية وظهر ذلك في كتبه «المتخيل والتواصل، مفارقات العرب والغرب»، و» الغرب في المتخيل العربي الإسلامي» (بالفرنسية)، و»الغرب المتخيل، صور الآخر في الفكر العربي الإسلامي في العصر الوسيط»؛ وأما المسار الثالث فقد تبدى في اعتناء الأستاذ أفاية بالتعبيرات الرمزية والجماليات، منذ كتابه الأول حول «الخطاب السينمائي» إلى الدراسات والمقالات التي نشرها حول الإبداع والجماليات. واختتم بلقزيز تقديمه بالقول بأننا أمام مؤلف كثيف قام فيه صاحبه بجولة فلسفية في الفكر النقدي كما أنجز جولة في الفكر النقدي العربي. ثم تدخل الأستاذ موليم لعروسي بمساهمة بعنوان « أهمية الهامش عند عبد الكبير الخطيبي» انطلاقا من الفصل الطويل الذي خصصه أفاية للخطيبي في كتابه، حيث لاحظ بأن أمورا عديدة تجمعه مع أفاية، سواء عند اهتمامه بالخطيبي أو بانشغالات فكرية و جمالية أخرى، و بأن الصفة المناسبة التي يجوز منحها للخطيبي هي صفة المفكر، علما أنه، أيضا، كاتب روائي، وكتب الشعر، والمسرح، والسوسيولوجيا..وكان يشتغل على حقول متعددة، بمعنى أنه كان يجول داخل فضاء الفكر من خلال الكتابة. واعتبر لعروسي أن كتابة الخطيبي هي أساس تفكيره، بحيث لا يفصل بين لذة النص و لذة التفكير مما يولد لديه النزوع إلى الحركة، و المتعة و الفرح. ولهذا كان ينبذ كل ميل إلى النسقية، باعتبارها تبعده عن الفلسفة التي عملت، عبر تاريخها الطويل، على كبت مختلف الممارسات الإبداعية. أما الأستاذ محمد الشيخ فقد أعلن منذ البدء أنه يريد فتح نقاش ودي مع الأستاذ أفاية بمناسبة إصداره «في النقد الفلسفي المعاصر»، ملاحظا أن أسلوب أفاية يتميز بلطف مثير، وبرشاقة لدرجة يمكن القول فيها بأن المرء يجد نفسه بإزاء «مفكر راقص». واعتبر الأستاذ الشيخ أن جل الكتب العربية تتحدث عن النقد، لكن كتابا «في النقد الفلسفي» وباللسان العربي حدث يستحق الانتباه. واعتبر بأن مداخلته ستقف عند ما سكت عنه الكتاب كنوع من التكملة لمعنى النقد الفلسفي. متسائلا: إلى أي حد عمل هذا الكتاب على تحديد موضوع النقد الفلسفي؟ وإلى أي حد، أيضا، قام صاحبه بصياغة استشكالية لهذا النقد؟ وللاقتراب من هذين السؤالين لاحظ أن الكتاب توليفة بين نصوص، بحيث يبدو فيه افاية و كأنه يقوم بنوع من الترتيق Bricolage ، (بالمعنى الإيجابي) للبحث عن أوجه التناغم. ومع ذلك عمل أفاية على تحديد موضوعه، غير أنه في عملية الاستشكال يبدو أنه سكت على بعض اللحظات الأساسية في تاريخ الفلسفة، و لاسيما لحظة فيخته، والمراحل الأولى لهيغل. كما عبر الأستاذ الشيخ عن ملاحظة مفادها أن تناول الديمقراطية في الكتاب كان في حاجة إلى النبش عن بدايات استعمالها في التراث الفلسفي العربي. واختتم ملاحظاته بالقول بأن كتاب «في النقد الفلسفي المعاصر» توفق في استشكال النقد، وميز فيه بين النقد الحقيقي و المزيف. وساهم الأستاذ نبيل فازيو بمداخلة بعنوان «الفلسفة ورهاناتها في الفكر العربي المعاصر»، ملاحظا، منذ البداية، أن الأستاذ أفاية يجمع بين المثقف الذي يتفاعل مع الاسئلة التي يطرحها عليه واقعه، وبين المفكر الذي يجتهد للتفكير فلسفيا في مفارقات والتباسات المجتمع والعلاقات. لذلك اختار منذ البدء أن يسير في مسار النقد الفلسفي. وفي هذا الإطار عمل الأستاذ فازيو على صياغة جملة أسئلة يوحي بها الكتاب، منها: لماذا اختيار واجهة النقد؟ بأي معنى تكون الفلسفة نقدا؟ وما أهمية الفلسفة في نقد الفكر العربي المعاصر؟ وهل يمكن القول بأن كتاب «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» للعروي يمثل إيذانا ببروز الفكر النقدي العربي؟عند اقترابه من هذه الأسئلة استحضر مجموعة استشهادات من الكتاب التي تؤكد على أن الفكر العربي بقي سجين هيمنة الإيديولوجيا، وقلق التسميات، واضطراب في العلاقة بالواقع. كما شارك الأستاذ رشيد العلوي بمساهمة بعنوان: «الفلسفة والمؤسسة الديمقراطية»، عمل فيها على استعراض القسم الثاني من الكتاب الذي يعتبره يمثل تجلّيا للممارسة النقدية، من زاوية الحاجة إلى الفلسفة، كما يقول أفاية، باعتبارها تمثل الحاجة إلى التنوير، وقول الحقيقة، والتحرر من الخوف من الحرية. وقام الاستاذ العلوي بالتركيز على موقع الفلسفة في المؤسسة المدرسية وعلاقتها بالديمقراطية انطلاقا من التساؤل عما تسمح به المؤسسة من ممارسة التفكير الحر، و كيفية استثمار المدرسة والفلسفة لترسيخ قيم الحرية والإبداع. واستعرض، في هذا السياق، ما قام به أفاية من تحليل لهذه الأسئلة الإشكالية.