لعل من المواضيع التي اهتمت بها أغاني المجموعات، هي قضية الطبقية والتفاوتات داخل المجتمع، وهو ما جعل المجموعات الغنائية تكسب مكانتها في قلوب الجماهير الشعبية، لأنها تغنت بهمومه ومشاكله ومعاناته، بحيث تحولت في وقت من الأوقات بديلا عن كل الفنون. وبالعودة إلى ظهور المجموعات الغنائية، خاصة »ناس الغيوان« و »جيل جيلالة«، ستجد أنها شكلت انتفاضة غريبة، حتى أنها أجهزت إن صح التعبير عن المسرح، وهناك شهادات عديدة في هذا الباب، تذكر بأن ظهور الغيوان/ جيلالة، جعل القاعات المسرحية تتحول إلى مجرد أطلال. وقد كانت هناك العديد من الانتقادات للمجموعتين في هذا الأمر. معلوم أن المجموعتين لم تفعل ذلك عن قصد، خصوصاً وأن أعمارهم كانت من بين العشرين والواحد والعشرين سنة، ثم إن مجمل أفراد المجموعتين، هم من أبناء المسرح ومن عاشقي المسرح، ولا يمكن بحال أن يتنكروا إليه، حتى أن بوجميع وعمر السيد وباطما العربي، كانوا في تصريحاتهم، عندما ظهرت مجموعتهم، يقولون بأنهم فقط مجرد مسرحيين يغنون... يذكر المتتبعون لمسار المجموعتين، وهذا ما لا يعلمه الكثير من جمهورهما، أن مجموعة من المسرحيين عند ظهور الغيوان وجيل جيلالة، حاولوا تأسيس فرق غنائية، وهناك من انخرط بجد في هذه العملية ولا داعي في هذا الجانب أن نذكر الأسماء، لأن الظاهرة شكلت إذاك موضة جديدة، تبناها معظم الجمهور. وكما أشرنا، فإن القاعات المسرحية أضحت أسواراً فقط. قبل ظهور المجموعات الغنائية، كان مسرح الهواة منتشراً بشكل واسع، خاصة في أكبر المدن كالدار البيضاء ومراكش وفاس ومكناس وغيرها، وكان هذا النوع من المسرح يعكس هموم المواطنين، لذلك كان قبلة للجمهور، وكانت كل مدينة تقيم مهرجاناً خاصاً بها. ظهور »جيل جيلالة« و »الغيوان«، وكأنه اختزل ما تقدمه الفرق المسرحية للجمهور في دقائق. لذلك ظهرت المجموعات كمعوض جديد للمسرح. مثلا ندرج هنا موضوع الطبقية عنوان حلقتنا، سنجد أن المجموعتين ستبرز هذا المشكل بشكل غنائي رفيع وعميق ستتجاوب معه كل الفئات العمرية، نذكر هنا أغنية »ها أنت كُولّو« وهي أغنية بدوية، يحكي »ناس الغيوان« أن أم المرحوم العربي باطما هي من أوحت لابنها بها. تقول الأغنية: ها أنت كول له گولْ له يا خونا ف الله مات الغني يا حبابي طْلبة وقْوام تابعاه شي تيقرا عند راسه شي شاد السّبحة حداه تبعوا لگنازة يهللو وريح الوارث شادّاه لاغاو لقسام بالجُملَة كُلْها يلغي لغاه خلّى الديور والدواور خلّى ليشَاشرة معاه خلّى لْخيول العاتقة ديك السّربات عارفاه مدى من زين الدنيا ذهب وفضّة صابغاه كان بايت ف التّجارة وظن الموت ناسياه واحّياني راه سكّد طلبة وعوام تابعاه كُلْها يكول حبيبي وريح النّفاق سابقاه راس مالُه غير خرقة حفرة وشبر ما سواه وها انت كول له كول له يا خونا ف الله مات المسكين يا حبابي حتى واحد ما مشى معاه قرا طالب عند راسُه بزّز عليه ما قراه خلّى لميمة عميا على خيالُه حاضياه عندها مُقراج د النْعيرة غير الفرگة سادّاه عندها برّاد النّونة وكيف الصُّرة صاراه عندها فروج لْنحيرة غير القنّب قاجّاه عندها مرسم بالدعيرة وديك القطّرة مسرداه كان مفرّش لحصيرة واليوم هي غطاه لاغى لْهموم بالجملة والغني ساكن حداه خويا وظلام لقبر مع لْميَسّر ساواه هي بطبيعة الحال، أغنية تراثية بدوية، تصور الفوارق بين البشر وما يعانيه الفقير، وكيف لا يبالي لحاله من هو ميسور. وكيف هي أصول نفاق الناس، وكيف تقيم جنازة هذا وتتعامل مع جنازة الآخر، بمعنى أن النفاق لا حدود له. هناك أغنية أخرى جميلة عند »ناس الغيوان« من بين عشرات أخرى، ترسم الطبقية بشكل واضح وجلي وهي أغنية المعنى. يقول الجزء الأول منها: شكون ف الدنيا على الحق يدافع ياك الكثير ما فيهم نفع مطعونين في الظهر وما ضحينا ب العمر ياك آخرها هو القبر بنادم ف الزنقة دالح ما مرتاح الخوف والقهر عليه قاضي ف لعماق الفوضى من الفوق يبان البحر هادي. قبل أن تنتقل بنا الأغنية إلى المعنى الأكثر وضوحاً حين تصيح المجموعة: من كثرة الظلم ظهري تحنى طول عمري عيشتي ف المحنة كثير بحالي ما شافو لهنا عييت نفرز شكون احنا الربيع حان وقتُه ما بنت نوار لخريف هذا عَم كل لقطار طبقة رسّات راسْها فوق الطبقات حطّت وفَرْخت جرادها تما بقات الحديث عن الطبقية يدفع بنا إلى الحديث عن الظلم ومعاناة المقهورين، ليعرج بنا إلى الحيف الذي لاقاه الشباب في تلك الفترة، سواء من فوارق بين أقرانه من طبقات أخرى أو من ظلم البطالة، والإجهاز عن الحقوق، وهو ما تطرقت له المجموعتان، وهنا تحضرني أغنية راقية لمجموعة »جيل جيلالة« تقول: يا من عانى ومازال معانا يعاني يا رفيقي ف الحال تعالى تشوف هاد الحالة هاد الحال للي طال ما طلعت منه طايلة تعالى يا عشيري تفاكد الحال تعالى تشوف هاد المهزلة ولات باينة ما بقى ما يتقال ما بقاش الكلام يحل لمسألة الخيل واقفة رابطاها الحبال والبغال كاتسارى مختالة يا ويلي شباب الأمة عطال يا ويلي علاش الأمة عوالة خير الأمة نهبوه الجهال بلا مزايدة باعوه الدلالة