تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أول حوار مع صحافي مغربي : الحسن الثاني: تندوف كانت دائما مغربية

«تكمن مأساة المغرب في كونه لم يواجه مستعمرا واحدا، بل مستعمرين اثنين: الإسبان والفرنسيون». بهذا صرح الملك الراحل، الحسن الثاني، في 26 غشت 1985، بمناسبة حوار مطول واستثنائي أجراه معه حميد برادة، ونشرته مجلة «جون أفريك» في عددها المؤرخ ب 27 نونبر 1985، وهو الحوار الذي أعادت نشره هذا الأسبوع بمناسبة الذكرى 35 للمسيرة الخضراء.
في هذا الحوار، الذي نترجمه لقرائنا، يشرح الملك الراحل موقف المغرب من قضية «الصحراء »، وقد اعتبرته المجلة وثيقة تاريخية فقررت إعادة نشره.
في تقديمه للحوار، قال حميد برادة إنها المرة الأولى التي يحاور خلالها الحسن الثاني صحفيا مغربيا، وأن اللقاء تم قصد إدراجه ضمن شريط وثائقي كندي حول المغرب.
جرى اللقاء، يضيف برادة، يوم 26 غشت 1985 في قصر الصخيرات. وساعتان قبل الموعد مع الملك، وصل الفريق والصحفي للقيام بالاستعدادات اللازمة، وقد طلب رئيس «مخازنية» القصر من الوافدين نزع أحذيتهم قبل ولوج قاعة العرش، وهو ما لم يوافق عليه عبد الحق المريني، مدير التشريفات.
كان برادة، حسب تقديمه للحوار، قد حضر عدة ندوات صحفية عقدها الملك الراحل، لكنه سيحاوره للمرة الأولى مباشرة. ويضيف « الجيران، الذين من المفترض فيهم أنهم يعرفون بعضهم البعض، يتواجهون ويتنازعون، لأنهم يديرون أظهرهم لحقائقهم. أما الحسن الثاني، فهو لا يتردد في القول: الرئيس الشاذلي يحب المغاربة. إنه يقدره كثيرا بكل تأكيد، ولا شيء يستطيع زعزعة رأيه هذا الذي يشبه خيارا استراتيجيا. وحسب الملك، فإنه لم يفقد الأمل في إيجاد أرضية اتفاق مع الشاذلي ».
هناك تصريحان غير مسبوقين للملك الراحل، يقول برادة، يكشفان عن هامش التحرك المتوفر له. مفاد الأول أنه كان سيتنازل عن العرش في حالة فشل المسيرة الخضراء. أما التصريح الثاني فيتعلق برد المغرب على استراتيجية الاستنزاف التي يستعملها خصمه. «لقد شكلت حرب الصحراء، يضيف برادة، نعمة من الله. ونظرا لتوفره (الحسن الثاني) على الجيش الأكثر جاهزية لخوض حروب الرمال، فهو يسعى إلى لعب دور، إذا تطلب الأمر ذلك، في هذه المنطقة القابلة للانفجار والهشة إلى حد بعيد».
ويخلص الصحفي إلى أن الحسن الثاني مستعد لكل الخيارات: السلم مع الجزائر كما هي، في حالة نهجها لسياسة حسن الجوار، أو الحرب الطويلة المدى إذا فرضت الظروف ذلك. إنه يلمح إلى أقصى الخيارات ليوفر لنفسه أفضل الشروط للتفاوض».
وفي ختام تقديمه، يشير حميد برادة إلى أن الإيجابي في تصريحات الحسن الثاني وضوحها، مما يولد حلما لدى القراء والمتتبعين: ماذا لو استطاع الشاذلي، رئيس الجزائر حينذاك، هو الآخر، الحديث بدون قيود!
