خصصت شعبة اللغة العربية وآدابها ، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، الجمعة 17 أبريل الجاري، أمسية كاملة للاحتفاء بشاعر المغرب محمد بنيس. كان الجميع في الموعد. لكنه كان موعدا مضروبا لطلبة الشعبة، الذي قاموا بعمل جيد. إضافة إلى أساتذة الشعبة الذين تجاوزوا وظيفتهم وأدوارهم، ودبجوا كلمات ومداخلات في حق شعر لم يُقل فيه بعد ما ينبغي قوله. محمد بنيس نموذج شعري وإنساني في آن، يخاطبنا بهذه اللغة الصافية: الشاعر يقول أشياء في غاية الدقة، بل إن حياته في غاية الدقة، عملا وحصيلة. والإنسان يعيش ولديه فرص كثيرة لتغيير الحياة التي أمامه. لقد تقدم بنيس إلى الطلبة والقراء باعتباره شاعرا شديدا وعميق التقدير للأعمال وللمؤلفين الذين قرأهم، ودرسهم، وترجمهم، وذلك أشد أنواع اللقاء حكمة وجمالا. كما ليس صدفة أن تُترجم أشعار وأعمال بنيس إلى الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية...وتجد توافقا هائلا مع الشعرية الأوروبية. بل ليس صدفة، ولا سهلا، أن يحتفل به الفرنسيون شاعرا في قرن ذي عقلية نثرية. لذلك تراه دائما، شأنه شأن جميع الباحثين في الحداثة والكاتبين ضمنها، يسعى إلى إعادة التوازن للعلاقة بين الشعر والنثر، بين القوة والمعرفة، بين القوة والشعر. في حالة هذا الشاعر لابد من الجهر بافتراض "وجود لازمنية مقيمة"، حسب إدوارد سعيد. معنى ذلك أن ما يناسب الحياة المبكرة لن يناسب مراحلها اللاحقة. ولابد أيضا من الإقرار بوجود "زمنية مقيمة". أي أن الحياة المبكرة هي الحياة المتأخرة. والأسلوب الاول هو نفسه الأسلوب المتأخر، لم يصبه الضعف والهوان والتفكك. كما بدأ كما انتهى. وبنيس يقع في الزمنيتين: حياة أولى، حياة متأخرة بأسلوب متوافق، وحياة أولى وأسلوب متأخر غير متوافقين. فبنيس لم يزد العمر أسلوبه سوى قوة وعنفوانا ولغة جديدة. سيرة بنيس المتوفرة شذرات متفرقة ومبثوثة في كتبه، أو المتوفرة في الحكايات والمرويات على لسان أقرانه ومجايليه من الشعراء والكتاب المغاربة والعرب، يوجد فيها شيء جوهري وهام: بدأ بنيس حياته بروح محاربة وانتهى، في أسلوبه المتأخر، محاربا، بروح ملؤها التصالح والهناءة مع الذات. هنا تقع الرجات والرجفات الثورية. لقد بقي هو هو، رغم التحولات الواقعية والتاريخية. طاقته تتجدد تكاد تكون شبابية. وهو بذلك يجعل قراءه ونقاده ومترجميه وطلبته أكثر حيرة واضطرابا من ذي قبل. وقوته المتجددة تلك لها عوامل في الأسلوب. لذلك لا بد من الاحتفال به على الدوام.