حسب وثيقة البرلمان الأوربي رقم 2008/52/Ec حول بعض جوانب الوساطة في القضايا المدنية والتجارية في اجتماع بتاريخ 21 ماي 2008؛ «الوساطة» تعني عملية مهيكلة، أيا كانت تسميتها أو طريقة الإحالة إليها، حيث يسعى طرفان أو أكثر في نزاع، بأنفسهم، و بمحض إرادتهم ، للوصول إلى اتفاق لتسوية النزاع القائم بينهم بمساعدة وسيط، و"الوسيط" هو كل شخص ثالث يطلب منه أن يدير الوساطة بفعالية وحياد وكفاءة...، وبشكل عام وأكثر تداولا فالوساطة هي وسيلة اختيارية، وودية وسرية لحل النزاعات، وتتم عبر تدخل طرف ثالث محايد لحل النزاع، يسمى الوسيط، و يتوفر فيه الحياد، وتهدف الوساطة إلى مساعدة جميع أطراف النزاع على الوصول إلى حل متفاوض بشأنه ومقبول من جميع الأطراف، ويتدخل الوسيط بطلب من أطراف النزاع أو من أحدهم ، من أجل الإشراف على عملية حل النزاع لكنه لا يملك الصلاحية لصنع القرار، وتأتي القناعة باللجوء إلى الوساطة خاصة الوساطة التجارية على مستوى الدول الانجلوساكسونية كما في مثيلاتها الفرنكفونية بشكل أقل نسبيا بعد أن برهنت عن نجاعتها وقدرتها لتدبير احلك النزاعات المختلفة، ولأجل ترسيخ وعي جماعي بما لهذه الوسيلة من ايجابيات وفرص يجب استثمارها من اجل التخفيف من عبء القضاء ولضمان استمرار العلاقة الإنسانية المجدد لكل تنمية حقيقية، كما أن فرص التسوية عن طريق الوساطة متوفرة بشكل كبير إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية لذلك، وهو ما أشار إليه الخبير الأمريكي في مجال تدبير النزاعات وليام رسبيري بأن «فرصة التعاون موجودة حتى في خضم النزاعات إحباطا إذا تكبدنا عناء البحث عنها». ولتناول موضوع الوساطة بالدرس والتحليل لا بد من التطرق إلى مفهوم ومكونات النزاع، على أساس تناول موضوع التفاوض والوساطة بعد ذلك. عادة يعرف النزاع بأنه شكل من أشكال السلوك التنافسي بين أفراد أو مجموعات لأفراد، ويحدث النزاع عندما يتنافس شخصان أو أكثر حول أهداف متضاربة سواء كانت مادية أو معنوية أو حول موارد محدودة. ويختلف شكل السلوك التنافسي هذا عن أشكال التنافس الرياضي، حيث يكون التنافس عادة حول التسلية والمتعة، ويتشكل كل نزاع من ثلاثة عناصر رئيسية وهي: الأطراف والمسار أو العملية ثم المشكل، وهذه العناصر مرتبطة فيما بينها بشكل كبير، يجعل تحليل أو فهم النزاع خارج هذا الارتباط شيئا شبه مستحيل. هذا الارتباط يمثل الديناميكية التي تؤثر سواء في تصاعد وتيرة أو استقرار حالة النزاع. وتتمثل في: - أطراف النزاع: كل الفاعلين الرئيسيين ( هم المتنازعون) والأفراد الذين لا يظهرون في الصورة والذين يتأثرون بتصاعد وتيرة أو استقرار حالة النزاع، ويكونون معنيين كذلك سواء بإطالة أمد النزاع أو حله، ويشكل أطراف النزاع جزءا لا يتجزأ من مجموعة الفاعلين. وتكون كل الخاصيات الظاهرية والعاطفية للنزاع جزءا من هذه الدائرة. - المسار أو العملية: يمثل تطور الأحداث في حالة النزاع ومصير القرارات المتخذة والإستراتيجية المختارة لحل النزاع والفعل الانتقامي في حالة تصاعد حدة النزاع، ويجب أن تأخذ استراتيجية حل النزاع بعين الاعتبار التقنيات المختلفة ( لحفظ ماء الوجه) وكذا الخاصيات الحسية والمعنوية للنزاع. - المشاكل: تعكس الأسباب الحقيقية للنزاع ( بما في ذلك سوء الفهم والسلوكات السلبية للاعتراف بوجود نزاعات ومواجهته). ويمكن أن تكون المصالح المادية والحاجات الكمية مصدر المشاكل. هنا وجب الانتباه بحذر كبير حيث قد تشدد استراتيجيات حل النزاع في الغالب على المصالح الكمية وتهمل مسألة مسار عملية النزاع، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوضع، وعلى الوسيط أن يتناول هذه الجوانب الثلاثة بعناية لضمان حل مرض للنزاع !، وأيا كان الحل، ينبغي أن تستجيب التسوية الفعالة للنزاع لحاجات ومصالح الأطراف المعنية بالنسبة لثلاثة جوانب مهمة. وقد بينت التجارب أن نماذج سلوكات الافراد او المجموعات في حالة نزاع تتمثل في: * التجنب ( أو عملية الهروب): يختار المتنازعون في هذه الحالة تجنب أي شكل من أشكال المواجهة أو أي محاولة لحل النزاع. * التنافس (أو المواجهة): يختار أطراف النزاع التنافس بغاية طرح نتيجة الفوز أو الخسارة. مثلا: المناقشات بين النقابات وممثلي أرباب العمل. * التنازل (أو الاستسلام): يختار أحد المتنازعين تقديم تنازلات من أجل إنقاذ أو الحفاظ على علاقته مع الطرف الآخر. * التوافق (أو القسمة): في هذه الحالة، يختار المتنازعون تقاسم المكاسب الناتجة عن حالة نزاع. مثلا: "أقل مكسب مشترك"، وهذا توافق لا يكون فيه أي من أطراف النزاع راضيا بشكل كامل على النتائج، فهناك دائما حالة من الشك والريبة ويمكن للنزاع أن ينشأ مرة أخرى في وقت لاحق. * التعاون(أو العمل مع الطرف الآخر): وهنا يختار المتنازعون التعاون والعمل سويا من أجل الوصول إلى اتفاق يحفظ علاقتهم ويضمن المكسب المشترك. مثلا : «أعلى مستوى من المكسب المشترك». عادة ما يتحدد سلوك أحد الأفراد في حالة النزاع عن طريق مبدأين: علاقته مع الطرف الآخر، وأهمية المكسب الفردي في حالة النزاع، ونتيجة لذلك، فإنه في حالة المواجهة في نزاع ما، يتصرف الأفراد بطريقة مختلفة، فالنماذج المعتمدة هي سلوكيات نموذجية، وهي دمج سلوكيات متشابهة ومجمل الآليات التي تم الحصول عليها عن طريق المنافسة، وتؤثر هذه السلوكيات بقوة على تصرفات الأفراد في حالات النزاع التي تؤكد حقيقتها كتطور ديناميكي أو حيوي، ويمكن للأفراد تبني سلوك ما والانتقال إلى سلوك آخر إذا ما أثبت الأول عدم جدواه، لكن على هؤلاء الأفراد أن يكونوا واعين بهذه التطورات.