احتضنت لجنة الأممالمتحدة حول وضعية المرأة في دورتها 59 بمقر الأممالمتحدة بنيويورك, الأسبوع الماضي, اجتماعا خصص لدراسة وتقييم تنفيذ إعلان وبرنامج عمل بكين الذي تمت المصادقة عليهما خلال المؤتمر العالمي الرابع حول المرأة (1995) وكذلك النصوص التي صادقت عليها الدورة 23 الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة (2000). فقبل 20 سنة، اجتمع آلاف النساء والرجال من مختلف المشارب والاتجاهات في بكين, من أجل رسم الطرق لعالم أفضل، عالم أكثر عدالة وإنصافا تحظى فيه المرأة والفتيان بنفس الفرص مثل الرجال، وخرج هذا التجمع العالمي بإعلان يسلط الأضواء على التحديات الكبرى التي تطرحها المساواة بين الجنسين, وحدد برنامج العمل بآليات محددة لبلوغ هذا الهدف، وتم تحديد 12 ميدانا حيويا من أجل بلوغ المساواة تتمثل في: استمرار الفقر الذي يطال النساء، الولوج غير المتكافئ في التعليم والتكوين والفوارق والاختلالات التي تطال النساء في هذا المجال، والولوج غير المتكافئ للعلاجات الصحية، العنف ضد النساء، تأثيرات النزاعات المسلحة على النساء، الفوارق والاختلالات التي تطال النساء فيما يتعلق بالبنيات السياسية والاقتصادية وكل أشكال أنشطة الإنتاج والوصول إلى الموارد, التقاسم غير المتساوي للسطة ومسؤولية القرار على كل المستويات، ضعف آليات تشجيع المرأة في كل المستويات، عدم احترام الحقوق الأساسية للنساء واختلالات الوصول والمشاركة في كل مستويات التواصل ولاسيما وسائل الإعلام، الفوارق بين الرجال والنساء في مجال تدبير الموارد الطبيعية وحماية البيئة، استمرار التمييز تجاه الفتيات وخرق حقوقهن الأساسية. وقد حدد لكل مجال من هذه المجالات الأساسية أهداف استراتيجية واجراءات ملموسة يتعين اتخاذها, وكل خمس سنوات (2000، 2005، 2010) تمت تقييمات وطنية موسعة لبحث ما تحقق من إنجازات والتحديات والاكراهات القائمة. وقد سجلت الأممية الاشتراكية للنساء الانجازات التي تحققت من صدور إعلان بكين وبالموازاة مع المبادرات والخطوات المقدمة في القرار 66/130 للجمعية العامة للأمم المتحدة والأهداف التنموية للألفية، حدثت عدة تغييرات إيجابية، حيث أصبحت ممارسة العنف مجرمة قانوناً في ثلثي الدول، وأعلنت 52 دولة الاغتصاب جريمة، وتقلصت ممارسات ختان الفتيات بحوالي الثلث، مقارنة بما كان عليه الأمر قبل 30 سنة، وتزايد عدد الفتيات المتمدرسات ولو بوتيرة بطيئة، وتقلص عدد النساء اللواتي يعشن في فقر مذقع... لكن مع ذلك، تسجل الأممية الاشتراكية للنساء أنه بالرغم من هذه الإنجازات، فإن حصيلة العقدين الأخيرين لم تكن إيجابية في جميع مناطق العالم، والإنجازات تبقى متفاوتة ومختلفة تجاه النساء والفتيات في مختلف القارات, وقد أبرزت الأممية الاشتراكية للنساء خلال حصيلة 20 سنة عن إعلان بكين الذي تم خلال الدورة 58 للجنة الأممالمتحدة حول وضعية المرأة (مارس 2014) أن «النساء مازلن يعتبرن كضحايا بدل أن يكن كفاعلات في التغيير، ورغم أن المساواة والاستقلالية محددة كأولوية عالمية، فإن ملايين النساء والفتيات عبر العالم مازلن يتعرضن للتمييز الاجتماعي والقانوني...». وفي سنة 2015، مازالت ملايين النساء عبر مختلف مناطق العالم محرومات من أبسط حقوقهن الأساسية مثل الصحة والتربية والعدالة والموارد والتشغيل... وملايين النساء المهاجرات يتعرضن لأفظع أشكال العنف خلال رحلة الهجرة، ومازالت ملايين النساء مقصيات من الحياة العامة ولا تحظين بأي اعتراف بالمواطنة، ويتعرضن لكل أشكال العنف. وغالباً ما تؤثر القوانين والأعراف في السياسات المؤسساتية، حيث تمثل المرأة في برلمانات العالم حوالي 4/1. كما أن العنف الجنسي يطال حوالي 35% من النساء في العالم، ونصف سكان العالم المصابين بفيروس السيدا هم من النساء ... واليوم، وبعد مرور 20 سنة على إعلان برنامج عمل بكين، تطرح الأممية الاشتراكية للنساء الأسئلة الكبرى التي تطرحها الحصيلة العامة: ما هي الإنجازات التي تحققت؟ ما هي العراقيل والعوائق؟ ماهي الأولويات المستعجلة المطروحة؟ ما هي الوسائل والآليات لضمان تجسيد حقوق النساء، وخاصة المساواة بين الجنسين في جميع الميادين,في مجال مكافحة الفقر، بالرغم من الاستراتيجيات المختلفة المعتمدة عبر مختلف أرجاء العالم، مازال هناك حوالي 1,5 مليار شخص في العالم يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم أغلبهم من النساء... والنساء في العالم يكسبن في المعدل حوالي 50% بالمقارنة مع ما يكسب الرجل. والفقر الذي يطال النساء له عواقب سلبية على حقوقهن. والفقر يطال بوتيرة أسرع النساء بسبب وضعهن كنساء, خاصة عندما يكن في وضعية لاجئات أو مهاجرات أو مسنات أو وحيدات.. والنساء ليست لهن نفس الحظوظ للوصول إلى التعليم أو الملكية أو العمل.. والخلاصة التي يمكن الوصول إليها هي أن الفقر والحقوق مرتبطان بشكل وثيق والقضاء على الفقر يتطلب إرادة سياسية دائمة وواضحة. في مجال التربية والتعليم التي كانت في صلب انشغالات مؤتمر بكين وموضوعا رئيسيا لأهداف الألفية للتنمية لسنة 2000. وبالرغم من الإنجازات التي تحققت في هذا المجال، فإن تمدرس الفتيات مازال ضعيفا في مناطق واسعة في افريقيا جنوب الصحراء وفي شرق آسيا ومازالت النساء تمثلن ثلثي الأميين في العالم.. والخاصة هي أن التعليم والتكوين حقوق أساسية للنساء والرجال وبدونهما لا يمكن أن يتحقق نمو أو تقدم. في مجال الصحة تبين المعطيات العالمية والأرقام المتخصصة أن تحسين صحة النساء يقلص من الفقر ويساعد على تمديد مدة التمدرس وتحقيق استقلالية المرأة ويرفع من وثيرة حياة الأطفال والأمهات ويحمي من الأمراض المعدية ويحافظ على الموارد. بل إن هذا الجانب يشكل عنصر توازن وتقدم للمجتمعات. ويشكل العنف تجاه النساء أحد أكبر الانتهاكات للحقوق الأساسية وتشير الإحصائيات الى أن حوالي 140 مليون فتاة وامرأة عبر العالم تعرضن لتشوهات جنسية ويمكن أن نذكر في هذا المجال تقاليد الزواج المبكر السائدة في افريقيا وجنوب آسيا ووسطها وفي الشرق الأوسط. وتشكل النساء نسبة 55% تقريبا من مجموع حوالي 20,9 مليون ضحية العمل القسري في العالم و89% أي حوالي 4,5 مليون مكرهات على الاستغلال الجنسي.. وحسب منظمة الصحة العالمية يبقى العنف الممارس ضد النساء في مستويات غير مقبولة، و الأرقام التي تقدمها كل الدراسات في هذا المجال تبقى أرقاما مهولة وصادمة. والحصيلة العامة في هذا الباب تبين أن العنف بكل أشكاله ناتج في أغلب الأحيان عن الفوارق بين النساء والرجال ويساهم في تفاقمها, والقضاء على العنف شرط أساسي للتنمية المتوازنة للمجتمعات والمساهمة الفعالة في تحرير النساء. اقتصاديا لم يتم بلوغ هدف المشاركة الإقتصادية المنصفة للنساء, فالنساء يقمن بثلثي العمل في العالم, لاسيما في الفلاحة والنساء يمثلن 40% من مجموع مناصب الشغل المأجورة دون احتساب المجال الفلاحي، مناصب شغل أقل استقرارا وأقل مكاسب اجتماعية لاسيما في الدول النامية. لكن المرأة تبقى أقل حظا في سوق الشغل مهما كان مستواها التعليمي أو تجربتها في العمل ويبقى معدل الأجر الذي تحصل عليه المرأة أدنى من أجر الرجل, وتؤكد الأممية الاشتراكية للنساء أن الاستثمار في المساهمة الإقتصادية المتساوية للنساء والفتيات يبقى إجراء ملموس لتحقيق تنمية مندمجة تعزز الانسجام الاجتماعي. وبخصوص مساهمة النساء في السلطة واتخاذ القرار, يلاحظ اليوم أنه تم تحقيق نتائج مشجعة لكنها نتائج تبقى مطبوعة بفوارق جهوية كبيرة. ففي سنة 1995، كانت