في إطار مواكبة الإنتاجات الفكرية و النظرية للمفكرين و الباحثين المغاربة، نظمت شعبة الفلسفة بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط، يوم الأربعاء 23 أبريل، لقاءًا فكريًا حول موضوع «الدولة باعتبارها انشغالا فلسفيًا» انطلاقًا من الأعمال التي أنتجها الباحث عبد الإله بلقزيز. و قد أشار الأستاذ محمد نور الدين أفاية، رئيس الشعبة، في بداية اللقاء إلى أهمية التقليد الذي نهجته الشعبة لتقديم إنتاجات المغاربة للطلبة و الباحثين و المثقفين المهتمين بالحقول المتنوعة التي يخوض فيها المشتغلون بالفلسفة في المغرب. كما لاحظ، في سياق تقديمه للأستاذ عبد الإله بلقزيز، أنه لا يبدو أن مثقفًا أو باحثًا عربيًا كتب عن قضايا الدولة و السلطة و الشرعية و المجال السياسي و العنف و الديمقراطية مثلما أنتجه عبد الإله بلقزيز، كمّا و نوعًا. فالرجل، يضيف أفاية، مسكون بأسئلة السياسة و الفكر السياسي منذ انخراطه في عوالم الكتابة و التأليف، سواء قاربها من زاوية حدثية و ما تشهده الساحات العربية من مستجدات، أو تناولها من منظور الاستقصاء التراثي للمجال السياسي العربي الإسلامي، و مساءلة مرجعياته و مستنداته، أو عالجها من منطلق الفلسفة السياسية و علم الاجتماع السياسي، و التاريخ الذي يبدو أنه لا يمكن ادعاء تشريح مؤسسات الدولة و السلطة، و القانون و الشرعية من دون استلهام نصوصها و الاستفادة من انفتاحاتها. و في كل هذه الجبهات، يلاحظ نورالدين أفاية، يخوض بلقزيز معاركه الفكرية و السياسية و البيداغوجية بجدية قلَّ نظيرها، و بجاهزية معرفية لافتة، و بحس عال بالالتزام المنهجي و الفكري و السياسي. و تؤكد مؤلفاته حول الدولة الشغف الكبير الذي يحرك بلقزيز. و هو شغفتمكّن من ترويضه بالقراءة، و الاجتهاد، و التأليف، و النشر، و الحضور النوعي في الحقل الفكري العربي المعاصر. و من أجل توصيل ثمرات فكره و جهده ينهج بلقزيز «سياسة تواصلية» يختار فيها ما يراه مناسبا لأعمدة الصحف، و ما يناسب أبواب المجلات العربية، و ما يستحق تثبيته في كتب و مصنفات تجاوزت، اليوم، الأربعين كتابًا، لقضايا الفكر السياسي و الدولة و السلطة أوفر نصيب. و لاحظ أفاية أن بلقزيز ، ومنذ مؤلفاته الأولى إلى «الدولة و السلطة و الشرعية»، الذي أصدره سنة 2013، نحث في مسارهالفكري أسلوبًا في الكتابة السياسية العربية، و صاغ أسئلة لمست أغلب موضوعات الفكر العربي، و غامر باقتراح مصطلحات و مفاهيم أراد من خلالها- الأسلوب و الصياغة و الاقتراح- تجذير النظر النقدي في سياق يعرف أن المؤمنين، كما يقول، «بحاجة الوعي العربي إلى النقد و المراجعة قلّة في مجتمع عربي مسكون بفكرة الحقيقة و مصاب بالكسل المعرفي». الفكر الاسلامي والدولة بعد هذا التقديم الذي قام به الاستاذ نورالدين أفاية أعطيت الكلمة للأستاذ محمد مزوز، أستاذ الفلسفة بشعبة الرباط، الذي قدم عرضًا بعنوان «مفهوم الدولة في الفكر العربي الإسلامي» توخى، من خلاله، تتبع الخيط الناظم لنشأة الدولة في التاريخ الإسلامي، كما عالجها بلقزيز في