تستضيف العاصمة الليبية طرابلس مؤتمر القمة العربية، ومن المقرر عقده يومي 27 و 28 آذار المقبل, في ظل تهديدات مختلفة تعصف بالجسد العربي في ظل تراكم تحديات تتطلب مواقف مؤاتية لتحقيق التوازن العربي, ومعالجة التهديدات الدولية والإقليمية، التي باتت تستشري في الجسد العربي كالهشيم في النار ، دون الأخذ بنظر الاعتبار خطورتها على الأمن القومي العربي ، والتماسك الدموغرافي , لقد شهد العالم متغيرات أساسية في مسرح الصراع الدولي، وأبرزها سباق الهيمنة الدولية, والتسلح النووي وحرب الفضاء والمعلومات , وحرب الموارد والطاقة، وتبادل رقع النفوذ، وجشع الشركات المتعددة الجنسيات، مما افقد العرب خيار القوة لتحقيق السلام , وأخرجهم من مسرح الصراع الدولي كلاعب جيوستراتيجي فعال ومؤثر , لقد تغيرت مفاهيم وقيم الصراع بشكل كبير , خصوصا مع تطور الأساليب والتقنيات والاستحواذ على مفاعيل القوة , خصوصا بعد اغتيال الشرعية الدولية وحقوق الإنسان, ولا فرق اليوم بين مسرح الحركات العسكري أو المدني, فان التهديدات والاستهداف العسكري والشبحي أصبح شاملا, ولعل امتنا العربية الإسلامية أصبحت الرجل المريض مما جعلها ميدان دموي للصراع والنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري الدولي والإقليمي, وشهدنا توسع النفوذ الإقليمي في ظل تراجع مقومات القدرة العربية الشاملة , وتخليها عن إدامة القدرة الصلبة , وانشغالها بتحالفات قطبية هرمة ومترهلة لا تجدي نفعا , وكذلك نخر للمفاهيم القيمية المركبة (التنوع الديني وتوافقه- البعد الحضاري العربي وأصالته, والفهم ألقيمي الوطني وتلاحمه) , وغياب مزاوجتهما بعناية وحرفية لتكون صمام أمان لبقاء الأمة والوطن والدولة والشعب , ونشهد اليوم شياع استخدام الحرب المركبة :- حرب العقائد والأفكار - حرب الدبلوماسية المخادعة - الحرب الدموغرافية - حرب الأشباح - حرب استنزاف الموارد- حرب تجريف القدرة - الحرب الإعلامية - الدعاية والحرب النفسية- حرب المعلومات- القضم الجيوبولتيكي - حرب المرتزقة, وبذلك أصبحت الدول العربية الإسلامية مسرحا لتلك الحروب المركبة والنزاعات المختلقة , التي تستنزف وتجرف القدرات وتساهم في تفكيك مقومات القدرة العربية الشاملة. يفترض من النظام الرسمي العربي استعادة المبادرة الستراتيجية, والتفكير بعناية للخروج من خطر التجزئة والتقسيم إلى دويلات طائفية حسب المخطط( الشرق الأوسط الجديد) , وهو مطلب إقليمي صهيوني وامبريالي أمريكي توسعي, ينبع من فلسفة "تجزئة المجزء وتقسيم المقسم", مع ضرورة مزاوجة مفاعيل القوة المختلفة وحتى القوة اللامتماثلة , واتخاذ تدابير مضادة وقائية وعلاجية واضحة , تدعمها سياقات عمل رصينة وموضوعية , لتامين سياسات الردع العربي الستراتيجي أو الأقل توازن الرعب , ضد الأطماع والتهديدات الوشيكة والمحتلمة التي تعصف بالجسد العربي , وتطويع كافة الموارد وحشدها لدرء تلك التهديدات, خصوصا بعد التهديدات الاسرائيلية الحربية الشبحية العلنية , وتحنيط القضية الفلسطينية , وتفاقم تداعيات الخطيئة الإستراتيجية في العراق وتحنيط مشهده السياسي, وخطر تفكك السودان, وشبح الحرب في الخليج العربي والمتوسط , وفوضى الصومال المزمنة, وتداعيات الشحذ الطائفي والعرقي. حقائق جيوستراتيجيه عربية تبرز الأهمية الجيوستراتيجية للعالم العربي كقوة تشغل رقعة متقدمة في العالم الثاني , وتحتكم على نصف الموارد الإستراتيجية في العالم , ومعضدة بأكثر من محور جيوستراتيجي كما في المشرق العربي ( دول غرب أسيا - دول المتوسط - الخليج العربي) وكذلك دول المغرب العربي, ناهيك عن تماسك النسيج الدموغرافي للشارع العربي كالوشائج والعادات