استهل المركز الثقافي البلدي، أيامه الثقافية، بالاحتفاء بالشاعر المغربي المتميز، ومدير الكتاب والخزانات والمحفوظات، المبدع حسن نجمي، وذلك يومه الجمعة 25 دجنبر 2009. وتم تنظيم ذلك، تحت إشراف الملحقة الإقليمية للثقافة بالعرائش، بحضور مندوبها العربي المصباحي رفقة الشاعر إدريس علوش، وبتعاون مع جمعية فضاء الطالب للثقافة والتكوين، وجمعية المسار للتنمية. التف حضور كثيف، نوعي،عميق الدلالات، وقوي الحميمية والرسائل حول الشاعر حسن نجمي، تماما ككثافة المطر. فالشاعر حسن نجمي، استحوذ على ذاكرة مدينة الخمار الكنوني الذي تعلم لغته بالأدب الأندلسي على كرسي الجامعة، كما تستحوذ عليه القصيدة جسدا وروحا، تماما كألم ملائكي. فكان المساء طريقا إلى شعاب الأبجدية، وإبحارا في ماء الصور الشعرية من خلال تجربته الأدبية الجديرة بالقراءة والتأمل، كأفق عنيد في نبض الكتابة ! في مساء كانت فيه السيادة للغة ومشاغل المطر المنتصرة على اليباس الذي تتصلب فيه أرواحنا ومخيلتنا تماما كالأرض في الهجير، ظل الشاعر حسن نجمي من خلال قصائده الرائعة التي تماهى فيها مع الموت والحياة، ظل شفافا تماما كدمعة الفضي في الوجدان، والقصيدة، وفي النوافذ المشرعة لرحلته، وهي تدق أبواب الخمسين، بنقائه الأليف والتلقائي الذي لم تنل من فطرته، طقوس التكلف الحضري. فالنقاء اختياره وعنوان لهويته في مخمل الحياة والوجود والعمق الشعري. ومفرداته التي تئن بالتفاصيل، داخل إعصار من القلق والارتباط بالألم الإنساني الذي يعني الحب. بالنسبة للشاعر حسن نجمي، وحدها قيم الحرية والديمقراطية والعدل والجمال والمواطنة تضيء وجه الفكر وهندسات السياسة، بقصائد مرصعة بلغة متقنة تماما كحبات الألماس والعنب. ووحدها القصيدة، الفرحة بالشطح الباذخ للمفردات تجعلنا نغني مع الموت بجرأة لافتة دون أن نرتعش فيما يعني قوة الثبوت والشموخ، و الخلود، للشاعر في تخوم صراعه ضد مظاهر الافتراس، الذي يغير هوية السلام والطمأنينة في الحب تماما كدم على جناح طائر! والحب بالنسبة للشاعر حسن نجمي تشتهيه قبل ضرورات التواصل، حواس القصيدة، التي إن تعطلت لا تعوض والقصيدة بالنسبة لروح حسن نجمي التائهة منذ» لك الأمارة أيتها الخزامي» لها معنى هويته، التي تتمسك بالترحال الشعري في جغرافية الوطن والعالم أكثر من نزوعه للوظائف الرسمية، التي تتحول فيها ربطة العنف، و«مساحيق اللغة المرتبة» إلى عبء ثقيل. وهو يقرأ عذب أشعاره، ظل حسن نجمي يوقظ قيم الجمال النائمة فينا، ويحرك مجد اللغة وأبهة المعنى في اتجاه الماء النبوي الذي يجول في البصيرة الجذلانة للحضور، كما لو أنها أعشاش بلورية، تحضن ببريقها نسيجا من آثار وهوية حسن نجمي المتعددة: شاعرا، روائيا، صحفيا،أديبا، إنسانا، سياسيا مفكرا، باحثا، مناضلا، وأبا للسلالة (ريما شامة لينة في مشوار الشعر والحياة رفقة عائشة البصري) وهو متعدد كما تتعدد رهانات الحداثة والديمقراطية والتنمية في ضرورات الفعل الثقافي وطنيا وكونيا، وكما تتعدد صفات نبله في القصيدة... وفي وجداننا. وهو يتماهى مع أوزان الصور الشعرية في قصائده، بلسان آخر مختلف للجسد ظل يسعر التذاذنا، ويلهب هوسنا، تماما كالطبيعة التي تبدو خارقة في شراهة الربيع والسفر الموسيقي للون الزهور في الأريج!. ظللنا نتلذذ بالعمق الهش للشاعر: الذي لا يقويه آخر سواه. ومع أن أبعد الأمكنة للحب في خلايا الشاعر، لا تقبل الترجمة، فقد أسعفته قصائده التي بدا فيها حسن نجمي يساقط، في الحضور الجليل للمطر، قطرة، تلو قطرة، بعد قطرة، بعد رحلة غيم يحمل مطر السر والسيرة في البراري العالية لشموس اللغة، التي يسيل فيه بريقها، تماما كفصاحة جسده. كعادته ظل حسن نجمي سليل البهاء المنسوج من لغتين: للالم وللفرح في قصائده. كل مفردة أنثى فيما قرأه حسن نجمي. تماما كما تعلمه وتعلمناه، من الشاعر العربي الكبير محمود درويش. فالمفردات الأنثى لمحمود درويش، تعني الفكرة العميقة في القصيدة، والخريطة المكتملة في الدولة. واللغة للشاعر حسن نجمى تظل جوعا مشتهى لهدير الشعر، والقوة الاسطورية لفردوس الجملة الشعرية. وللشعر أيضا من منظوره، هوية اليقظة، التي تجعلنا نغادراللحظات التي توجد فينا في حالة استرخاء عتمات الكسل والرثابة، لنقفز صوب النهار الذي تغمرنا فيه القصائد بروحها الشجية والرحيبة. والقصيدة، أقوى من الأرض، حين يصير فيها الشاعر عرابا للتسامح الذي تكتسب الإنسانية بكينونته معنى جديدا. واشتباك المعنى في المفردات دليل الاختلاف إلى الوئام الذي يستوعب المناطق المحرمة للخلاف! رسالتان إلى بنسالم حميش وزير الثقافة: «كثيرا من العودة إلى أقدم حاضرة في المغرب مازالت قائمة ... إلى أوييدوم نوفوم...إلى القصر الكبير يعني، وقد خارت قواها بعنف السياسة!» 1- مشروع المركب الثقافي انتظار تنموي مجتمي وانتصار للثقافة متى ذلك ؟ 2- متى نأخذ الكتب بقوة في مكتبة بمواصفات علمية ومعرفية وفكرية حديثة حتى لا يبعث الجهل من قبره أمامنا، وحتى لا تظل حياتنا على ذلك من الشاهدين. حسن نجمي، يا فارس اللغة، أيها النبي الشكاك في اليقين الذي لا تقوله القصيدة ولا يشتهيها، كما تشتهي الصحراء شفاه النهر، والسواد الباكي للغيم، تماما كما يشتهي عاشقان إغماءة قبلة ملأى بحرارة صمتهما: رد عنا دمعنا... رده موصولا بماء الحب. ازداد اللقاء روعة في كلمة دالة لمديرة المركز الثقافي البلدي بالقصر الكبير الأستاذة بشرى الأشهب، وبعزف موسيقي على آلة العود المصاحبة لأشعار حسن نجمي من توقيع الفنان الواعد جهاد البدوي.