هرم كبير للدراما العربية رحل.. وسماء الإبداع التلفزيوني المصري حزينة منذ البارحة، برحيل السيناريست البارع أسامة أنور عكاشة. فالرجل طبع مرحلة كاملة من تاريخ الدراما المصرية بأعمال تلفزيونية ذات قيمة فنية ومعرفية وتربوية هائلة. بل إن تلك الأعمال قد لعبت دورا حاسما في التربية على المواطنة، وعلى إنهاض الإحساس الوطني عند الملايين في ضفاف وادي النيل، مثلما كانت رسولا فنيا أعلى من قيمة المنجز المصري رمزيا في كل خريطة العرب.. الرجل، كان ثروة وطنية لبلاده وكان مؤسسة تربوية قائمة الذات. قوته في تواضعه الكبير، وحسن إنصاته للزمن العربي المصري، وللحاجة إلى خلق التوليفة الإبداعية المؤثرة في الناس هنا والآن. بالتالي، فقد شكلت مواضيع مسلسلاته، الترياق الذي حمى الهوية الوطنية للمواطن المصري من كثير من الإسفاف الذي كانت تأخده إليه استراتيجية إعلامية وفنية متكاملة، هدفها عزل مصر عن عمقها القومي العربي، وإلهاؤها بالأسئلة التافهة معرفيا وفنيا، عبر التلفزيون. بينما نجح أسامة أنور عكاشة، بالمقابل، في أن يعلي من أسئلة الطبقة المتوسطة في مصر، وأن يطرح أسئلة قلقها ووجودها عالية. بعد رحيله الآن تصطف في ذاكرة التاريخ أعماله الشهيرة التي سوف تخلده في ذاكرة الدراما العربية، كونها مرجعا لا محيد عنه لفهم مرحلة من تاريخ مصر الحديث، من قبيل مسلسلات: « ليالي الحلمية»، «الشهد والدموع»، «أرابيسك»، « أبو العلا البشري»، «ضمير أبلة حكمت»، «زيزينيا»، رائعة « الراية البيضا»، «وقال البحر»، «كناريا وشركاه»، ثم «أميرة في عابدين». وكان آخرها مسلسل «المصراوية » سنة 2007. كما عرف القراء المصريون أسامة أنور عكاشة ( خريج كلية الآداب بالقاهرة سنة 1962 ) من خلال أعمدة أسبوعية في الصحف المصرية التي كان يعبر من خلالها عن مواقفه في السياسة والفن، كونه من أحسن من قاربوا فنيا أزمة النخب في مصر، والتحولات التي عرفتها منظومة القيم بها.