نسبة النساء في البرلمانات تمثل 11,3% وبعد 15 سنة انتقلت هذه النسبة إلى 19% وفي سنة 2014 تمثل النساء نسبة 21,8% داخل البرلمانات، في سنة 2010 ومن مجموع 192 رئيس حكومة تمثل النساء 11 رئيسة حكومة فقط. وعلى المستوى العالمي تمثل النساء الوزيرات 16% فقط من عدد الوزراء وهناك اليوم 36 دولة تمثل فيها النساء الوزيرات 30% وما فوق وهو ما يمثل تقدما ملموسا مقارنة مع سنة 2012، كما أن مجالات المسؤولية الوزارية تتوسع بشكل إيجابي.. ورغم هذا التقدم الإيجابي تبقى تمثيلية النساء في المؤسسات الحكومية التنفيذية أو التشريعية ضعيفة. وتبقى تمثيلية النساء في المؤسسات الحكومية التنفيذية أو التشريعية قضية أساسية من أجل انتزاع حقوقهن والحفاظ عليها. وهي شرط بالنسبة لكل المجتمعات المنخرطة في بناء وتعزيز المكاسب الديمقراطية. وتبقى الآليات المؤسساتية على المستويات الإٍقليمية والجهوية والدولية أهم الآليات لبلوغ أهداف برنامج عمل بكين مع العمل على توضيح أدوارها وتجسيدها فعليا يبقى أولوية. كل الآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على القضاء على كل أشكال التمييز المبني على الجنس, ووقعت 188 دولة على المعاهدة الدولية حول القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، إلا أن 105 دولة هي التي صادقت على بروتوكولها الاختياري الذي يمنح للنساء إمكانية تقديم تظلم دولي في حال حصول خرق لحقوق النساء. وبعد مرور 20 سنة على إعلان بكين لم تلتزم كل الدول بوعودها، حيث مازالت هناك أشكال متعددة من التمييز ضد المرأة في كل المجالات (الحياة السياسية، سوق الشغل الوصول إلى الموارد، العنف في الحياة الخاصة...«. إن تواجد النساء في كل مستويات اتخاذ القرار تساهم في اكتساب حقوقهن الأساسية. هذه الحقوق التي تبقى جزءا لا يتجزأ من الحقوق الإنسانية الأساسية وتشكل عاملا أساسيا ورافعة مهمة في الديمقراطية. وتشدد الأممية الاشتراكية على ضرورة تخلي وسائل الإعلام عن التوجه التمييزي الحالي وأن تلعب دورا أكبر في التوعية والتحسيس حول مقاربة النوع كما تشدد على أن وضع سياسات بيئية تدمج النساء وتسهل وصولهن إلى المعرفة والقرار والموارد هي الكفيلة بالتخفيف من انعكاسات التغيرات المناخية. وتؤكد الأممية الاشتراكية للنساء في الختام, أن العديد من الاختلالات لاتزال موجودة بين النساء والرجال وهي في الغالب اختلالات مرتبطة بالصعوبات في ممارسة الحقوق الاساسية للنساء وعدم القدرة على تطبيق الاتفاقيات الدولية ولا سيما معاهدة مناهضة التمييز ضد النساء. وتبقى القوانين التمييزية بين الجنسين أهم عرقلة أمام التنمية المستدامة و التنمية الاقتصادية دون تمييز وأمام السلم بشكل عام. والقضاء على كل اشكال التمييز والعنف ضد النساء كيفما كان وضعهن ومكافحة الصور النمطية يتطلب الأخذ في الاعتبار رهانات كبرى مثل القضايا الثقافية وهي قضية تشكل بالنسبة للعديد من المجتمعات ثورة حقيقية يتعين الانخراط فيها لإعطاء النساء كل حقوقهن بما فيها الحق في اتخاذ القرار بخصوص حياتهن وأجسادهن، وقد تم تقزيم العنصر الثقافي كعامل للتغيير ورفاهية الشعوب. والعودة القوية لمظاهر عدم التسامح والافكار الظلامية والتقاليد المنغلقة وعدم قبول الاخر, كلها عوامل تغذي التوترات الحالية داخل المجتمعات وبين الدول وتشكل عاملا ثقافيا معرقلا للعيش المشترك. كما ان قضية العولمة مطروحة والنموذج الليبرالي المتوحش مطروح بشكل مقلق لأن الفقر في تصاعد والنساء والاطفال اكبر الضحايا في الوقت الذي تعتبر النساء والاطفال الضامن المحافظ على قيم التضامن. و النماذج الاقتصادية تهمل النساء والسياسات العمومية لا تأخذ مقاربة النوع في الاعتبار. * رئيسة الأممية الاشتراكية للنساء