«تشكل الترجمة صيغة مثالية لكل المبادلات، ليس فقط من لغة الى لغة، بل كذلك من ثقافة الى ثقافة. انها تنفتح على عوالم ملموسة وليس على الإطلاق على عالم تجريدي مقطوع عن التاريخ. يتصور الإنسان العادي عن قصد أن العملية الترجمية ما هي إلا مسار لاستعاضة يتم بطريقة آلية تقريبا، ولا يدع أي مكان للابداعية. إن ترجمة الغد لن تكون بالتأكيد هي ترجمة لزمن ولى». في هذا الاتجاه يسير النص التالي كملخص لموضوع حول ترجمة الغد. ترجمة الغد نتيجة لمجتمع معولم في الوقت الحالي، حيث صنعت الترجمة لنفسها مكانة مشرفة داخل المجتمع كتقنية للتواصل وأخذ علم الترجمة يعطي ثماره، جاء فكر العولمة ليرسم أفقا جديدا وحمل معه كذلك تحديا جديدا للترجمة، حيث يشار إلى اهداف جديدة ومناهج جديدة. لقد ولت بالفعل العصور الرومانسية للتأمل ولبدايات علم الترجمة حيث كنا نتداول بخصوص ألفي سنة من الترجمة. يتطلب العصر الجديد مقارنة جديدة، اكثر براغماتية، حيث ستكون التجربة المتراكمة لعشرات السنين بمثابة أرضية وأساس، فالتغيرات المتوقعة في مجال الترجمة ليست مثيرة للدهشة، في مادة اعتادت على التطور باستمرار وفقا للحالة أو للتوافق التواصلي الاجتماعي. فالطابع الديناميكي خاصية للترجمة. في الواقع، ماذا قد يكون ممكنا أن يتغير في عالم الترجمة مقارنة مع عالم الترجمة اليوم؟ ماذا نتوقع من تغيرات في الدور مستقبلا؟ أية ترجمة للغد؟ في عصر الانتيرنيت لا شيء يجعلنا في شك بالنظر الى أن الترجمة ستكتسب أهمية في المستقبل دائما وانها ستحافظ على دور أساسي في توازن التواصل الإنساني. على الرغم من ان مصلحة مجتمع معولم تكمن في وثوقية استخدام لغة أو لغات متنوعة حاملة (الانجلزية بخاصة)، فإن مجتمع الإعلام والاتصال يطالب دائما بحضور قوي للوساطة اللغوية والتفاعل الثقافي. يبدو أن كل شيئ يشير ويؤشر الى أن الترجمة، - باعتبارها تقنية للتواصل - ستستمر في ديناميتها، فتعدديتها، متغيرة ومتبدلة في المستقبل، في الزمان وفي المكان. ستكون دائما خاضعة لهدف ولوظيفة النص الأصلي و/أو الواصل. فتحت تأثير المصطلح وصناعات اللغة، ستتعرض اللغة نفسها لتأثيرات وسنرى نجاح نتائج متجانسة في عدة مجالات تواصلية، بل إن هذا التجانس اصبح بديهيا تماما داخل بعض مصالح الترجمة. من وجهة النظر المقالية والنصية، ستشكل الترجمة مزيدا من الأهمية لحل مشاكل التواصل غير الشفهي (المشكل من علامات غير كلامية). إذ يؤكد لنا نجاح الصورة في عالمنا التواصلي ونجاحات الحاملات السمعية البصرية، يؤكد تلك التوقعات .يبدو بديهيا أن مجتمع الغد سيتمكن من الاعتماد أكثر من أي وقت مضى على الترجمة وأن هذه الأخيرة ستهم عددا أكبر من الأشخاص. بمن فيهم المجموعات التي تعوزها ظروف وشروط التلقي و/أو الفهم، مثل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (بصرية، سمعية) الذين سيستفيدون من منظومات اتصال جديدة. من المؤكد أن ترجمة الغد ستكون نتيجة لمجتمع معولم سيعتمد بشكل كبير على دعم التكنولوجيات الجديدية وعلى الاتصالات السلكية، والذي سيكتشف في كل يوم حوامل جديدة ومشاكل جديدة في عالم الترجمة. لكن ترجمة الغد ستكون كذلك تعبيرا عن علائق جديدة بين الفاعلين في الترجمة: مهنيين، علماء التربية، منظرين وعلى ضوء التحولات التي تمت داخل