كتاباته عن المجال السياسي في التراث، بدءا من عهد النبوة، مرورًا بعصر الخلافة الراشدة، ثم انقلاب الخلافة إلى «ملك عضوض» إبان العصر الأموي، و كذا استبداد العنصر الفارسي بشؤون الدولة في العصر العباسي ليخلفه العنصر التركي. و مع مجيء الحقبة الاستعمارية و تفتيت أوصال الإمبراطورية العثمانية، و ما تلاها من إلغاء الخلافة من طرف الدولة التركية الحديثة، و انبثاق فترة الإصلاح و النهضة العربية؛ بدأ التفكير في مسألة الدولة الوطنية مع الجيل الأول و الثاني من رواد الإصلاح، أعقبه تفكير مضاد تماما هو محاولة بناء إشكالية دولة الخلافة (مع رشيد رضا، و علماء الأزهر في ردّهم على الشيخ عليّ عبد الرازق)، و ما تلا ذلك من محاولات لبناء إشكالية مخالفة تتمثل في الدولة الإسلامية (مع حسن البنا والتيار الإخواني)، و أخيرًا إشكالية الدولة الثيوقراطية (مع المودودي و قطب و الخميني). و توقف على مسألة الدولة القطرية، و مختلف المقاربات التي حاولت أن تبرر مشروعيتها أو تطعن فيها. و أضاف الأستاذ مزوز أنه بعد انهيار الخلافة العثمانية، بفعل ضغط الاحتلال الأجنبي، استيقظ بعض المفكرين المتنورين (زعماء الإصلاح)، و حاولوا التنظير لمسألة الدولة الحديثة من خلال الدعوة إلى إحداث التنظيمات و المؤسسات على الطريقة الغربية. بيد أن فشل المشروع النهضوي العربي، أدى إلى نوع من الردة، أي المناداة بالعودة إلى «طوبى الخلافة»، أو التفكير في إقامة الدولة الإسلامية أو «الدولة الثيوقراطية»، و انتهاء بكل أشكال الإسلام الاحتجاجي مع ما استتبعه من عنف دفع بجل المجتمعات العربية إلى الدخول في دوامة الحرب الأهلية. بيد أن الدولة الوطنية أو القطرية تعرضت لنقد من طرف تيارات أخرى غير التيارات الأصولية تتمثل في التيارات القومية التي ترى في هذه الدولة رمزًا للتجزئة بوصفها من مخلفات الاستعمار، و كذا التيارات الماركسية التي ترى فيها رمزا للطبقة البورجوازية التي تدافع عن مصالحها الرأسمالية و ليس عن مصالح الطبقات الشعبية الكادحة. بيد أن سهام النقد هاته، في نظر بلقزيز، لم تستطع النيل من الدولة الوطنية، فلا الوحدة تحققت (كما حلم بها القوميون)، ولا الاشتراكية توطدت (كما حلم بها الماركسيون)، و لا الشريعة طبقت (كما حلم بها الإسلاميون). الدولة والفكر ثم تدخل الأستاذ نبيل فازيو في اللقاء بعرض بعنوان «الدولة وإشكالية الديمقراطية في فكر عبد الإله بلقزيز»، مشيرًا إلى أن الأعمالالفكرية لعبد الإله بلقزيز، المهجوسة برهانات الوجود السياسي للعالم العربي، ما انفكت تقدم للقارئ استراتيجيات فهمٍ وتحليلٍ لبلورة فهم معقول للديمقراطية، في ظل اتصالٍ شديدٍ بالتراثيْن الغربي والعربي الإسلامي من جهة، وبواقع الاجتماع السياسي العربي وإشكالاته من جهة أخرى، الأمر الذي مكن هذا المفكر من التحرك على جبهتين متوازيتين في الآن ذاته؛ جبهة التأصيل النظري للمفهوم أولا، وجبهة اختباره على مستوى الواقع المعيش ثانيا. يتضح هذا المنهج في جل المناسبات التي تناول فيها بلقزيز مفهوم الديمقراطية؛ في حديثه عن صلتها بالدولة؛ وفي تصوره لإمكانيات الانتقال الديمقراطي وعوائقه في العالم العربي؛ وكذا عند حديثه عن العلاقة الجدلية التي تربط الدولة بالمجتمع، وعن العوز النظري الذي يعتور انشغال الفكر العربي المعاصر بمسألة الدولة والسياسة...