المشتركة, ولعل ابرز المحاور الجيوسياسية العربية هي العراق سابقا كقدرة عربية صلبة, والسعودية كقدرة صلبة وناعمة , وسوريا كقدرة ناعمة وذكية, ومصر وليبيا والجزائر كقدرة صلبة , , إضافة إلى محاور الإسناد والضغط والتنسيق , كالإمارات وقطر والبحرين وعمان ولبنان والأردن والكويت واليمن والمغرب وتونس, وتعد مزاوجة القدرة الصلبة والناعمة والذكية مدخلا لحشد مفاعيل القوة والضغط ولتكامل السياسي والاقتصادي والعسكري العربي,ويعد أمرا ضروري يحقق استعادة القدرة العربية الشاملة التي تنقله كلاعب جيوستراتيجي الى العالم الأول, وتشكل تمركزا للقوة في معادلة الأمن القومي العربي الشامل, والتي تلقي بظلالها على معادلة التوازن الإقليمي. شكل التهديدات أصبحت دول العالم العربي تواجه تهديدات وشيكة ومحتلمة, تقع ضمن مرتبة المخاطر الكبرى , وأبرزها شبح التقسيم إلى دويلات طائفية أثنية عرقية, وانتشار فوضى الحروب المركبة , ومخاوف انتشار الحرب الدموغرافية التي نشهد ملامحها في العراق و السودان والصومال واليمن ولبنان, وأبرزها هي:- 1. غياب دور عربي مؤثر في القرار الدولي فيما يخص العالم العربي. 2. تصدع النظام الرسمي العربي وانهيار مرتكزات الأمن القومي . 3. مخططات التقسيم الإسرائيلية والقضم الجيوبولتيكي والنفوذ الليبرالي والسعي للسيطرة على الممرات والمضايق البحرية. 4. سباق التسلح النووي والصاروخي . 5. الصراع الإقليمي بين إيران واسرائيل وتداعياته على المنطقة. 6. تسويق الخطيئة العراقية(دولة المكونات والطوائف والأعراق) كأنموذج يسوق له , وتحنيط القضية الفلسطينية وتعاظم الصراع السياسي بين القوى الفلسطينية, وخطر تفكك السودان, وفوضى الصومال المزمنة,وتداعيات الطائفية السياسية في اليمن. 7. انتشار ظاهرة المليشيات المسلحة والسعي لمغانم سياسية ومالية على حساب الوطن. 8. استنزاف العالم العربي الإسلامي وتجريف قدراته المختلفة بجرثومة الاحتراب الطائفي- ضمن حرب التفتيت الدموغرافي. 9. مخططات الشركات المتعددة الجنسيات التي تذكي الصراعات والعنف في المنطقة. 10. أعمال القرصنة البحرية وتسخيرها لأهداف سياسية. 11. شبح الحرب المحتملة في المتوسط والخليج العربي والعمليات المضادة. 12. عمليات الإرهاب السياسي المختلفة. 13. تداعيات الأزمة الاقتصادية والفقر والبطالة وخطر العمالة الأجنبية . 14. تفكيك البني التحتية المجتمعية وفق أساليب التقطيع الناعم العمودي والأفقي. 15. اندثار المعايير القيمية العربية الإسلامية والوطنية. 16. غياب سياسة الاحتواء السياسي والمجتمعي . 17. تنميط وسائل الإعلام الغربية المسلمين والعرب بالإرهاب. 18. انتشار وتجارة وتعاطي المخدرات . 19. تجارة وحيازة ونقل الأسلحة والمتفجرات. 20. غياب حس الانتماء العربي لدى مؤسسات النظام الرسمي العربي. التحديات والأولويات يسعى الشارع العربي إلى تحقيق طموحاته في إرادة عربية موحدة تعالج الأزمات والتحديات التي تعصف بالجسد العربي, وهناك فسحة أمل لتجاوز الخلافات العربية والتصدي للتهديدات والتحديات الجسيمة, و لعل محددات التقارب مسالكها مفتوحة في ظل التحديات الخطيرة والتهديدات الوشيكة, ويفترض تقسيم التهديدات حسب أسبقياتها- قائمة - وشيكة – محتملة- بعيدة المدى, وغالبا ما تفرض الملفات المزمنة نفسها على فلسفة الإصلاح, ومعالجة الآثار المترتبة عليها , ويمكن تحديد ابرز الملفات المتقدة كما يلي:- • معالجة الجرثومة الطائفية وفلسفة الحرب الديموغرافية. • معالجة تداعيات الملف العراقي وشكل التهديدات الدولية والإقليمية التي يتعرض لها ومضاعفات التصدع الديموغرافي( لبننه أو بلقنه العراق). • تداعيات الملف الفلسطيني والممارسات