شكل الخطاب الملكي حول الجهوية دفعة عميقة نشطت و قوّت النقاش العمومي حول هذا الورش الوطني الذي دخله المغرب للإجابة عن قضايا محلية و أخرى خارجية ذات بعد استراتيجي بالنسبة للدولة و الأمة .. و إذا عدنا إلى نوع من التأصيل التاريخي لمسار الجهوية في المغرب ، فإن الحوليات الأكاديمية و الرسمية تحصر الاهتمام بهذا المفهوم في نهاية الستينات عندما «استقطبت « وزارة الداخلية نخبة من الفرنسيين لإعداد أبحاث و دراسات حول الجهوية في علاقتها مع إعداد التراب الوطني، لكن الظروف السياسية و طبيعة التكنوقراط المتواجدين آنذاك بدواليب بعض الوزارات أخر تنزيلها و حصرت في جهوية إدارية محضة مراقبة من طرف المركز ، روعي فيها الهاجس الأمني و استبعد المدخل الاقتصادي و الاجتماعي في التقطيع الإداري الذي وصل اليوم إلى أكثر من 50 عمالة و 16 جهة، لا تحمل من المفهوم إلا الشكلانية و تبذير الموارد و الثروات و تهميش النخب الحقيقية التي يمكنها استيعاب التحولات و الأهداف العميقة للسياسة الرسمية في هذا المجال. فحسب بعض القراءات الأكاديمية العالمة و التي كانت توجد في أتون النقاش الرسمي الداخلي، فإن الدولة المغربية في تعاملها مع الجهات قدمت مفهوم النظام على مفهوم التنمية و رسخت « الجهة التقنوقراطية « تحت هيمنة وزارة الداخلية في جميع الاستحقاقات الانتخابية لما بعد 96 . بخصوص زوايا المعالجة .. تثور أسئلة موضوعية من مثل .. هل سيتم الحفاظ على المستويات المعتمدة (جماعة ، إقليم ، جهة) وماهي الصلاحيات التي ستخول للجهات ؟ هل الرؤساء الحاليون مستعدون للجهوية و هل هناك نخب قادرة على هضم و استنبات مفهوم جهوي على أرض الواقع يتماهى مع الخصوصية الثقافية و التاريخية و التنموية ؟ ماذا ستكون عليه علاقة الوالي كممثل للملك و الدولة برئيس الجهة كممثل للسكان ؟ هل السلطة السياسية مستعدة إلى الذهاب بالإصلاح إلى مداه الدستوري بتوزيع عادل للسلطة و الثروة دون الوقوف عند خلية أو لجنة تضم أساتذة منظرين لا علاقة لهم بالخبرة الميدانية التي يمتلكها تكنوقراطيو الداخلية من عمال و ولاة و الذين مازال أغلبهم يشتغل بطريقة تقليدية مغرقة في الطقوس القديمة المقيدة للإبداع و الابتكار و إيجاد الحلول الناجعة دون العودة إلى استشارة المركز أو الخوف من فقدان المنصب ؟ الملف السياسي حاول مقاربة هذه الأسئلة من مداخل متعددة مصحوبة بقلق معرفي و سياسي همه الأساس المساهمة في النقاش حول بناء مغرب ديمقراطي بجهات قوية.