الخ، إذ ثبت في كل هذه المناسبات إلحاح بلقزيز على ضرورة وصل مفهوم الديقمراطية بشرطه التاريخي والسياسي، وبغيره من المفاهيم الناظمة لإشكالية تكوُّن الدولة والسلطة والمجال السياسي العربي. و لا حظ فازيو أنه ورغم أن أحداث ما بات يعرف بالربيع العربي مثلت مناسبة أعرب فيها بلقزيز عن موقفه من الديمقراطية والانقال الديمقراطي في العالم العربي، فإن عنايته بهذه المعضلة تكاد تغطي الحيز الأكبر من كتاباته السابقة، وهذا أمر يمكن تبيّنه بوضوح من خلال المقارنة بين مصنفاته الأخيرة (التي كتبها منذ سنة 2011)، وكتاباته التي أفردها، من قبل، للمسألة الديمقراطية، على نحو ما نجده في كتابه في الديمقراطية والمجتمع المدني. يُدرك بلقزيز أن الثورات العربية لم تستطع أن تنتج نظاماً أو مجتمعاً ديمقراطياً، وهو يصدر في ذلك عن قناعته بأن مجرد الثورة على نظام استبدادي لا يعني مطلقا الخروج بإقامة النظام والمجتمع الديمقراطيين الذين نطمح إليهما، لأن ذلك يقتضي ترسيخ ثقافة ديمقراطية من شأنها أن تعيد ترتيب أوضاع رؤيتنا المجتمعية إلى الديمقراطية والوجود السياسي برمته. من هذا المنطلق يمكن للباحث أن يتفهم إلحاح هذا المفكر على إعادة التساؤل عن الديمقراطية من جديد؛ إذ في ضوء الفقر النظري الذي يعاني منه الوعي العربي في ما يتعلق بإدراكه لمفهوم الديمقراطية، وفي ظل وعيه السلبي بالدولة، تتبدى حاجة هذا الفكر إلى التأصيل المفاهيمي والنظري لمفهوم الديمقراطية، وهو عمل اضطلع به بلقزيز منذ كتاباته الأولى التي ضمنها تصوره لهذا المفهوم. إن تصور هذا المثقف للديمقراطية، كما يعتبر فازيو، كان سليل رفضه للتصورات السياسوية والاختزالية والداروينية للديمقراطية والسلطة والسياسة، أي تلك التصورات التي تختزل الديمقراطية في اللعبة الانتخابية وتجعل من العملية السياسية مجرد معركة للظفر بالسلطة واحتكار الدولة والمشروعية. تصور كهذا يُفقر السياسة و يحول الدولة إلى موضوع للصراع والتدافع والاستيلاء والاحتكار، في حين أنها ملك عمومي يجب أن يخضع للتداول الطبيعي والسياسي السلمي، ووحده ذلك يمكن من إعادة فتح المجال السياسي على مختلف القوى المكونة له. و انتهى الأستاذ فازيو بالتساؤل: هل يعني هذا أن الانتقال الديمقراطي بات في جملة المستحيلات بالنسبة إلى بلقزيز؟ لا يتبنى هذا الأخير الموقف العدمي من إمكانية الانتقال الديمقراطي في العالم العربي، غير أنه لا ينتهيإلى استسهال عملية الانتقال تلك، بل ويرى أن الديمقراطية بناء مجتمعي شامل، يتطلب إنجازه مدى زمني قد يتطلب أجيالاً. الاديولوجي والمعرفي شارك الأستاذ نورالدين أفاية في اللقاء بعرض تحت عنوان: «الدولة و الشرعية بين الإيديولوجي و المعرفي»، و قد لاحظ، منذ البداية، أن ما كتبه عبد الإله بلقزيز