الصناعة الرياضية: من الملاعب إلى التنمية    غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت وإصابات في تل أبيب إثر قصف صاروخي من لبنان    مكناس.. اعتقال شخص بحوزته 1689 قرص من "الإكستازي" و"الريفوتريل"        النفط يرتفع مع توقف الإنتاج في حقول نفطية    زنيبر: الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19 زادت من تفاقم الآثار "المدمرة بالفعل" للفساد    جبهة مناهضة التطبيع تتضامن مع ناشط متابع على خلفية احتجاجات ضد سفينة إسرائيلية    اليوم ال1000 للحرب الأوكرانية.. بوتين يوقّع مرسوما يوسع إمكان اللجوء إلى السلاح النووي    قمة مجموعة العشرين.. دعوة لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان وتسليط الضوء على تغير المناخ        العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    شركة سوفيرين برو بارتنر جروب في قطر تعلن عن انضمام مدير عام جديد إلى فريقها، لقيادة مسيرة التوسع وتعزيز التعاون الاستراتيجي، في خطوة طموحة تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030    جمعية الإمارات لطب وجراحة الصدر تضيء برج خليفة في حملة توعوية لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن    المنتخب الكويتي يختبر المدرب سلامي    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    كيوسك الثلاثاء | مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب في المركز 76 عالميا    توقيف 4 أشخاص بأسفي بشبهة الانتماء لشبكة تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة    لأول مرة.. عبارتين كهربائيتين لنقل أفراد الجالية بين إسبانيا والمغرب    شخص يعاني من اضطراب نفسي يضع حدًّا لحياته شنقا ببني عمارت نواحي الحسيمة    المدير الإقليمي للشركة المتعددة الخدمات لبرشيد: المحطة الجديدة جزء من الاستثمار المستمر في تحسين أنظمة توزيع المياه بالمدينة وبجودة عالية    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي        صحافيون جزائريون يستحضرون مساهمة المغرب في استقلال الجارة الشرقية    زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح عاصفية مرتقبة بعدد من أقاليم الممكلة    "أطباء القطاع العام" يعلنون خوض إضراب وطني عن العمل احتجاجا على حكومة أخنوش    أشرف حكيمي ضمن المرشحين الخمسة للفوز بلقب أفضل لاعب إفريقي للسنة    المفوضية الجهوية للأمن بأزرو…استعمال السلاح الوظيفي من قبل شرطي لتوقيف متورطين في اعتراض وتهديد سائق أجرة    المنتخب الوطني يختتم مشواره في إقصائيات كأس إفريقيا بفوز كبير على منتخب ليسوتو    المنتخب المغربي يختتم تصفيات كأس إفريقيا 2025 بالعلامة الكاملة    شريط سينمائي يسلط الضوء على علاقات المملكة المغربية والولايات المتحدة منذ مستهل التاريخ الأمريكي    الشرادي يكتب : عندما تنتصر إرادة العرش والشعب دفاعا عن حوزة الوطن وسيادته    العراقي محمد السالم يعود لجمهوره المغربي بحفل كبير في مراكش    المغنية هند السداسي تثير الجدل بإعلان طلاقها عبر "إنستغرام"    الحزب الحاكم في السنغال يستعد للفوز    الفرحة تعم أرجاء القصر الملكي غدا الثلاثاء بهذه المناسبة    دراسة: البحر الأبيض المتوسط خسر 70 % من مياهه قبل 5.5 ملايين سنة        جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    "قمة العشرين" تناقش مكافحة الفقر    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال الهوية في العالم العربي

عرضنا في المقالين السابقين لمسألة الهوية في علاقتها بكل من «الهجرة» في الخليج وأوروبا من جهة، وبارتباطها ب«شيخوخة السكان» في كثير من أقطار أوروبا نفسها كما في روسيا والصين وبلدان أخرى.
