أصبح البلاك بيري مواطنا عربيا وأصبح عليه أن يخضع لما يخضع إليه كل المواطنين، عربا كانوا أو غير عرب في الدول الممتدة من الصحراء إلى الصحراء التقنية. والمواطن بيري، واسمه الشخصي بلاك، ارتكب حماقة حضارية كبرى عندما أراد أن يكون الابن الأخير، والمدلل للتكنولوجيا. وعليه فقد استحق منا، نحن الذين أدخلناه إلى حجراتنا العملية والعائلية، أن نعاقبه على ما يمكن أن يوسوس به للناس. ويبدو أن الشرطة في الدول العربية لا تمزح، وتتعامل بتشدد كبير إزاء هذا المنتوج الأسود، الأنيق والمرتفع الثمن إلى حد الساعة. ولا يبدو أن هناك سبيلا لكي يتم التغاضي عما يفعله، ومن ضبط وفي حوزته هذا الهاتف..ما فيهاش «بلاك..» صاحبي ! إخواننا في الكويت طلبوا من الشركة الهولاندية، التي تصنع هذه الهواتف، حجب المواقع الإباحية من أجهزتها، أي يريدون هواتف حلال مائة في المائة، وليس فيها نوازع شيطان.. فالشيطان قد يأتيكم في هيئة هاتف محمول لونه أسود، ككل الشياطين، وفيه فرحة الغواية. وبهذا، فإن وزارات الاتصال العربية له بالمرصاد، وضاعفت من المشاورات، وربطت بين الإباحية والأمن الوطني. وحسب آخر الأخبار، فإن الوزراء على قدم وساق في قضية التفاوض حول محتويات بلاك بيري، وما يمكن أن يشكله من أخطار على العقيدة. ولقد نشرت العديد من الدول إعلانات ومناشير تحذر مواطنيها من الهاتف البيري، نجانا وإياكم من أخطاره. (وما قلنا لكم بأن التقليد هو الحل، يا ناس، ولا حاجة لنا لأية حداثة). تذكرنا قصة البلاك بيري، بفتاوى البوكيمون، وتذكرنا، أيضا بقصص السلطان اليمني والإمام الذي اعتبر الهاتف مسا من الشيطان وجنا من فنون الجان، ومنعه وطرد كل من يدعو إليه. ونحن نرى اليوم اليمن عرضة للحوثي ..والحوثيات، ما بين الثأر والقبيلة. وربما سنجد من يسأل الإمام غدا في القنوات الفضائية المتناسلة، وفي المواقع الإلكترونية الجديدة: هل تجوز الصلاة ببلاك بيرى؟ أصبحنا من القدر الكبير علينا في بلاد المسلمين أن نواجه كل جديد باسم محاربة الإباحية تارة، وباسم الأمن الوطني تارة أخرى، لكن باسم الخوف دائما من كل ما هو جديد. كما لو أن الإباحية اليوم محصورة في الهواتف أوأن العالم اليوم يحتاج إلى مواقع البلاك بيري وشركاته لكي يخاف على زمنه. بلادن بيري لم تنتجه الشركة الهولاندية، وما زال خطرا وسيفا على رؤوس جميع الدول، المسلمة منها وغير المسلمة. لم نر في تقدم استعمال الهاتف وتقنياته ولا في توسيع قاعدة المستعملين فرصة «للخروج من فوق» كما يقال في الفرنسية، واختصار مسافة التقدم، بل مازلنا نتلصص عليه من ثقب الباب لنرى ما يعرضه علينا من أجساد. لقد بدأ التساؤل عن استعمال البلاك بيري في المغرب، وهل ستقوم بلادنا بمنعه، وهنا يجب أن نكون صرحاء : إذا حدث ما من شأنه ذلك سيكون من المفيد أن نعلن ما هو السقف الذي يمكن أن يبلغه المغربي في استعمال التكنولوجيات الحديثة. إن مجرد التفكير في التعامل مع التكنولوجيات الحديثة، كمادة للفكر والإبداع البشري، بمنطق المنع والتحريم يدخل العلم البشري في منطق ... النجاسة! وهذه آفة الآفات.