النضال من أجل وقف الحمل، والقيام بتدخل طبي آمن مؤطر بشكل قانوني، في حالات زنا المحارم والاغتصاب، وفي التشوهات الخلقية عند الأجنة، ظل دائما نصب عيني البروفسور شفيق الشرايبي رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، الذي جعل من القضية معركة إنسانية، أخلاقية، صحية، مجتمعية، وهو يعاين مآسي عدة من خلال ممارسته اليومية، لنساء ينتحرن نتيجة لحمل غير مرغوب فيه، أو يقتلن مواليدهن او يتخلين عنهم في مكان ما، أو لايصلن إلى هاته المرحلة إذ قد يفارقن الحياة وهن يخضعن لعملية إجهاض سرية وإن كانت على يد طبيب او قابلة، او من خلال استعمال أعشاب ومواد سامة، اعتقدن بانها ستشكل لهن خلاصا فإذا بها توقع على خاتمة أيامهن بالدنيا. في هذا الحوار يسلط البروفسور شفيق الشرايبي الضوء على معضلة الإجهاض السري بالمغرب، خلاصات النقاش الوطني الذي جرى يوم الأربعاء الأخير، والخطوات الإجرائية من اجل تعديل فصول القانون الجنائي المرتبطة بموضوع الإجهاض، وذلك ضمانا لتأطير قانوني يهدف إلى تحصين السلامة الصحية. { شاركتم ، منتصف هذا الأسبوع، في لقاء تشاوري وطني نظمته وزارة الصحة حول موضوع الإجهاض، ما هو تقييمكم له؟ يجب التأكيد على أن هذا اللقاء الوطني الذي تطرق لموضوع الإجهاض بين التأطير القانوني ومتطلبات السلامة الصحية، قد شكّل حدثا هاما ومتميزا بالنظر إلى موضوع وإلى حجم وطبيعة المشاركين في أشغاله التي امتدت على مدى اليوم بأكمله، بحضور فعلي منذ البداية وإلى غاية اختتام أشغاله لوزير الصحة، خلافا لمناظرات سابقة، مما يعكس البعد الذي يحظى به هذا الموضوع الذي يعتبر مشكلا مجتمعيا كبيرا له العديد من التبعات المتعددة الأوجه. { جلّ المشاركين من مختلف المواقع أكدوا على ضرورة إعادة النظر في الجانب القانوني المتعلق بالإجهاض، فهل تم تحديد سقف لأجرأة هذه "التوصية"؟ للأسف نحن نتكلم منذ سنة 2008 على هذا الموضوع، وتم التصريح في ماي 2010 على أن تعديل القانون هو مجرد مسالة أيام معدودة على رؤوس الأصابع فقط، لكن لاشيء تغيّر وظلت وضعية الإجهاض السري وغير الآمن هي نفسها، مع استمرار معدلات وفيات النساء والمواليد الذين إن هم لم يُقتلوا فقد تم التخلي عنهم. أما بخصوص المشاركين في اللقاء الوطني التشاوري فقد أكدوا بدورهم على ضرورة تعديل القوانين المؤطرة لموضوع الإجهاض إلا أن ما يُعاب أنه النقاش ظلّ عاما دون تقديم مقترحات إجرائية بهدف التفعيل، باستثناء مقترح الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري. { في حالة تكّرر نفس الوضع السابق ولم يتم تسجيل أي تغيير في هذا الصدد هل هناك من خطوة يمكنكم الإقدام عليها؟ بكل تأكيد سنسلك سبيلا آخرا لأن هذا الموضوع له أهمية قصوى ولم يعد يحتمل المزيد من الانتظارية، فإذا ما تبيّن على أن النقاش بشأنه سيظل مرة أخرى سطحيا وبدون تفعيل، على الرغم من كوننا متأكدين من صدق القناعة عند العديد من الأطراف بضرورة تغيير هذا الوضع وتفادي التداعيات السلبية المرتبطة به، سنقوم بتفعيل أحد الحقوق الدستورية وسنقدم كجمعية مهتمة في هذا الباب بمشروع مقترح قانون. وفي هذا الصدد نعقد مناظرة يوم الاثنين 16 مارس 2015 لمزيد من التفصيل في حيثيات الوضع من مختلف الزوايا، القانونية والصحية والاقتصادية والاجتماعية. { ما هو مقترحكم بشأن الفصل 453 من القانون الجنائي؟ هذا الفصل يجب أن يخضع لتعديل، فهو تحدث عن كون الإجهاض لا يعاقب إذا كانت حياة وصحة الأم في خطر، علما بأن تحديد وضبط مفهوم الخطر يظل مفتوحا، والحال أن المنظمة العالمية للصحة تعرف الصحة بكونها حالة رفاه كامل بدني، وعقلي، واجتماعي، وبالتالي نقترح أن يصبح على الشكل التالي "الإجهاض مباح ويُعمل بصفة قانونية طبية آمنة إذا كانت الحياة أو الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية مهددة". كما نقترح تكوين لجنة أخلاقية على صعيد كل مستشفى إقليمي أو مركزي في كل ناحية مشكلة من 6 أعضاء، من الطبيب الرئيس الإقليمي، طبيب النساء والتوليد، طبيب نفساني، اختصاصي في علم النفس، مساعدة اجتماعية وممثل عن المجلس العلمي. { ماهي مهام هذه اللجنة؟ هي لجنة يعهد إليها دراسة الطلبات المقدمة للإجهاض ويتعين عليها تقديم جواب في أجل أقصاه أسبوع لان مدة إيقاف الحمل لايجب أن تتجاوز 12 أسبوعا، إلا في حالة استثنائية كما هو الشأن بالنسبة لحالة تشوهات الجنين التي لايتم تشخيصها إلا في 20 أسبوعا. ومن مهام اللجنة أيضا أن تحرص على أن يتم الإيقاف الطبي للحمل في المستشفيات العمومية مع إمكانية أن تجرى هاته العملية بالمصحات الخاصة وليس بالعيادات بعد موافقة من هاته اللجنة. { كيف هي وضعية الإجهاض السري في المغرب؟ حالات الإجهاض في المغرب هي في ارتفاع مستمر، وتشير التقديرات إلى أنه يوميا يتم تسجيل ما بين 600 و 800 حالة، ثلثا الحالات تتم عن طريق أطباء الولادة أو الطب العام، إلا أن هذا لايلغي أن الأمر يتم في ظروف غير سليمة 100 في المئة، نظرا لعوامل عدة، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، أن هذه التدخلات لاتتم دائما من طرف طبيب مختص في الولادة لكونه إجهاضا سريا، غياب التعقيم، ضعف التخدير، غياب قاعة العمليات لو وقعت أية مضاعفات ... الخ. وترتفع درجات الخطورة عندما يتعلق الأمر بالثلث المتبقي الذي يتم عن طريق الإجهاض التقليدي، على يد "القابلات"، و"العشّابة" والمشعوذين، دون إغفال أن هناك من النساء من تستعمل أقراصا متوفرة تباع في السوق السوداء، تنطوي على مخاطر كبرى وتستعمل في حالات الإجهاض، وقد يؤدي استعمالها إلى تمزق الرحم، هذه الأقراص التي ناضلنا لأجل توفيرها في المغرب لكونها تساهم في وقف النزيف عند النساء أثناء الولادة، الذي يعد سببا رئيسيا في وفيات الأمهات، وبالفعل تقلصت نسبة هذه الوفيات، لكن تبين أنها تستعمل بشكل كبير يؤدي إلى الإجهاض رغم خطورتها، علما بأنه من الممكن تفاديها لو تمّ الأمر تحت المراقبة الطبية وفي ظروف سليمة. { هل هناك أية أرقام عن معدل الحالات التي تتم يوميا؟ هناك حوالي 50 حالة إجهاض على الأقل تتم يوميا، وهو الرقم الذي يتضاعف 3 مرات في مدينة كالدارالبيضاء، وكذا مدن أخرى كمراكش، أكادير، طنجة، وبالتالي فالأرقام هي في تصاعد لعدد حالات الإجهاض. أما بخصوص الراغبات في الإقدام على هاته الخطوة، فهن ينتمين لكل فئات المجتمع، ووفقا لدراسة قامت بها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، فإن ما بين 50 و 60 في المئة هن فتيات غير متزوجات، والأخريات هن على علاقة زوجية، يقدمن على ذلك لغايات معينة تختلف من حالة إلى أخرى، كما تبين أن الإجهاض لا يقف عند حدود الفقراء، بل يشمل كذلك الأغنياء، الذين يقومون به خارج المغرب بإسبانيا وفرنسا، وذلك بشكل قانوني وفي ظروف سليمة، في حين أن من ليست لهن القدرة المادية لذلك، فهن يقمن بالإجهاض التقليدي الذي يؤدي إلى نزيف، تعفنات، وتسممات وغيرها. فالحمل غير المرغوب فيه له عواقب كثيرة ومتعددة، إذ إلى جانب الوصول إلى خطوة الإجهاض وما يترتب عنه، نجد الاكتئاب الذي قد يؤدي بالمعنية بالأمر إلى الانتحار، ثم هناك جرائم الشرف، وكذا الأطفال المتخلى عنهم الذين يتم إما قتلهم أو إهمالهم، وهنا أريد أن أوضح بأنه يوميا يحصى 25 رضيعا على الأقل يتم التخلي عنهم بالمستشفيات، فضلا عن بيع هؤلاء الأطفال لمافيات الاتجار في الأعضاء البشرية، وأخيرا السجن لمن يقوم ويتدخل لإجراء الإجهاض. { ما هو الجواب الكفيل بحلّ هاته المعضلة؟ هو جواب قانوني لان التأطير القانوني أمر ضروري لتفادي اللجوء إلى الأشكال السرية، فوفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية، فإن ما بين 10 و 13 في المئة من الوفيات من ضمن 900 ألف حالة في شمال إفريقيا هي بفعل الإجهاض غير المقنن، في حين أنه في الدول التي تقنن الإجهاض فإن هاته النسبة لاتصل إلى 1 في المئة، وفي أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال لا الحصر، هناك 35 سيدة في الألف تقوم بالإجهاض الذي يعد خطوة غير مسموح بها، في حين انه في الدول الأوربية فإن عدد النساء اللواتي يلجان للإجهاض يقدر ب 12 سيدة في الألف، وبالتالي فتقنين الإجهاض وتأطيره قانونيا ليس عنوانا أو مؤشرا على ارتفاع نسبه والطلب عليه كما قد يشاع.