المهنة، فإن وضعية المترجم والمترجم الفوري ستعرف ما في ذلك شك تغيرات حساسة، تحركها مواصفات جديدة للكفاءة. في مجال التكوين، ثمة مؤشرات تدل على تطور عميق سيكون له انعكاس دولي. في المجال النظري جاءت وجهات نظر جديدة لتفرض نفسها، بانفتاحها على مبادئ جديدة بتنويع أفق الترجمة. المترجم المهني على مسافة بعيدة من الزمن الذي كان للترجمة فيه مظهر عمل شخصي، سكافي ويتم في عزلة (كانت الترجمة في وقت سابق تعتبر كإحدى المهن الأكثر انعزالا في العالم)، فإن الواقع الجديد للترجمة برسم وجه شخص مهني جد مختلف، على تكوين جيد من وجهة النظر التكنولوجية، متعاون، بكونه جزءا من وكالة من مؤسسة، من منشأة من شبكة. فمهنيون يعلنون عن خدماتهم دون تقنين مجالي، بحيث يجعلون من العالم بأسره مجالا ترابيا لهم، ومن حواسبهم مكاتبهم. تلك هي قيمة الويب web. ليس صدفة إذا ما وجد المترجم فضاءه وطبيعته العميقة داخل الشبكة. من وجهة النظر المجازية، تمثل الشبكة الفضاء بامتياز للترجمة وللمترجمين ولكنه ايضا فضاء للآخر: للزبون وللوكالة السبيرنيتيقية في الشبكة العنكبوتية يكتسب النص شرطا حقيقيا، شرط اللامنتهي، فهو موجود قلبا وقالبا داخل السياق، ومن ثم يجد نفسه دفعة واحدة داخل النص التفاعلي الأوسع. فالكتاب والمترجمون يتقاربون فعلا داخل انتيرنيت، وهو فضاء للتواصل الشامل. غير أنه باستثناء الدلالة العميقة للفضاء في تجربة المترجم، فإن الشبكة هي مجال التكنولوجيا الجديدة فالكفايات المكتسبة في الميدان التكنولوجي وبخاصة على مستوى استعمال أنظمة الترجمة الآلية وذاكرات أو منجزنات الترجمة، تساعد بالفعل على العمل الذي يقوم به هذا المترجم المهني، كما ان أدوات المساعدة القاموسية والمصطلحية، الوثائق الموجودة في الشبكة خدمة المصححين (الآليين وكذا البشريين)، الخ تبدو كأدوات جيدة لجميع المترجمين بمن فيهم مترجمو العلوم الانسانية والأدبية، الذين يزدادون اقتناعا بقيمة تلك الأنظمة التي يلجأون إليها في العديد من الحالات، إذ تضمن هذه الأدوات جودة العمل ولكنها كذلك تساعد على سرعة الحركة، وهما قيمتان اثيرتان بالنسبة للمهنة. في مجتمع الغد ستكون معرفة المهنة أكثر في علاقة مع التكوين، فالطالب في مجال الترجمة سيحصل على معارف أكثر دقة لرهان المهنة ولسوق الشغل لأن تكوينه سيستند إلى مضامين شبه احترافية من ثم ستمكنه هذه الوضعية من القيام بممارسة الترجمة وفقا لمعايير واقعية وليس وهمية أو مثالية صرفة كما هو الحال في العديد من التمرينات النظرية أو التعليمية. إلى جانب المهنيين المستقلين العاملين في مجال الترجمة، الذين وجدوا دائما وسيوجدون دائما داخل المهنة هناك عدد من المترجمين والمترجمين الشفويين يقدمون خدمتهم اليوم في اطار مؤسسة أو مقاولة داخل أنظمة الانتاج الجديدة سيتطلب الامر مزيدا من الكفايات من طرف المترجم سيتوجب عليه التمكن من تشكيلة من الادوات والاستجابة لتصنيفية جد متنوعة لتفادي المنافسة، المواصفة التي يوجد عليها المترجم تغتني وتتسع باستمرار وستتعقد مستقبلا، فمترجم الغد مدعو إلى لعب دور مترجم أرفع منزلة بالنظر إلى التكوين الذي يتلقاه هذا المهني وإلى متطلبات مجتمع الاتصال، فإن خدمات المترجم ستزداد تعددا وتعقيدا من ثم سيكون ظهور مترجمين يمارسون في جميع الاختصاصات تبعة لذلك لكنها ليست التبعة الوحيدة. ان ذوبان العمل الشخصي للمترجم داخل العمل داخل فريق للترجمة تحت امرة مقاولات للترجمة يزيد من الطابع اللامرئي للعمل الذي يقوم به في الواقع .