جلالة الملك، إذا كان لكم أن تحكوا قضية الصحراء المغربية لطفل ما ، لنقل حفيدكم، كيف ستقومون بذلك؟
إنه سؤال صعب، ومرد صعوبته على الأقل إلى كوني ليس لدي حفيد بعد. وفي الحقيقة إن قضية الصحراء كانت في مستوى من الوضوح والصفاء الى درجة أن الأمر لدى الخصم تعلق بتلغيم الطريق المغربي بالحقائق المغلوطة وبالاكاذيب، والحال أن الرأي العام في وقتنا الحاضر، وبسبب التشنيف الدائم للإعلام السمعي البصري أو للصحافة المكتوبة، اكثر تأثرا بما هو غير واضح أكثر من تأثره بما هو واضح. ولهذا سأحاول أن أكون أكثر وضوحا وأكثر اجازة ما أمكن.
لم يطالب المغرب عبر العصور سوى بما هو له، هكذا حال تندوف مثلا، فقد كانت جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي الى حدود بداية الخمسينيات، لأنه، اثناء العيد الكبير أو العيد الصغير، كان باشا هذه المدينة، وقد رأيت ذلك بأم عيني،يأتي لتقديم فروض البيعة أمام والدي. لكن عندما رحلنا إلى المنفى، في 20 غشت 1953، اقتطعت منا تندوف ، من بين ما اقتطع منا وتم ضمها إلى الجزائر ، لأن فرنسا كانت تعتقد بأن الجزائر لن تتحرر ابدا.
بعد عودتنا من المنفى، جاء السفير الفرنسي في المغرب، السيد ألكسندر بارودي، ليطلب من أبي ما مفاده «أن الجنرال دوغول يقترح عليكم تشكيل لجنة لمناقشة الحدود المغربية»، وقد أجابه والدي بالقول«أبدا، أنا متيقن بأنه عندما تتحرر الجزائر، فإن قادتها سينصفوننا ويقبلون أن نتناقش معهم» غير أن الأشياء جرت بشكل مغاير: إذ أن إخواننا الجزائريين لم يكتفوا فقط بعدم مناقشة الحدود الشرقية، بل إنهم، وفي أول مناسبة حاولوا منع المغرب من استرجاع صحرائه.
واذا تحدثت إلى حفيدي سأقول له بكل بساطة إن هذه الصحراء كانت دوما مرتبطة بالمغرب بروابط البيعة وأن البيعة والسيادة عندنا كانت دائما تعني نفس الشيء.
وبدون العودة الى زمن الطوفان، أقول أن مولاي الحسن، جدي، ذهب حتى واد نون. لم يتوجه نحو الجنوب أكثر، لكنه بعث حاجبه، محملا بأوامره المعتادة إلى خدامه السامين بالجهة. لقد كلف مولاي عبد العزيز ذات الحاجب، بهذه المهمة، هو الذي عمل في العهدين الملكيين معا، وعاش في القصر الملكي إلى مابعد وفاة والدي.
في الحقيقة إن مشكلة المغرب ومأساته، هي أنه واجه قوتين استعماريتين: الإسبان والفرنسيين. لو كان لنا «حظ» مواجهة قوة واحدة، لكنا قد أنهينا الأمر كله من الشمال إلى الجنوب. للأسف، فقد كنا مضطرين لمفاوضة استكمال تحرير المغرب قطعة قطعة. فبعد استعادة طرفاية من الإسبان يوم 10 أبريل 1958، ثم سيدي إفني يوم 30 يونيو 1969، بقي الجزء الأكبر من الصحراء. لقد طرحنا القضية بالأمم المتحدة غداة استقلالنا. حينها لم تكن هناك لا جزائر ولا موريتانيا، ولم تظهر مقولتا «الجهة المعنية» و «المهتمة» سوى بعد ذلك. والنتيجة، هي أن الواضح من الأمور، الذي كان طبيعيا أن يتم حله ثنائيا بين المغرب وإسبانيا، قد أصبح بضربة ساحر، قد أقول شريرا، موضوعا للتصفية والإبادة والإقصاء.
