ثلاثة أيام وثلاث ليال في قلب الريف المغربي، من يوم الجمعة إلى يوم الأحد، وخلال تلك الأيام يقوم أساتذة الموسيقى الصوفية بالغناء في بيوتهم، يحيط بهم أفراد أسرتهم في المنطقة الأكثر شهرة في المغرب. جهجوكة، قرية صغيرة تقع على مرتفع يطل على إحدى البحيرات وتحيط بها مرتفعات جبلية وسهول تعبق بعطر ندي ينبعث من النباتات الجبلية المنتشرة في المكان. العديد من المنازل، أو أطلال المنازل لا تزال شاهدة على القصف الجوي الذي شنته القوات الجوية للجنرال فرانكو قبل ثلاثين عاما. ولقد عرف المغاربة هذه المنطقة منذ عدة قرون، فتراهم يحجون إليها أفواجا. ومنذ سنوات الخمسينات شق ال «بيتنيكس» و«الهيبيون» طريقهم إلى المنطقة، ورغم أن أهالي المنطقة لا يتحدثون الإنجليزية، إلا أن أسماء معروفة لا تغيب عن أذهانهم وتسمعها تتردد على ألسنتهم، من قبيل رولينغ ستون، أورنيت كولمان، بول بولز، ويليام بورو، سونيك يوث وسماشينغ بامبكينس. فهذه النجوم كلها زارت المنطقة للالتقاء بنجوم الموسيقى الصوفية. حوالي عشرة أشخاص يجلسون مشكلين دائرة، زي موحد يميزهم، جلباب أسود، قميص أبيض، عمامة صفراء، وأرجل لا تنتعل أي حذاء. مبخرة تجوب أدخنتها المكان، ثم تنبعث دقات متناغمة من الدفوف ترافقها أنغام المزامير. ينطلق صوت حاد ليخترق تلك الأنغام، قبل أن تليه أصوات أخرى. تتكرر الكلمات تتعاقب طيلة ساعة، ساعتين، طيلة الليل... فعندما ينخرط الصوفيون في غنائهم لا يوقفهم أي أحد. يستمر الأمر على ما هو عليه إلى أن ينضم إلى الجمع رجل قصير القامة، ذو لحية كثة، يرتدي جلد الماعز. يهتز ويترنح في كل الاتجاهات. يقفز مرة أخرى ويوجه ضربات عنيفة في الجو، ويقوم بحركات قد تكون لها إيحاءات جنسية. هذا هو الذي يطلقون عليه «بوجلود»، نصف بشر ونصف حيوان، رمز الخصوبة. خلال حركاته، يظل فاه مفتوحا إلى أقصاه، وتدور عيناه في محجريهما بطريقة جنونية مخيفة. وفجأة يرفع يده ويوجه ضرباته بأغصان الزيتون للمدعوين. ذلك هو الثمن الذي يدفعه المدعوون مقابل سنة مضمونة من الخصوبة. وبعد أن يرتفع إيقاع الموسيقى على نحو مفاجئ، تهدأ الأجواء شيئا فشيئا. ثم يشرع الموسيقيون في تبادل الغمزات وبعض الكلمات بالعربية.. كان واضحا أنهم يختارون من سيكون «عيشة»... وفي الأخير، وبعد ضحكات مجلجلة، وقع الاختيار على أحد القياد ليلعب ذلك الدور. ينبغي على «عيشة الحمقة» الرقص وإغراء الرجال، وعادة ما يتم إيلاء الدور لشاب ما شريطة أن يكون متسما بالوسامة. ومع ذلك، فقد قامت «عيشة» ذات الشارب بأداء دور متميز أمام «بوجلود». وفي سنوات الخمسينات، كان الكاتب الأمريكي ويليام بورو حاضرا في قلب هذه الطقوس، وعلق على ذلك بالقول: «إننا في حاجة إلى المزيد من الموسيقى بهذا الحضور الشيطاني في كل مكان». عن: «ليبراسيون» الفرنسية، بتصرف