ان وجود مسلكيات تقتضي جعل اسم المترجم يختفي داخل النص لصالح اسم المقاولة وهو سلوك مشترك اليوم داخل الوكالات يطرح مشكلا مهما يتعلق بالملكية النصية، هناك أيضا مشكل آخر مهما سوف يكون هو غياب دور المترجمين وضياعه في القرارات التحريرية لصالح الوكالات الأدبية أو المجموعات الماركوتينغ، وأخيرا فإن اختفائية المترجم شيء مقلق لايبدو أن له حلا مرضيا في جميع الأحوال. جعل دور الترجمة والمترجم مفهوما يزداد تأثر تعليم الترجمة كل يوم بالافكار البيداغوجية الجديدة. لقد تم شيئا فشيئا التغلب على أزمة المنظومة التربوية لما بين القرنين وهي أزمة لم تسلم منها الترجمة بفضل تجارب جديدة قادرة على التغلب على اخفاقات تكوين سوف يستشعر الطلاق بين الجامعة والمجتمع أو اللاتوازن بين دور المدرس ودور الطالب. سيتوجب على نموذج تربوي جديد مبني على منظور آخر لكفايات الطالب واكتساب معارف أن يقوم بالضرورة باصلاحات بيداغوجية وفي عصر العولمة كذلك يجب أن تأخذ عصرنة التعلم في الاعتبار وسائل الاتصالات الاداة الحقيقية للتدويل. يستدعي تكوين المترجمين القائم على اشراك الطلبة في مسار التعلم منهجيات جديدة تعتمد على التكنولوجيات الجديدة القادرة على توجيه مسارات التعلم عن بعد بالتركيز على عمل الطالب مما يعطي امكانيات متعددة في تكوين المترجمين. مما لاشك فيه ان النقاش حول التكوين يؤدي إلى الفكرة التي نكونها في اذاهاننا عن الجامعة. لن يكون بإمكان القيم التي مثلتها دائما داخل المجتمع ان تنتقص غدا، بل بالعكس تماما: الجامعة مدعوة إلى ان تكون المرجع الضروري للمعرفة وان تلعب دورا مهما داخل مجتمع المستقبل من ثم لا نتصور جامعة تعيش على هامش المجتمع ولا مجتمعا يعيش على هامش الجامعة. تشكل الجامعة معبرا حتميا وحلقة ضرورية في تعلم الترجمة، لكن مسار التكوين لا يقتصر على صعيد الجامعة وحدة، إذ أننا ننسى قيمة التكوين المستمر وأهمية إعادة التكوين مهنيا في حياة المترجم، فإذا ما آمنا بآفاق المستقبل الذي ترتأ يه هي نفسها، فإن على جامعة الغد ان تكون قادرة على تحقيق تكوين شامل للفرد ولا نتصور ان بإمكانها إغلاق أبوابها أمام المهنيين. سوف لن يكون مفهوما ان ينسى المترجمون كفاياتهم وان لا يرغبون في سماع حديث عن اعادة تكوين تكوينهم. يجب ان يكون المتمرن المترجم والمهني على وعي بنقائصهم وعليهم ان يكونوا قادرين على التغلب عليها كذلك، فإذا اعتبرنا أن تعلم الترجمة يشغل حياة بكاملها وان التكوين ضرورة بالنسبة للمترجم، فإنه لا ينبغي تصوره بصفة تحديدية، ذلك ان التكوين الذاتي ينبغي ان يستشعر به من الآن كضرورة مهنية وان يشكل قناعة شخصية بشكل متزايد، لذلك لابد من الانتقال من التكوين التقليدي إلى المنهجيات الفعالة. في المجال النظري للترجمة ينبغي الانتقال من الروح النظرية والمعِّمة إلى الانشغال العملي، فالصراع المعروف بين النظرية والتطبيق - وهو خاصية للخطوات الاولى للعلم ولمخاطر المهنة - سيتم حله نهائيا مستقبلا. على الاقل ستتأقلم مختلف الاجيال مع حضور النظرية في طار التكوين الجامعي. وبعيدا