المطر لا ينزع قشرات الجدران المهترئة فقط، المطر ينزع الطبقات السميكة عن المدن وعن المسؤولين. الماء الذي يسقط الجدران يسقط معها الكثير من الأوهام. ولعل أول وَهْم سقط يوم أول أمس، إلى جانب الكثير من الضحايا، هو أن العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، ليست عاصمة عالمية ولا عاصمة للقرن الواحد والعشرين. فهي لم تختلف ببند واحد عن أي حي في بوزنيقة أو في منطقة أخرى. مدينة عملاقة بأرجل من طين. وبالرغم من كل ما سبق للمستشارين الغيورين على المدينة، وهم القلة القليلة، أن أثاروه بخصوص ليديك، فقد ظلت هي القوة الوحيدة التي تحكم الماء والكهرباء. وعندما اجتاح الماء البيضاء لم تستطع هذه الشركة أن تحل المشكلة أو تجد مصارف للمياه، بل ذهب البعض إلى الاستخفاف بالمواطنين واحتقارهم عندما حملوهم المسؤولية بالقول إن قنوات الصرف الصحي امتلأت بالميكا الكحلا. الميكا الكحلة هي التي وضعها أصحاب القرار البلدي، وقبلهم أصحاب القرار الترابي، عندما تابعوا ما تفعله ليديك منذ زمان ولم يتحركوا، والميكا الكحلة هي عندما نرى أن الشركة تستخلص أرباحا طائلة، وأرقاما خيالية بدون أن تمكن الناس من حق المراجعة أو حتى من حق الكهرباء عندما يحتاجون إليه. الدارالبيصاء مدينة كبيرة بتسيير صغير وبمسؤولية أصغر. والحال أن الأمطار اليوم لم تعد مفاجأة جوية بالنسبة للمغرب، فقد عرفتها السنوات الثلاث الأخيرة 2008،2009، 2010 ، وأصبحت الدارالبيضاء هي التي تحتل، إلى جانب مناطق شبه زراعية أو زراعية بدون قوة اقتصادية كبيرة، هي التي تحتل المشهد بالمياه التي تغطي جزءا من خارطتها. اليوم أصبح مطروحا بإلحاح إعادة النظر في دفتر تحملات ليديك. فهي لا تتردد في أن تستخلص ما تراه «حقا» في جيوب المغاربة، في حين أنها تبحث عن أية علة أو تعليل لكي ترفع عنها المسؤولية. لا شك أن الأمر يتعلق بتوجه أكبر يرتبط بالتدبير المفوض، الذي يثير احتجاجات في كل المدن التي تدار بهذه الطريقة، كما هو الحال مع أمانديس في الشمال. إنه تدبير مفوض للإثراء، ولخلق الأجواء التوترية في البلاد. ففي حين تكون الأجواء المشمسة مناسبة للشركة للرفع من فواتير الاستخلاص بعشوائية مستفزة ، وبالتالي خلق موجة من الاحتجاجات التي تتكبد البلاد نتائج صورتها كبلد يعيش على إيقاع أزمة اجتماعية تدفع الناس إلى التظاهر. يكون سقوط المطر مناسبة تشارك فيها الشركة (ربما من هنا يأتي اسمها) في تأجيج الوضع عبر التعامل العادي مع وضع مفترض وقوعه في الشتاء، أي المطر. لن نعود إلى ما تجنيه الشركة ولا ما تسبغه من كامل الإتاوات على أطرها( اللهم لا حسد)، لكن المفروض أن تكون تلك محفزات لحل المشاكل ! فإذا لم تحل المشاكل في عز المطر فمتى ستحل؟ هناك اليوم إحساس بأن كل المشاريع المربحة، بينها وبين المواطن هوة كبيرة. وقد يصدق ذلك أيضا على شركة الأوطوروت، التي أبانت أن التجهيز الخاص بالأمطار بالنسبة لها ليس في المستوى المطلوب، كما أن طرقات أخرى أقل قوة، كما في بوزنيقة يمكنها أن تنجرف أو تتهاوى في عز العاصمة، لأن البناء لم يكن في مستوى الزمن. يمكن أن تصمد قنطرة من عهد الموحدين ولا تصمد قنطرة لم يمض على بنائها سنة واحدة. فمن أين الغش، هل هي المواد المتعلقة بالبناء أو .. الذي يبني، مع العلم أنه في عهد الموحدين لم تكن هناك لجنة لمراقبة المالية ولا مجلس أعلى للحسابات. لا شك أن سيدنا نوح عليه السلام، بمناسبة هذه الفيضانات، سيبتسم وهو يرى السيارات غارقة والقطارات واقفة والشاحنات علاها الماء، وكيف أن واحد وعشرين قرنا من الحضارة لم تستطع أن تنقذ بشرا من 150 ملم من المياه!! للمغرب اليوم أن يعيد طرح التدبير المفوض على مائدة التفاوض، والمغرب الرسمي أو الشبه الرسمي، أما المغاربة في البيضاء فقد قالوا «ارفعوا ليديكم علينا».