في هذا المقال سندشن القول في المسألة نفسها -مسألة الهوية- كما يمكن رصد تجلياتها جملة في العالم العربي خلال عصوره التاريخية الكبرى، منطلقين من العصر الحاضر، فنقول:
ما من شك في أن شعوب العالم العربي تجتاز اليوم ظروفاً صعبة: تواجه تحديات تتهددها ليس فقط في هويتها كشعوب تتطلع إلى تحقيق نهضتها وتقدمها واستقرارها، بل تواجه تحديات وأخطاراً تهدد كثيراً منها في كيانها كوجود. ومن هنا هذا السؤال الذي يفرض نفسه على كل شعب أو طائفة، سؤال: من أنا؟ من نحن؟ وهذا السؤال المقض للمضاجع لا يتعلق بالحاضر، بل يتعلق أكثر بالماضي والمستقبل!
ذلك أن مسألة الهوية عندما تطرح نفسها على شعوب عريقة، كالشعوب العربية والفارسية والهندية والصينية.. ، والتي اجتازت خلال تاريخها المديد تجارب قاسية، يجب أن ينظر إليها على أنها تعبير عن الحاجة، لا إلى تحديد الهوية، بل إلى إعادة ترتيب عناصرها وإعادة إرساء علاقتها بالمحيط. إن التجارب التي يعاني منها الأفراد والتحديات التي تواجهها الشعوب والأمم تجعل من الضروري بين حين وآخر إعادة ترتيب عناصر «الأنا»، الشخصي والجماعي، بالشكل الذي يمكن من اجتياز الأزمة التي يطرحها سؤال الهوية في مثل هذه الظروف. إنها في الغالب «حالة نفسية» أشبه بأزمة على صعيد الوعي، قد تشتد لدى أشخاص أو شرائح اجتماعية، إلى الدرجة التي تؤدي إلى طرح سلبي لمسألة الهوية، إلى تضخيم شأنها أو إنكارها بالمرة! هذا في حين أن المسألة كلها تؤول في نهاية الأمر، وفي الغالب، إلى إعادة التوازن داخل الوعي، الفردي والجماعي.
ومن هنا يبدو واضحاً أن معالجة مسألة الهوية، ككثير غيرها من المسائل، تتوقف على الطريقة التي نتعامل بها معها. فإذا نحن نظرنا إلى الهوية من حيث الثبات، من حيث الهو-هو، (وهذا هو معنى الهوية في اصطلاح المنطق الصوري: أ=أ) فإننا سنجد أنفسنا «نتحرك» على نقطة ميتة، ولذلك كان من الضروري التعامل مع مسألة الهوية من زاوية تسمح بممارسة الفعالية العقلية فيها وذلك بالنظر إليها أولا من الزاوية التاريخية، الزاوية التي تفرض النظر إلى الأشياء، لا من خلال الثبات والجمود، بل من خلال التطور، من خلال تموجات التاريخ ... في هذه الحالة تصبح مسألة الهوية موضوعاً للفكر، يمارس العقل فعاليته عليها، وليس حالة وجدانية تجعل عقل صاحبها -وجسمه كذلك- يهتز على نقطة ميتة، لا يتقدم خطوة حتى يتراجع أخرى!
علينا إذن أن ننظر إلى مسألة الهوية المطروحة علينا حالياً من منظور تاريخي، منظور موضوعه لا الهوية في صفتها الثابتة، بل الهوية من حيث إنها وعي بالذات متطور متجدد. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الإطار هو التالي: كيف تطور «الوعي بالذات»، عبر التاريخ، لدينا نحن سكان هذه الرقعة من الأرض التي تمتد من المحيط إلى الخليج؟ كيف تمَّتْ لدينا، إقامة علاقات جدلية تاريخية بين ذواتنا وبين المعطيات الخارجية؟ سؤالان يمكن صياغتهما في سؤال واحد كما يلي: كيف يجب أن ننظر إلى مسألة الهوية في هذه المنطقة التي باتت تُعرف، منذ نحو قرن، ب«العالم العربي»، ويطلق سكانها على أنفسهم، ومن خلال مرآة سياق تجربتهم التاريخية، اسم «الأمة العربية»؟
الأمة العربية، مثلها مثل كثير من الأمم، هي مجموعة قبائل وشعوب، لها تاريخ مديد يمتد إلى آلاف السنين. لكن الوعي بالهوية في وقت من الأوقات، لا يمتد بالضرورة عبر هذه الآلاف من السنين جميعها، لا على المستوى الفردي ولا على المستوى الجماعي، بل هو وعي يتحرك داخل التاريخ الذي ما زال حياً في النفوس أو صار كذلك بعد طول غياب: يفعل فيها فعله، تستنجد به وتستلهمه كلما كان هناك شعور بالحاجة إلى ذلك.