الصهيونية وتعاظم الصراع السياسي الداخلي. • شبح الحرب في المتوسط والتهديدات الإسرائيلية إلى لبنان وسوريا. • شبح التقسيم في السودان وصراع الأجندات الدولية والإقليمية. الصراع الطائفي السياسي في اليمن وتشظي العنف. • شبح الحرب في الخليج العربي. • الملف الصومالي المزمن والاحتراب السياسي. • وحدة موارد الدول العربية والتحول إلى الاتحاد العربي أسوة بالاتحاد الأوربي. • تنقية الأجواء العربية وتخطي الخلافات ومعالجة التهديدات الوشيكة. • تسخير جماعات الضغط والحلفاء لتدعيم الوحدة السياسية العربية. • معالجة المخدرات والسلاح وتهريب العقول والقدرات العربية إلى الخارج. • تدعيم القيم الإنسانية والاعتبارية للمواطن العربي في كافة الدول العربية. الملف العراقي عنق الزجاجة يعد غزو العراق من اكبر الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبها الغرب والعرب , وخصوصا تدمير الدولة العراقية بالكامل, وعسكرة الملف العراقي, وسيادة فلسفة النظام الكليبتوقراطي الطائفي والعرقي "خطيئة ستراتيجية" , كون العراق الرئة البرية الأكبر باتجاه العالم الغربي والشرق الأوسط , ونقطة التقاطع الاستراتيجي لثلاث قارات أسيا وأوربا وأفريقيا, والمنفذ البري الواسع لدول الخليج العربي, وهمزة وصل ستراتيجية عسكرية بين المشرق العربي ودول الخليج العربي ومنه إلى المغرب العربي, ومحور نقل خطوط الطاقة عبر أراضيه , وشهد انتشار العنف الطائفي والعرقي المليشياوي ضمن فلسفة "لبننه العراق أو بلقنه العراق", واندثار مفهوم العراق القوي, لتحل محلها فرشة المكونات والمذاهب والأحزاب- والدويلات العائلية , ومن الواضح أن إسرائيل وإيران تعد ابرز ألمحارك الإقليمية الساعية لذلك , وكلاهما يعد العراق ساحة صراع وتقاسم نفوذ, وبذلك لن يصبح العراق موجودا كدولة وارض وشعب في ظل غياب الإرادة الوطنية , حيث لا يوجد احد يحارب من اجل العراق, وعمليا أصبح إقطاعيات سياسية ومحميات لأحزاب عائلية تنهب ثرواته وتستعبد شبعه وتحول الشعب العراقي الحي إلى سكان خدمات , في ظل تصعيد فلسفة الكراهية للعرب بغية طمس هوية العراق العربية , مما جعل العالم العربي الإسلامي بين فكي كماشة الفلسفة الامبريالية التوسعية والأطماع الإقليمية , وبالتأكيد ان دول العالم العربي تختلف فلسفتها فيما يخص السياسة الخارجية والتحالفات الإقليمية والدولية , ولم نشهد حتى اليوم موقف عربي موحد ينبع من أسبقية التهديدات الوشيكة والمحتملة , نظرا لتهرأ الوحدة السياسية العربية ومنظومة الأمن القومي وحدة القرار بخصوص العراق. يشكل العراق محور ا جيوسياسي هام وفعال على الصعيد العربي الإسلامي والإقليمي ويلقي بظلاله على معادلة التوازن الدولي وتوازن المصالح , ويشكل همزة الوصل السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بين العرب وأوربا واسيا, وهو الرقعة الحيوية الوسطى في اللوحة الإستراتيجية العليا للعالم,ويعد حجر الزاوية في تماسك الجسد العربي, ويفترض أن هذه حقائق ومعطيات أساسية في التعامل مع الملف العراقي وهي:- • يعتبر العراق همزة وصل ضمن معادلة التوازن الدولي وشبكة المصالح العربية السياسية والاقتصادية ذات المنحى العسكري, مما يستوجب الحفاظ على القدرة الصلبة في العراق وعدم تركه منطقة رخوة ومفاصل نفوذ إقليمي لينة , تقود إلى انفلات امني وعسكري ينعكس سلبا على شكل المصالح العربية في الرقع الجغرافية والتي تتواجد فيها مصالح مشتركة لغالبية دول العالم. • يشكل تقسيم العراق أشعاع فوضى وانفلات امني ثلاثي الأبعاد يتجه إلى المتوسط غربا وأخر يتجه إلى غالبية الدول العربية , وأخر بمنحى ليبرالي يغمر الشرق الأوسط ويشع إلى أوربا , ويساهم في نشر فوضى شاملة قد تتحول إلى حروب شبحية طامحة للحصول على مكاسب ومطامع أسوة بما جرى في العراق بعد الغزو, خصوصا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد وشحت زعانف مليشياوية بوشاح سياسي , ومكنتها من السلطة والمال , مما وسعت دائرة عبثها بأمن العراق والمنطقة, وسعيها الدءوب لتقسيم العراق إلى دويلات طائفية وعرقية ومحميات حزبية عائلية. • العراق حوض نفطي ضمن شبكة مصادر الطاقة العربية, ويفترض أن يكون ارض صلبة مستقرة سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا , ويجب أن يكون دولة قوية موحدة , وينعكس على شكل المصالح العربية المشتركة , ولعل مسرحية الانتخابات القادمة ستشكل منعطف خطيرا يقود العراق إلى الفوضى والهاوية في ظل تحنيط المشهد السياسي القادم. • العراق بلد عربي إسلامي يشغل رقعة ضمن خط الصد العربي, وهويته ثابتة عبر العصور التي مضت, وأن تأريخ الحضارة في العراق يعود إلى أكثر من 6000سنة قبل الميلاد , وزاخر بشواهده وأن حضارته قد وثقت مكونات الشعب العراقي بقومياته المختلفة , وإنها عامل قوة وليس ضعف, ولا يرغب العراقيين أن يسلب وطنهم في غفلة من الزمن، مستغلا ظرف الاحتلال البغيض و حرب التغيير الدموغرافي التي أذكاها, من خلال تهجير ملايين العراقيين وقتلهم ,وكذلك منح الجنسية العراقية لغيرهم من الأجانب, وفق أجندات إقليمية لتغيير ديموغرافية العراق , تمهيدا لتقسيم العراق وفق المعطيات الحديثة, وهذا ما أشار إليه مركز "سابان" معهد "بروكينغز" للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن بعنوان " حالة التقسيم السهل للعراق" Partition in Iraq The Case of soft " وسميت الخطة ب" Plan B لتقسيم العراق والتي تتعامل مع المعطيات التي برزت بعد غزو العراق. • تسعى الشركات القابضة العملاقة( المال, النفط , السلاح, المرتزقة..الخ) الى رسم الحدود السياسية للعراق وجعل كافة الأرض العربية ملتهبة تسودها الصراع والنزاعات المسلحة, وما هي إلا جرائم حرب سياسية ضد الإنسانية وجرائم إبادة للجنس البشري. يشهد العراق اليوم صراع انتخابي ذو منحى حزبي ضيق يستند على المغانم الشخصية والفئوية, وبذلك يعزز ظاهرة الأحزاب العائلية والإقطاعيات السياسية , ويلاحظ أن هناك دعاية سياسية وإعلامية تقودها الفضائيات العراقية وبعض الفضائيات العربية بين شد وجذب لتخدير الشعب العراقي وطمس حقيقة الوضع الكارثي والدموي التي خلفتها هذه الشخصيات, وملامح احتضار العملية السياسية الفاشلة التي وضعت ركائزها الشركات القابضة العملاقة( خصخصة العراق) , وبالتناغم مع الأطماع الإقليمية المختلفة, وقد خلفت هذه الشخصيات والأحزاب المحرقة العراقية بأرقامها الفلكية, يا ترى ما هو الحافز الذي يدفع العراقيين لانتخاب الأحزاب والشخصيات التي قتلت وهجرت واعتقلت أبنائها؟,ونهبت وجرفت قدرات العراق وجعلته الدولة الأولى بالفساد؟, بل وتسعى لتعزيز الكراهية والحقد والضغينة ضد المحيط العربي الإسلامي! ولمصلحة من يبقى العراق يغرق وينحدر نحو الهاوية ؟ هل مؤتمر القمة العربية القادم سيعالج التهديدات والتحديات القائمة والوشيكة التي تعصف بالجسد العربي ومنها الملف العراقي المعقد؟ أم سيكون محفل لتعميق الخلافات وطمس الحقائق الكارثيه التي تتعرض لها الأمة! , والتمسك بسياسات أصبحت بالية في ظل المتغيرات الحالية وشبح الحروب وتوسع الصراعات الدموغرافية التي تنهش بالعالم العربي؟ هل سيدرك العرب حجم المخاطر التي تحيط بالأمة وتترجم أرادة الشارع العربي؟. د.مهند العزاوي saqarc_(at)_yahoo.com الاثنين، 01 آذار، 2010 *مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية