خلّد المغرب يوم الخميس الفارط 14 ماي الجاري، فعاليات اليوم العالمي لمرض ارتفاع الضغط الدموي، الذي يخلده العالم بأسره، وذلك بهدف توعية وتحسيس المواطنين بأهم عوامل ومسببات الإصابة بالمرض وطرق الوقاية منه، خاصة أنه يعتبر من أهم أسباب الوفاة المبكرة في العالم بمعدل 9.4 مليون حالة وفاة سنويا. ويمثل ارتفاع الضغط الدموي مشكلة صحة عامة على الصعيد الدولي، إذ أن أكثر من مليار شخص مصاب بارتفاع ضغط الدم، كما أن نسبة تفشي هذا المرض تقدر بنسبة 40 في المئة عند الساكنة التي تتراوح أعمارها بين 25 سنة فما فوق. ويتسبب ارتفاع الضغط الدموي في 51٪ من الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية، و45٪ من الوفيات الناجمة عن أمراض الشرايين التاجية والقلب. { ما المقصود بمرض ارتفاع الضغط ، وماهي عواقبه؟ يجب على القراء أن يعلموا بأن الدم يجري داخل الشرايين بضغط معين، يٌمكنه من الوصول لكافة الأعضاء والأنسجة لتغذيتها. هذا الضغط متعلق بمتغيرات عديدة أهمها: - حالة «المضخة» وهي القلب - حالة «الأنابيب» ويتعلق الأمر بالشرايين - كمية «السائل» وهو الدم ويؤدي ارتفاع هذا الضغط بشكل مزمن، أي لفترة طويلة، إلى نوعين من العواقب : - عواقب على المدى الطويل، وذلك على مستوى الأعضاء والأنسجة التي ستتأثر من هذا الارتفاع في الضغط «العين، الكلي، القلب، الدماغ» - مضاعفات حادة، تأتي بشكل مفاجئ، ويعتبر علاجها مستعجلا لأنها قد تؤدي إلى عاهات خطيرة (كالشلل النصفي) أو الوفاة . إن ارتفاع الضغط هو مرض مزمن، وليس بمرض عابر، أي أنه عندما يعاني الإنسان منه فإنه يلازمه مدى الحياة وهو مرض تلزمه متابعة على المدى الطويل، بالإضافة إلى ذلك فهو مرض خطير، وأعراضه قليلة ، وهو ما يجعل منه مرضا صامتا، لكنه قد يؤدي لعواقب وخيمة قد تصل إلى حدّ الوفاة. { ماهي أسباب ارتفاع الضغط المزمن، وهل هو داء وراثي؟ الرسالة الأولى التي أحب أن أركز عليها، هي أننا أولا بصدد الحديث عن «ارتفاع الضغط المزمن» و هو مرض يستمر كما قلت مع الإنسان مدى الحياة ،أما ارتفاع الضغط «اللحظي» فيحدث بشكل فيزيولوجي و طبيعي في حالات معينة كالمجهود البدني، التوتر الحاد، الألم ... الفرق هنا، هو أن الضغط ما يلبث أن يعود لمستواه الطبيعي بعد توقف العامل المسؤول. أما الرسالة الثانية فتهم مسببات ارتفاع الضغط المزمن، إذ أنه في 95% من الحالات، لا يوجد هناك سبب واحد مباشر، بل أسباب متداخلة أهمها : - التقدم في السن وتصلب الشرايين، لهذا جلّ الحالات المرضية تسجل بعد 45 أو 50 سنة. - العامل الوراثي إذ تزداد نسبة الإصابة في حالة وجود المرض في العائلة القريبة. - كمية تناول الملح خلال سنوات الحياة. - خلل في ضبط الهرمونات المتدخلة في الضغط على مستوى الكلي. - نظام الحياة العام والمقصود به التغذية غير المتوازنة، قلة النشاط الرياضي، التوتر النفسي المزمن، ثم هناك التدخين الذي يساهم بشكل مباشر في تصلب الشرايين ومن ثم ارتفاع الضغط أما بالنسبة لنسبة 5 في المئة المتبقية وهي حالات قليلة يكون ارتفاع الضغط ناتجا عن سبب واحد ومباشر، وتسمى هذه الحالة بارتفاع الضغط المُترتب، مما يؤدي لظهور المرض في سن مبكر «أحيانا في العشرينيات، وبشكل حاد ومستفحل «ارتفاع شديد في الضغط يتجاوز 180 أو 200mmHg». من جهة أخرى يمكن تشخيص ارتفاع الضغط عند بعض النساء أثناء الحمل، وتسمى HTA Gravidique، وهي مرتبطة بالتغيرات الفيزيولوجية والهرمونية للحمل. وفي معظم الحالات، يعود الضغط إلى مستواه الأصلي بعد بضعة أشهر عن الوضع، لكن و في حالات أخرى، وهي قليلة والحمد لله، يتحول من «ارتفاع ضغط مرتبط بالحمل» إلى «ارتفاع ضغط مزمن». وبغض النظر عن هذا كله، فارتفاع الضغط أثناء الحمل يستوجب متابعة دقيقة، لأنه يشكل خطرا على كل من الجنين والمرأة أثناء فترة الوضع. { هل هناك أية أعراض تدلّ على المرض؟ كما سبق وقلت فإننا أمام مرض صامت، وأعراضه قليلة، بل أحيانا منعدمة. من جهة أخرى، لا يوجد تناسب بين مستوى الضغط وبين حدّة الأعراض. وبعبارة أخرى، هناك من الناس من يعاني من ارتفاع طفيف للضغط ويحس بالأعراض التي سنذكرها. بالمقابل، هناك مرضى آخرون مستوى ضغطهم مرتفع جدا و لا يحسون بأي أعراض تُذكر. يجب أن نعلم أن هذه الأعراض غير مُميزة لارتفاع الضغط، مما قد يدفع المريض أو الطبيب كذلك أحيانا للتفكير في أمراض أخرى غير مرتبطة بارتفاع الضغط. وأهم هذه الأعراض هي آلام الرأس، رنين في الأذن، ضبابية في الرؤية، إرهاق، غثيان. تبقى إذن أنجع وسيلة لاكتشاف هذا المرض هي مراقبة مُستوى الضغط، خاصة ابتداء من 45 - 50 سنة، وبشكل أخص حين يكون العامل العائلي حاضرا (وجود مرضى في الدائرة العائلية القريبة)، أو حين يحس المريض ببعض الأعراض المذكورة بشكل متكرر. (*) طبيب اختصاصي في أمراض القلب والشرايين