كثيرا ما يتردد وسط المهتمين بوضعية الأحوال الشخصية، وخصوصا في شقها المتعلق بالزواج، أن مدونة الأسرة المعمول بها حاليا قد منحت للزوجة عددا من الحقوق، ومنها «مبدأ الذمة المستقلة لكل ما ما يأتي به كل واحد وقت الزواج»، كما نصت المدونة على «إمكانية الزوجين أن يتفقا أثناء العقد وفي عقد مستقل عن كيفية اقتسام المسؤولية»، وربما هذا الأمر لم يكن موجودا لما اتفق محمد رفقة زوجته ليلى على الزواج على سنة الله ورسوله. ولأن الحب كان يجمع بينهما منذ البداية، فإن مسألة تدبير المعيش اليومي لم تكن مطروحة عندهما بحدة. فالزوج يشتغل موظفا بقطاع البريد، والزوجة معلمة بإحدى المدارس الابتدائية، وكأي زوجين متفاهمين كان همهما إيجاد «قبر الحياة»، يستظلان فيه رفقة ولدهما، وكان الاتفاق بينهما على أساس شراء شقة بأحد أحياء مدينة وجدة عن طريق أخذ قرض من البنك وتأديته عبر أقساط شهرية من الحساب البنكي للزوج، على أن تتكفل الزوجة بالمصروف اليومي، ولم يمتنع محمد عن أن يتم تضمين زوجته ليلى كطرف ثاني في عملية الشراء، وكانت ملكية البيت مناصفة بينهما. استمر الوضع على ما هو عليه بدون مشاكل تذكر لعدة سنوات، أحيل فيها الزوج على التقاعد، واستمر الاقتطاع من حسابه البنكي، وكانت الزوجة توفر كل الأساسيات والكماليات من أجرتها الشهرية كمعلمة في مدرسة ابتدائية. غير أن الزمن كان كفيلا بتغير معاملة الزوج لزوجته، وبدا كطرف ضعيف أمام زوجته، يمد يده إليها كي تمنحه مصروف الجيب، مادام أن قرابة ثلثي تعويضات التقاعد تلتهمها الأقساط الشهرية، ومن هنا بدأ «النكَِير». «هادشي راه بزاف، الخلصة كاتمشي كلها في التريتة، وماكايبقى ليا والو باش نتحرك» «غير صبر، مابقا قد مافات، المهم هو قبر الحياة»، تجيبه الزوجة «مابقا عاندي فين نزيد، ولّيت بحال السعاي، كنطلبك كل صباح تخلي ليا المصروف، خاصنا نديرو حل لهاد الشي» «آش من حل بغيتي نديرو معاك، راك عارف الخلصة ديالي على قد الحال، المهم راحنا عايشين وصافي» «تنازلي ليا على نص الدار، مايمكنش نعطي التريتة كلها وانا كنملك غير النص» «انعل الشيطان آ الراجل، هادشي راه اتفقنا عليه هاذي سنين، والمصروف اليومي راه أكثر من التريتة، خلينا متعاونين، حتى نفكو علينا هاد الدين» كان هذا السجال، هو الوجبة اليومية الصباحية والمسائية بين الزوجين، وكان أكبر ضحية لهذا السجال هو ابنهما ذو الأحد عشر سنة الذي تأثر بمشاكلهما وانعكس ذلك على مساره الدراسي. أما الزوج فكان مصرا على طلبه أمام امتناع زوجته، صراع انتقل خارج البيت المتنازع حوله، وكان لكل طرف الجهة التي تسانده، وبدا الصراع الأسري بين الزوجين كصراع بين عائلتيهما، «مايمكنش تتنازل على حقك، أنت كتخلص التريتة كلها، وما عاندك غير النص في الدار، خاصها ترجع ليك حقك». أما عائلة الزوجة، فكانت توصيها بالتشبث برأيها، وألا تتنازل عن حقها، «شكون كَال، غير تتنازلي ليه على حقك، ويتزوج عليك ولوحك للزنقة».. وبين هذا المعسكر وذاك، خفت صوت «ادفع بالتي هي أحسن». ورغم أن فصل الشتاء كان قارصا السنة الماضية في مدينة وجدة، فإن أجواء النزاع بين محمد وليلى كانت ساخنة، ومما زاد هذا النزاع حدة هو تشبث كل طرف برأيه، لتشتعل «الحرب» بينهما من جديد.. «باقي مابغيتيش تنعلي الشيطان» - «الشيطان هو بنادم» أجابته الزوجة، «انت اللي خاصك تنعل الشيطان، وتخلي الأمور تمشي كيف كنا متافقين» ولأن كلا منهما لم يلعن الشيطان، فقد كان هذا الأخير حاضرا بقوة، ولعله لعب في رأس كليهما، بأن يكون خصامهما لتلك الليلة الأخير والحاسم.. «سير آولدي جيب ليا شي كَارو، من عاند مول الديطاي»، هل كان الزوج حريصا على عدم حضور ابنه ل «الحلقة الأخيرة» من مسلسل «الطفولة المغتصبة»؟ المهم أن عصبيته زادت حدة، وبدأ السب والشتم بين الطرفين، وبدأ كل طرف يذكر الآخر بأنه أنقذه من الضياع، وعلا صوتهما داخل الأمتار المربعة المتنازع حولها، وبدأ التشابك بالأيدي والضرب المتبادل، وتطورت المعركة إلى محاولة الزوجة الاعتداء على زوجها بسكين متوسط الحجم. وخلال مناورات الزوج لتفادي ضربات السكين، أصيب بجرح غائر على مستوى يده، ليقوم بعد ذلك بنزع السكين من يد زوجته وقيامه بهجوم مضاد انتهى بتوجيه عدة طعنات في عنقها وبطنها لتسقط أرضا مدرجة في بركة من الدماء. مباشرة بعد سقوط الزوجة أرضا توجه الجاني نحن حمام المنزل وغسل أداة الجريمة قبل أن يغادر المنزل متجها إلى قسم المستعجلات بمستشفى الفارابي لتلقي العلاجات. وبمجرد حلوله بالمستشفى استفسر الشرطي المداوم هناك عن ظروف إصابته بالجرح الغائر بيده اليمنى، فأخبره المتهم بأنه دخل في شجار مع زوجته التي مازالت دماؤها تنزف. وعلى الفور أخطر الشرطي المذكور عناصر من الشرطة بالدائرة الأمنية المداومة، والتي انتقلت إلى مكان الجريمة رفقة عناصر من الشرطة القضائية، حيث اكتشفوا أن الزوجة الضحية قد فارقت الحياة جراء الطعنات التي تلقتها. كما تم حجز أداة الجريمة، في ما تم وضع الجاني بالجناح المحروس لتلقي العلاجات الضرورية نظرا لخطورة إصابته. وبمرور سبعة أيام من الخضوع للعلاج بمستشفى الفارابي تماثل الزوج للشفاء، وتم نقله إلى مقر ولاية الأمن، حيث تم الاستماع إليه من طرف المصالح الولائية للشرطة القضائية حول ظروف وملابسات الحادث، ليعترف المتهم تلقائيا بما اقترفت يداه. وبعد إعادة تمثيل الجريمة تمت إحالة المتهم على الوكيل العام للملك الذي أحاله بدوره على قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها وأمر بإيداعه السجن رهن الاعتقال الاحتياطي في انتظار البحث التفصيلي معه بعد أن وجه له تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. وخلال مناقشة القضية أمام المحكمة، اعترف المتهم بالمنسوب إليه، وأوضح أنه ارتكب فعلته وهو في حالة غضب واستفزاز، مضيفا أنه أصيب بمرض عصبي منذ الواقعة، وفي هذا الإطار التمس دفاع المتهم إخضاع المتهم الذي بدت تظهر عليه علامات وبوادر الجنون على الخبرة الطبية للتأكد من سلامته العقلية، وبعد إحالته على الخبرة أفاد الطبيب النفسي في تقريره أن الضحية مصاب فعلا بمرض نفسي، ولكنه حين ارتكب الجريمة كان في كامل قواه العقلية. وبعد مرافعة الدفاع والنيابة العامة وإدخال المكلف للمداومة قررت المحكمة تغيير فصول المتابعة من القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد إلى القتل العمدي، لتقرر إدانته بثلاثين سنة سجنا..