وبالنسبة للعالم العربي، الذي لا يشكل فيه «العرق العربي الأصيل» (إذا جاز التعبير) الأغلبية العددية، فإن التاريخ الحي في وعي الأغلبية الغالبة من أبنائه يبتدئ مع بداية الإسلام، مع امتداد باهت إلى ما قبل الإسلام مشرقاً ومغرباً. ولكن بما أن «ما قبل الإسلام»، هنا أو هناك، إنما يكتسب معناه في الوعي الجماعي من خلال صلته بالإسلام، فإنه من الممكن أن نعتبر أن «تمكن الإسلام»، كدين وحضارة في كل قطر، كان يشكل بدايةً جديدة لوعي أهله بانتمائهم ل«العالم العربي»، هذا «العالم» الذي يشكل المجال الجغرافي التاريخي للوعي بوجود «الآخر» الذي به تتحدَدَّ -»الأنا» كهوية منفصلة إن لم تكن مغايرة تغاير تضاد مع ذلك «الآخر». ذلك هو مضمون اصطلاح «العجم» في مقابل «العرب» أو «المسلم» في مقابل «الكافر» (أو «النصراني» بمعنى «الرومي»، الأوروبي في اصطلاح أبناء المغرب العربي).
هناك جانب آخر لمسألة الهوية التي طرحت وتطرح منذ اليقظة العربية التي عرفها العالم العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر. إنها مسألة العلاقة بين «العروبة والإسلام»، وبعبارة أشمل بين «الناطقين بلغة الضاد» وغيرهم من الشعوب التي يجمعها معهم الإسلام. إنها ظاهرة من الظواهر التي تنتمي في بعض جوانبها إلى إشكالية «الأنا والآخر».
ذلك أن الوعي بالهوية إنما يتحقق من خلال الوعي بالآخر. والإسلام، حين البعثة المحمدية، بدأ في بيئة عربية محض وكان الوعي بالأنا لدى صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، يتشكل عبر الآخر، الذي كان في بداية الأمر هم مشركو مكة «ومن حولها». ومع اتساع رقعة الإسلام، داخل الجزيرة العربية نفسها، أخذ الوعي ب»الأنا/الإسلام» كدين يقترب من التطابق مع «الأنا/العرب» كقوم. وقد برز هذا واضحاً في عهد عمر بن الخطاب الذي تحققت فيه انتصارات عديدة على إمبراطوريتي الروم والفرس، وتم فيه إسلام كثير من الشعوب التي كانت تحت حكمهما. ففي هذا العهد، والذي يليه، أصبح «الأنا» وال»نحن» يتحددان داخل الدولة العربية الوليدة كما يلي:
- العرب في مقابل الفرس والروم. ففي هذه المرحلة، مرحلة الخلفاء الراشدين بكيفية عامة، كان مفهوما «العرب» و»الإسلام» يتداخلان بسرعة في الوعي العام ليشكلا هوية واحدة. كان الإسلام من هذه الزاوية يبدو، من الظاهر على الأقل، ديناً قومياً في بداية الأمر؛ ومع اتساع الفتوحات الإسلامية وبروز الحضارة العربية الإسلامية على مسرح التاريخ كحضارة «عالمية» وتراجع «المد العربي» من الجزيرة والشام، تحولت الهوية العربية إلى هوية ثقافية، يتحدد فيها الدين بلغة القرآن (العربية) بينما تتحدد فيها «القومية» بالبعد الديني: الإسلام. وقد بقي هذا النوع من التحديد المزدوج للهوية إلى العصر الحاضر، ذلك أنه إلى عهد قريب كان المهاجر الأمازيغي من شمال إفريقيا إلى أوروبا يجيب عن سؤال «من أنت»؟ قائلا: «أنا عَربي»، بمعنى أنه «غير نصراني» (= ليس أوروبياً).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.