جلالة الملك، بما أن الأمر متعلق بالجزائر التي تقف وراء افتعال أزمة الصحراء، لماذا لم يستغل المغرب فرصة اتفاق الحدود الموقع عليه سنة 1972، لربط الأمر بالصحراء، بالشكل الذي يلزم الجيران بالإلتزام باحترام الحق المغربي؟ ثم إن الجيش المغربي كان عند باب تيندوف سنة 1963 أثناء حرب الرمال، لماذا أمرتم الجنرال ادريس بن عمر أن يعود أدراجه؟
سأبدأ بالسؤال الثاني. لقد كان تقديري أن لا أخلق بين البلدين سبة لموضوع مسموم. ثم إن تيندوف في حد ذاتها لا تهمني. هي مهمة من الناحية العاطفية، لكنها لا تشكل أية نقطة مفصلية من الناحية الإستراتيجية، ولا ممرا إلزاميا. ستقولون لي إن بها مناجم حديد وهو أمر صحيح. لكن هذا الحديد مطوق، لأنه إذا لم يمر عبر المغرب لا مكان آخر له للعبور. وأخيرا، ليست هناك ولا مدينة واحدة مغربية أو جزائرية تستحق حربا. بل أكثر من ذلك، وهو أمر لم أكشف عنه قط من قبل، لم أوقف فقط الجنرال ادريس، بل أيضا الجنرال الكتاني. لقد قال لي: « إذا أرادت جلالتكم أن تؤدوا صلاة الجمعة المقبلة في وهران، فسنكون فيها». لقد أجبته: «لا، لا داعي لذلك، ما دمنا لن نستطيع البقاء فيها». حقيقة، لا داعي لوأد صداقة كان يظهر أنها في منأى عن أي عطب.
هل رئيس جزائري، في موقف مماثل (مثلا أن تكون القوات الجزائرية عند أبواب وجدة)، سوف يتخذ نفس الموقف مع جنرالاته. ما أستطيع تأكيده، هو أن السلطات الجزائرية قد تجرأت على طرد 40 ألف مغربي سنة 1975، في ظروف مقززة. هذا ما قام به الجزائريون على المستوى المدني، أما على المستوى العسكري، لا جواب قطعي لدي.
لنعد إلى سنة 1972....
لم يكن لدينا أي مشكل مع الجزائر في سنة 1972، حيث كان موقف بومدين واضحا، ولم تكن لديه أي ادعاءات بشأن الصحراء. وكانت موريتانيا تقوم بكل ما يمكن كي لا تربطها حدود مشتركة مع المغرب. وظل هذا الهاجس يسكن القادة الموريتانيين إلى غاية اللقاء الشهير بين الرئيسين ولد داداه وبومدين ب «كلومب بشار» شهر نونبر من سنة 1975 . اعتقد الرئيس بومدين أنه سيكون من الإيجابي إهانة الرئيس ولد داداه.
كانت تلك اللحظة نقطة تحول في العلاقات المغربية-الموريتانية التي ازدادت توطدا. وقبل ذلك، وبالتحديد في أكتوبر 1974، وخلال القمة العربية بالرباط، تم طرح قضية الصحراء، ليعلن الرئيس بومدين باسم بلده: «بالنسبة لي، ليس ثمة مشكل في الصحراء، فالجزائر تعتبر هذا الأمر يهم بالخصوص المغرب وموريتانيا، لا أقل ولا أكثر ». غير أنه فيما بعد، سيتقدم القادة الجزائريون بأطروحة تقرير المصير، حيث قالوا: « الصحراويون جيراننا. لا يمكن أن نتحدث عن حق تقرير المصير بالنسبة للشعب الفيتنامي، الذي يوجد على بعد عشرة آلاف كيلومتر ونتجاهل الدفاع عن نفس الحق على حدودنا.» هنا كانت نقطة البداية، إنها عملية احتيال القرن.
أليست لقضية الصحراء دوافع بسيكولوجية؟
إذا كان الأمر كذلك، فإنه دليل على أن جيراننا لم يبلغوا بعد ذلك المستوى المطلوب من النضج. إذا كان الأمر يتعلق بمسألة بسيكولوجية، فإن الوضع مأساوي ومثير للقلق بالنسبة لنا. أعتقد أن مصدر الصعوبات يتمثل في ضرورة تعلم كيف نعيش معا. لحد الآن، يعيش المغاربة والجزائريون معا، لكن إن شئنا القول، حسب القوانين التي تمليها الطبيعة، التاريخ والجوار، لا غير. فمن جهة، كانت هناك الدولة المغربية، ومن جهة أخرى هناك الجزائر التي كانت تحت سلطة الباب العالي، لتصبح بالتالي تحت الاحتلال الفرنسي. وخلال بحثه عن فضاء إسلامي يمكنه من الحفاظ على شخصيته، كان الشعب الجزائري يميل بشكل طبيعي للتقرب نحو المغرب. اليوم هناك قضية، لا علاقة لها بالشعب الجزائري، بل بالسلطات... الجزائرية. الأمور تتغير.