حول الدولة و السلطة و الشرعية و المجال السياسي موزع بين عدة كتب و تناول هذه القضايا بصيغ و في سياقات مختلفة. ثم ركز مداخلته على أربع موضوعات: ما بين الإيديولوجي و المعرفي من تداخل، و ضرورة الوعي بالفارق بين الدولة و السلطة، و الدولة باعتبارها «اختراعًا إنسانيًا تاريخيًا»، و ثم تناول في الأخير ما أسماه ب»بعض مظاهر الشرعية الغائبة». و اعتبر أفاية أن بلقزيز لا يكف يعبر عن مرارة عميقة، و هو يكتب عن هذه الموضوعات، بسبب ضحالة المقاربات، و خفة المعالجات، و استسهال الأحكام، و غلبة التحزب التي تهيمن على أغلب الكتابات العربية حول الموضوع، بل تعاني من فقر معرفي، و سطحية و تضخم سياسوي، و لغو إيديولوجي. لا شك أنه يستثني نصوص العديد من الإصلاحيين ، و كتابات بعض المفكرين كبرهان غليون، غسان سلامة، و خلدون النقيب، و بالخصوص عبد الله العروي و في طليعتها كتابه المرجعي « مفهوم الدولة». و حاول عبد الإله بلقزيز في دراساته حول هذه الموضوعات استلهام المستندات النظرية ل»علم السياسة»، و علم الاجتماع السياسي، و التاريخ و تاريخ الأفكار. غير أنه بين النزوع إلى استبعاد»اللغوالإيديولوجي» أو «الثرثرة الإيديولوجية»، بين «الحق المشروع في بعض النقد الإيديولوجي»، كما يطالب بذلك بلقزيز، هناك فارق فكري و نظري حاول تحديد إطاره من خلال اقتراح صياغة خاصة لمفهوم الإيديولوجيا. فهي عنده ليست «وعيًا مغلوطًا»، و « تشكل شكلا من أشكال الوعي الإنساني و التاريخي مشروع»،وتعبر عن مصلحة موضوعية لجماعة اجتماعية، و لأن هناك تداخلا بين الذاتي و الموضوعي في العلوم الإنسانية فإنه لا مجال للحديث عن «حياد علمي»، أو التحرر تماما من الخلفيات و المقاصد، سيما و أن التفكير في موضوعات المجتمع لا يحركه دافع الوصول إلى الحقيقة فحسب، و إنما الحاجة و المصلحة أيضا؛ كما يؤكد بلقزيز، من جهة أخرى على أن في كل إيديولوجيا «قدر من المعرفة». إلا أنه بمجرد ما تتحول إلى عقيدة جامدة و حقائق مطلقة تصبح الإيديولوجيا حاملة من المساوئ أكثر من أي شيء آخر. في سياق استعراضه لأهم ما تناوله بلقزيز بخصوص الدولة توقف أفاية عند الفارق الذي لا يكف بلقزيز يؤكد عليه هو أن الدولة ليست هي السلطة. و لا بد من رفع الالتباس السائد حول هذا الموضوع. فالدولة تحيل على البنى و المؤسسات، و هي «نصاب متعال»، أما السلطة فتتحرك في حقل الممارسات، و «نصاب يتصل بمصالح طبقية أو فئوية أو سياسية». لذلك فالهدف الأسمى للدولة هو توفير شروط استقرار الحياة السياسية و حماية المجتمع من أسباب الفتنة و الانقسام. تعرض أفاية في عرضه، أيضا، لمعضلات الدولة في العالم العربي و لتكوينها «العصبوي» ، بسبب عُسر قيام مجال سياسي حديث، و فقدان الدولة للشرعية الديمقراطية الشعبية، و الاستبداد، و أيضا لإرادة الحد من وظائف الدولة، و تداعيات العولمة..