عن المشاركة في السجالات بين مختلف المدارس والمنظورات النظرية، فإن الغد سيكون لحظة للاحتفاء بها جميعها واظهارالاهمية الملموسة لكل واحدة. منذ قرون بذل المثقفون جهد جعل دور الترجمة والمترجم مفهوما: من سيسيرون الى بينجامان، من استنير الى فينوتي. في الوقت الذي بذل مجهود لوضع نظرية وحيدة، رأينا بروز عشرات ومئات الدراسات الداعية الى مقاربة جديدة. فبعد ان تمت الدعوة الى أهمية الكاتب والنص الاصلي قبل كل شيء، ثم الى أهمية النص المشتق او المستنبت من الاصلي، سوف يبدو ان الاهتمام ينصب بالاحرى على المترجم. لكن ماذا غدا؟ اننا اذا فكرنا في المنافع التي يقدمها الاتصال العالمي وفي الحضور القوي لوسائل الاتصالات، فإن نظرية الترجمة سيكون من الافضل لها ان تفسر رهان الحوامل والدور الذي تقوم به الترجمة في هذا الاتجاه. لذلك ليس مفاجئا ان نظرية الترجمة تقترب من نظرية الاتصال لان مصدرها داخلها. سيكون لظهور مستجدات في مجال الاتصالات (حوامل جديدة، علاقات جديدة فيما بينها...) ، انعكاس بسرعة على الترجمة، الذي سيظهر في النظرية / النظريات، ذلك ان مسالك الاتصال هي ايضا مسالك للترجمة. ترجمة الغد: ترجمة أخرى سوف لن تكون الغاية الاولى من نظرية للترجمة قائمة على نظرية الاتصال هي ان تعلم كيف تترجم او تحدد اتجاه الترجمة، بل بالاحرى فهم موقع الترجمة داخل منظومة الاتصال وتحليل مسلكياتها داخل تللك المنظومة. من ثم سوف لن يكون للحوار بين التكنولوجيا والترجمة الا فوائد مشتركة. ثمة مؤشرات تؤكد ان التكنولوجيات الجديدة بصدد صنع طرق جديدة للتطرق للترجمة. ولاشك اننا غدا سنكون على يقين من انخراطها في وحدة الترجمة، في اشكال الترجمة، منهجيات الترجمة، الخ. كانت «ايديولوجية» الاتصالات الجديدة قد توقعها في تعاليق نظريات نهاية القرن. كانت الفرضيات الاتصالية قد أعلنت عن اهمية مواد متعددة المعارف واشراكها في تعليم الترجمة وفي فهم الترجمة نفسها كذلك. يتطلب موقف بنائي للترجمة الاخذ في الحسبان نجاحات او اخطاء الماضي في كل منظور جديد. لمباشرة تحليل مشاكل الترجمة المطروحة بواسطة مختلف الحوامل الاتصالاتية، فإن رؤية ذرية تفرض نفسها، بحيث تظهر التفردات في كل عملية ملموسة. لاتدخل مسألة ابراز تفرد كل مسار في تناقض مع التأمل العام حول الترجمة، الذي قد يكون ممكنا ان يتم كذلك في اطار علم الاتصال. سوف يكون بناء مختلف النماذج النظرية للترجمة بمساعدة تكنولوجيات الاعلام والاتصال مسعى جيدا لفهم للفعل الترجمي، الذي قد يسمح بالتقدم على نحو مؤكد وفعال في جل حالات ملموسة. في نظرية اتصالية للترجمة سوف يتعلق الامر لا بتحديد مسبق لاهداف ومنهجية الترجمة، بل بإعطاء دور ترجيحي لتصنيفيتها، بتحليل مختلف الحالات في تفردها (ترجمة الوصلات الاشهارية، البريد الالكتروني، ألعاب الفيدو، النص الدبي الرقمي..). والخلاصة هي أن ترجمة الغد لن تكون بالتأكيد ترجمة زمن ولى. لن يكون بإمكانها ان على نفس المنوال لانها لم تكن كذلك أبدا، وهذا لكون شرطها متغير، من التعليم الى المهنة، ومن هذه الاخيرة الى تموقعها النظري، عرفت الترجمة تحولا على عتبة الالفية الجديدة كما أنها تتهيأ لتطورات جديدة. هامش: (1)) هامش (Latraductologie dans tous ses Etats )، بقلم انطونيو بوينو غاركسيا.