لقد كان المغرب قد أجرى اتصالات، محادثات ومفاوضات مع الجزائر. لكن لماذا تعثرت؟
هناك نقطة محددة: كان يتعين على الحكومة الجزائرية الخروج من التناقض الذي كانت فيه. وأكدت أنه ليست لديها أية ادعاءات بشأن الصحراء، وأنها لا تطالب إلا بتطبيق مبدأ حق تقرير المصير. وعندما عبر المغرب عن موافقته على تقرير المصير، وجد الجزائريون أنفسهم في اتجاه معاكس وقد سقطوا في فخ الواقع. بالنسبة لهم القضية خاسرة في حال السماح بإجراء الاستفتاء، وفي حال رفض عملية الاستفتاء، سيصبحون متناقضين مع أنفسهم,
ألا تعتقدون أن تسلل كوموندو من «الإرهابيين» إلى المغرب شهر يوليوز الماضي ، يشكل تغيرا في الاستراتيجية الجزائرية؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتصرف فيها الجزائريون بهذه الطريقة، إذ سبق أن قاموا بذلك سنة 1973، رغم مواقفنا الإيجابية تجاههم. وفي الحقيقة، لقد وقعنا معا سنة 1972معاهدة الحدود التي لم تكن تنتظر سوى المصادقة، لم يكن هناك من برلمان حينها فقلت للرئيس بومدين : «يمكنني أن أصادق على المعاهدة، فقانونيا كنت أملك هذه الصلاحيات، غير أني أعتقد بأنه لا ينبغي لكم المرور عبر النافذة، بل عبر الباب الواسع. الانتخابات مقررة في 1973 ووقتها سأمرر المعاهدة للمصادقة عبر البرلمان، وبذلك ستظلون في منأى عن أي اعتراض» إلا أنه في الرابع من مارس 1973 تسللت عناصر كوماندو انطلاقا من الجزائر ووصلت حتى مولاي بوعزة في الاطلس المتوسط، وكان لابد من اعتراضهم بقوات مسلحة جد هامة ، وتبين في ما بعد أن بعض المصالح الجزائرية نفذت وخططت لكل شيئ منذ البداية.
والفارق الكبير بين العمليتين ، هو أنه بالنسبة لعملية 1973 كان هدف الكوماندو الجزائري هو خلق البلبلة وزرع الفوضى على أوسع نطاق. غير أن الأمر يتعلق هذه المرة بالإرهاب في أقبح تجلياته، فقد تقرر زرع قنبلة داخل كيس ورقي، تكون موجهة بواسطة نظام تحكم عن بعد، ويتم تفجيرها في شاطئ أو في ملعب رياضي، أو حتى في قاعة سينما، ثم يهربون كجبناء مخلفين عشرات القتلى وراءهم.وهو ما يتنافى مع سائر المبادئ والاأخلاق وأبسط مقتضيات المروءة.
المغرب لم يتهم سوى مصلحة إدارة الأمن العسكري، غير أن الأمر لا يتعلق بأية مصلحة، وأتمنى أن يستخلص الرئيس بنجديد كامل العبر المطروحة ههنا.
وأنا مطمئن، لأنه عندما كان خلال عشرة أعوام حاكما عسكريا على منطقة وهران وبينما كانت تحت إمرته المنطقة الحدودية، ويمكنني أن أؤكد هذا، فإن الشادلي كان يحب المغاربة. ولم يسبق أن كانت لنا معه أية مشاكل ،حتى عندما كانت الأمور تسوء بين المغرب والجزائر . لذلك فأنا أتمنى بأن يعمل الرئيس الجزائري الشاذلي بنجديد على ألا تتكرر أمور من هذا القبيل. وإلا فسنكون مضطرين لإرجاع الكرة الى الملعب الجزائري، وبإمكاننا القيام بذلك بكل سهولة. وليس التوظيف هو ما يعوزنا. ولكنني غير مستعد للعب كرة المضرب في هذا المجال.
هل لنا أن نعرف من كان مهندس فكرة الجدران الأمنية؟
ليس ثمة مهندس مميز. لقد استنتجنا جميعا بأن الصحراء لم تكن هي الفيتنام، مثلا، حيث يمكننا المرور من أي مكان، وليس هناك من ممر اجباري.، كان يجب علينا خلق معابر إجبارية بمجرد احتلال منطقة بعينها. وتبين فيما بعد أن ما قمنا به أعطى نتائج جيدة.
فقررنا وضع جدران حول المناطق التي اعتبرناها استراتيجية، والأمر الأكثر صعوبة كان هو تأمين منطقة الساقية الحمراء، فهي عبارة عن منطقة صعبة بمرتفعات تصل حتى 1200 متر والتي يمكن أن تتخفى بها فرق عسكرية برمتها ، وبعد الساقية الحمراء عرجنا على منطقة لحمادة، قبل أن ننزل للمناطق الاكثر سهولة.
أو لم تكن هذه الحرب في المحصلة نعمة للمغرب، من حيث أن جيشه القوي أصبح وازنا في المنطقة.؟
يمكنني القول دون أية عنجهية، بالنسبة لحرب الصحراء،( ولا أتحدث ههنا عن الحرب في الأردين أو في السهول الاوربية) إن الجيش المغربي ، إذا لم يكن الأفضل فهو على الأقل الوحيد في العالم الأكثر عملية ميدانيا.
حتى وإن قارناها مع الجيش الاسرائيلي؟
لقد خاض الجيش الإسرائيلي حروب صحراء كانت تدوم في الكثير من الأحيان ثمانية إلى عشرة أيام على مسافات قصيرة وذات أهداف محددة.
ودون أن ننتزع عنها استحقاقاتها العسكرية، فإنه لم تكن لتغزو وتحتل وتؤمن نطاق وطبيعة الأراضي الواقعة تحت سيطرتنا. إن المقارنة لا أساس لها.
ماذا كنت ستفعل في حال ما إذا فشلت المسيرة الخضراء، التي هي ، إذا لم أكن مخطئا، من إبداعك؟
أولا، المسيرة الخضراء ليست فكرة الحسن الثاني رئيس الدولة، ولكن الحسن، المحتج السابق، ذلك الشاب الذي خرج للتظاهر مثل أبناء جيله سنة 1944 .
في سنة 1975، فكرت: هل ليس بالإمكان أن ننظم مظاهرة جديدة، مظاهرة من مستوى 350 ألف ساكنة. ثم قلت مع نفسي. لماذا يجب أن أعرض الناس الى الموت؟ لنرسلهم حاملين العلم والقرآن. فمن هو هذا الأحمق الدموي الذي يجرؤ على اطلاق النار على رجال ونساء عزل. وبطبيعة الحال، فقد توقعت الفشل ويجب أن أقول لكم، إنه في اليوم الذي زفوا لي النجاح، كون المشاركين في المسيرة عادوا من الجنوب، نظرت إلى بلادي بنظرة أخرى، شعرت كما لو أني ولدت من جديد،، ذلك أنه لو فشلت المسيرة الخضراء، لكنت قررت الرحيل...
قلتم تغادرون البلاد؟
نعم مغادرتها، لأنه لن تكون لي الشجاعة الكافية لمواجهة أي من رعاياي وبلدي. وعندما أتحدث اليوم عن هذا، اشعر أنني مازلت سعيدا، كوني أعرف ما تعني مغادرة الواحد منا بلده. لقد حرمت منه مدة عامين ونصف، وأنتم تعرفون الارتباط الوثني الذي أكنه لأرض، سماء، ماء ونباتات بلدي. بالرغم من ذلك توقعت الرحيل. وعلى النحو المنصوص عليه في الدستور، كان سيناط الحكم لمجلس الوصاية خلال فترة سن قصور ولي العهد، غير أنه بفضل الله تعالي نحن مازلنا هنا.