؛ حيث أنتجت هذه المعضلات، في نظر بلقزيز، هشاشة مزدوجة: للدولة و للمجتمع. و في الأخير تعرض لموضوع الشرعية حيث يلاحظ ضعف فكرة الدولة في المتخيل العام، و ضعفها، أيضا، لدى كل التيارات الإيديولوجية العربية،ثم توقف عند العملية الفكرية التي قام بها بلقزيز بالانطلاق من التصنيف الفيبيري(نسبة إلى ماكس فيبر) الذي كان يرى بأن الشرعية ثلاثة أنماط: تقليدية، كاريزمية وعقلانية، في حين أن بلقزيز يقترح تنميطًا مختلفًا نظرًا لاختلاف الوضعيات السياسية للدول العربية حيث لخصها في الشرعية التقليدية،و الشرعية الثورية و الشرعية الدستورية. لكنه يلاحظ بأن الشرعية التقليدية هي أكثر الشرعيات رسوخًا و تأثيرًا وقوة، سواء اعتمدت على الدين أو المذهب أو الطائفة، أو مزجت بين أكثر من عامل لتعزيز أركان سلطتها. وخلص أفاية إلى القول، انطلاقا من كتابات بلقزيز، إلى أنه لا يمكن اختزال مسألة الدولة و السلطة و الشرعية في اعتبارات سياسية أو فكرية محضة لأن لها مضامين ثقافية عميقة، وما يشهده العالم العربي، اليوم، من اهتزازات زادت من تفاقم أزمة الشرعية لأن بعدًا جديدًا دخل في المناقشات العامة باسم «الشرعية الدينية». جدلية الدولة والسلطة في آخر اللقاء تحدث الأستاذ بلقزيز عن تطور علاقته بموضوع الدولة و السلطة منذ الفترة التي كان متأثرا بالماركسية، إلى أن اكتشف كتابات غرامشي، و لويس ألتوسير، و نيكوسبولانتزاس، و ماكس فيبر، حيث تغيرت نظرته لأهمية مسألة الدولة، ثم استعرض الشروط النظرية و السياسية التي دفعته إلى التساؤل عن ضرورة تنزيل مسألة الدولة من إطارها النظري إلى واقعها التاريخي الاختباري. هنا كان لابد، في نظره، من العودة إلى مسألة الدولة في الإسلام ، و الوقوف عند تكوُّن و تطور و مفارقات المجال السياسي الإسلامي، متسائلا عن ممكنات تجاوز عوامل المجتمع العصبوي. فكان لزاما عليه الاجتهاد لتوضيح المفاهيم و التوسل بالمعرفة لتفادي السقوط في المطبات. و اعتبر أن المشكلة ليست في الدولة وحدها، عندنا، و إنما في معارضاتنا و في المجتمع أيضا. و زاد الأمر تعقدا حين يتم استثمار الدين في السياسة. و الحال أن فرضية لزوم الدولة للدين فرضية زائفة، بل خطيرة إن أخدنا في الحسبان أن الدين كثيرًا ما يختزل في مذهب بوصفه المذهب «الصحيح» في الإسلام. والأخطر حين ينشق هذا المذهب الواحد إلى فرق كانشقاق السنة إلى معتدلة أو وسطية، و إلى إخوان مسلمين، و سلفية، و سلفية جهادية، و صوفيات، و انقسام الشيعة إلى إمامية، و زيدية، و إسماعيلية، و إلى مؤمنة ب»ولاية الفقيه»، و رافضة لها. فأي إسلام هذا الذي ستقوم الدولة بإنفاذ أحكامه في المجتمع و المسلمين. لذلك اعتبر بلقزيز بأن مجال الديني يختلف عن مجال السياسي؛ فالأول هو مجال المؤمنين و الثاني هو مجال المواطنين، و استثمار هذا الرأسمال في الصراع السياسي يصبح عنصر انقسام. و ما تشهده مصر و غيرها مثال على ذلك، و شرعية الدولة تُستمد من ذاتها و ليس باسم الدين و العشيرة، و السياسة تؤسس أخلاقها من ذاتها. لذلك فإن ما يجري من أحداث اليوم يثبت بأن مسألة علاقة الديني بالسياسي ستبقى أهم قضية في عالمنا العربي طالما لم نتحرر من الارتهانات العصبوية للسياسة و انخرطنا، حقًّا، في تأسيس مجال سياسي عصري.