جلالة الملك، المسيرة الخضراء، الجدران الأمنية، كل هذا فيه بعض من الصين، انتم تخوضون حربا دون نسيان السلم؟
نعم، في العصور القديمة، كانت هناك طريقة للصينيين لخوض الحرب دون القيام بذلك. ويحدث كما يحكي، «سان تزو»، في «فنون الحرب» أن جيشين كبيرين كانا وجها لوجه، وكان الملوك أو الأباطرة يمارسون اقتصاد الحرب، التقوا تحت خيمة، واستدعوا جنرالاتهم، وبدؤوا في محاكاة المعارك. «حسنا، قال أحدهم، لديكم رماتكم على التلة، وأنا لدي مشاتي هنا، ولديكم فرسانكم على اليمين، وأنا مدافعي في مثل هذا المكان. إذن، إذا ما قمت بهذه الحركة، ماذا ستفعلون؟ في هذه الحالة، سيكون رد الفعل بذات الطريقة، أما إذا ماتمت إحاطتي من الجناح الايمن، يمكن أن أهاجم من الوسط. »و هكذا دواليك، يخوضون الحرب كما لو بمعية جنود من رصاص. وحينما يفوز واحد منهم بالحرب، فإنه يتم الاعتراف بالمنتصر، والمنهزم يقبل قوانينه، وكانت الحرب تنتهي دون إسالة قطرة دم واحدة.
لماذا لم تتصرفوا بالطريقة نفسها مع الشاذلي، حيث التقيتموه يوم 26 فبراير 1983
لأن الجزائر لم تعتبر نفسها أبدا، أنها هي التي تحارب. أما الصينيون فقد كانوا أكثر دهاء،
أليس هناك سبيل لتعليم السلام للجزائر؟
الصينيون هم الصينيون، والشمال افريقيون هم الشمال افريقيون، لا يمكن تغييرهم.
المعاهدة التي وقعتموها مع العقيد القذافي في شهر غشت 1984 أليست في صالح ليبيا، فالقذافي أوقف مساعدته للبوليزاريو الذي يبدو خاسرا مقابل مصداقية لم يكن يحلم بها أبدا.
تعلمون، حين ننشيء شركة تجارية، لا يمكن أن نعرف هل ستكون ناجحة قبل سنتين أو ثلاث سنوات، خاصة أن الأمر يتعلق بدولتين كانتا على النقيض من بعضهما البعض، واللتان عليهما أن تتعلما الحوار وتبادل الأفكار والأموال والأشخاص. من السابق لأوانه اعطاء حصيلة معاهدة وجدة. فيما يتعلق بي، إذا ما علمت خلال هذه السنة بأن الاتفاق لايخدم بلدي، فلن أتنكر له، لكني سأطلب تعديله.
هل يعد النزاع حول الصحراء، نزاعا محليا إقليميا، أم أنه نزاع ذو ارتباطات أيديولوجية وأبعاد كونية؟
اسمعوا، سأعطيكم وجهة نظر استراتيجية. لنأخذ سواحل افريقيا، ستلاحظون أن هناك مشاكل في كل مكان توجد به سواحل طويلة: الصومال، انغولا والمغرب مع صحرائه. فكقاعدة عامة، كلما كانت هناك آلاف الكيلومترات من السواحل، وجدت المشاكل. من هنا يمكن القول أن الدول الكبرى مهمة، مما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه النزاعات تعكس الصراعات التي تثيرها الثروات البحرية لهذه السواحل.
في الواقع، وحسب مزاج أو تخصص المحلل، فإن الأمر يتعلق بنزاع ثنائي، اقليمي أو تتدخل فيه القوتان. ومن هنا فسأطرح السؤال على الدولتين العظميين، بما أنني مخول من طرف القمة العربية لتقديم الوضع في العالم العربي مع إرادة وآمال دوله. وسأغتنم الفرصة كي أسألهما، هكذا، وجها لوجه حول قضية الصحراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.