يرى خالد فضيل فاعل سياسي، وجمعوي، أن مغرب ما بعد 20 فبراير لن يكون هو مغرب ما قبل 20 فبراير، و أضاف أن الدستور لم يعد شأنا جماهيريا بعد 1962، لكن، الآن، الشباب في قلب السياسة وقوى التغيير تتفاعل مع حركة 20 فبراير وتتفاعل فيما بينها. ماهو تقييمك لهذا الحراك الذي يعرفه المغرب الأن. تجدر الإشارة،أولا، إلى أن ما يحدث الأن في عدد من البلدان العربية من تحطيم لحواجز الخوف ومن اندفاعة شعبية حازمة في المطالبة بإسقاط الاستبداد والفساد والقهر ومن إصرار الشارع على التغيير والديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية وتسارع للأحداث السياسية في جغرافيا العالم العربي وفي تضاريس صناعة القرار الدولي، تحطيم واندفاعة وإصرار وتسارع انطلق ذات 17 دجمبر 2010 عندما أقدم شاب معطل اسمه محمد البوعزيزي في قرية نائية اسمها سيدي بوزيد في بلد عربي اسمه تونس على إحراق نفسه احتجاجا على الحيف وعلى غياب الآذان والإرادة القادرة على الإنصات الجدي لهموم المهمشين ولانشغالات ضحايا التوزيع الغير العادل للثروة وللسلطة، تجدر الإشارة إلى أن هذا النهوض وهذا المد وهذا الزخم وهذا الحدث التاريخي العظيم يتجاوز بكثير مفهوم الثورة بمعانيها الكلاسيكية ويضع الفكر والسياسة والتجارب أمام وضع جديد لم يكن متوقعا حتى من طرف أجهزة الاستخبار العالمية ومراكز البحث والدراسات الاستراتيجية ولن نستطيع إدراكه واستيعابه وفهم قوانينه وخلاصاته إن نحن لم نتخلص من الأرتدكسية والدغم والتبسيط والاطلاقية. يجب الإقرار بأننا أمام حراك شعبي أجهز على أنظمة غاية في الاستبداد والحصانة الأمنية( تونس – مصر ) بدون إذن أو سابق إنذار أو مؤشرات تسمح بالتوقع وفي مدد قياسية ( 23 يوم في تونس و 18 يوم في مصر ) وأحيى إمكانيات التغيير وهي رميم في اليمن والبحرين والجزائر والأردن والمغرب وسوريا وحتى في الكويت والسعودية وفلسطين وأفضى إلى موازين قوى داخلية وجيواستراتيجية تختلف تماما عما كانت عليه قبل 17 دجمبر 2010 وتختل بالكامل لصالح التغيير في البلدان العربية ولصالح توازن حقيقي ما بين المصالح وحقوق الشعوب داخل أروقة صناعة القرار الدولي ( لاحظوا معي معنى استقالة وزيرة الخارجية الفرنسية وتصريحات قادة الدول أعضاء مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي إزاء القمع وذهابهم إلى حد استعمال القوة ضد القدافي ). هذه تحولات تاريخية ستكون لها تداعيات نوعية على مستقبل الشعوب والعلاقات الدولية ولا بد أن نتأملها بتواضع وتروي مهما كنا لأنها أكبر منا جميعا وفاجئتنا جميعا وتجاوزتنا جميعا. أما فيما يتعلق بالحراك الذي يعرفه المغرب الآن، فاسمحوا لي أن أذكر بأن المغاربة عموما والشباب على وجه التحديد كانوا إلى أمد قريب جدا عازفين عن السياسة وصناديق الاقتراع والمؤسسات. وقد تأكد ذلك بشكل مخيف في انتخابات 7 شتمبر 2007 رغم إعداد جمعية 2007 دابا ومدها بالإمكانيات المالية واللوجستية لإقناع المغاربة بجدوى المشاركة في التصويت ورغم خطاب ملكي جاء يحث على نفس الأمر، لم يذهب إلى صناديق الاقتراع سوى 37 % من المواطنين المسجلين كان منهم أكثر من مليون بطاقة ملغاة. ودعوني أذكر بأنه رغم رمزية القرب من الملك والإمكانيات وأشياء أخرى وظفها حزب الأصالة والمعاصرة فإنه لم ينجح خلال الانتخابات المحلية لسنة 2009 سوى في تكريس تأثيث المشهد التمثيلي والنيابي بالأعيان ولم يفلح سوى في تشجيع الترحال كأحد تجليات التردي السياسي الذي يعيشه المشهد الوطني في المغرب. اسمحوا لي أن أذكر كذلك بأزمة الثقة الحادة بين المواطنين والأحزاب وبعدم اكتراث الناس بانشغال مركزي كان دائما لدى القوى الديمقراطية بدءا بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية وصولا إلى الحزب الاشتراكي الموحد مرورا، وإن بتفاوتات ومقاربات مختلفة، بمختلف فصائل اليسار المغربي وأقصد بذلك انشغال الإشكال الدستوري. الدستور لم يعد شأنا جماهيريا بعد 1962... الآن الشباب في قلب السياسة وقوى التغيير تتفاعل مع حركة 20 فبراير وتتفاعل فيما بينها ( التنسيق بين الحزب الاشتراكي الموحد والطليعة والنهج والعدل والاحسان – تعديل العدل والاحسان لخطابها وانتصارها للدولة المدنية وللديمقراطية – محاولة الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية الخروج من ثقافة الضوء الأخضر وركوب خيار المبادرة المستقلة) والمطالبة بدستور ديمقراطي يمنح السيادة للشعب أصبحت تتردد في الشوارع والمدن المغربية على امتداد الوطن إلى جانب مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية مهمة جدا. هذه تحولات عميقة للغاية أكيد أنها ستوفر فرص تغيير سياسي ودستوري واقتصادي واجتماعي ينقل المغرب من وضع الفساد السياسي والريع الاقتصادي والحيف الاجتماعي إلى مغرب الديمقراطية والحريات والتنمية والعدالة الاجتماعية. لا يمكن أن يستسيغ المغاربة، بعد الآن، وزيرا أولا يصرح بأن برنامجه هو خطاب الملك. لا يمكن أن يقبل الناس أن يوظف أي كان القرب من الملك في السياسة أو الاقتصاد أو النفوذ. الملك صديق لكل المغاربة وليس لبعض من لم يقرؤوا التاريخ جيدا. لا يمكن أن يبقى تسعة ملايين مغربي تحت عتبت الفقر وبعض العائلات تصول وتجول في الثراء والبذخ. المغرب ملك لكل المغاربة وليس لتلك العائلات. لا يمكن أن تمكث تلك الفوارق المهولة في الأجور والفرص والطموحات. مغرب ما بعد 20 فبراير 2011 لن يكون هو مغرب ما قبل 20 فبراير 2011 بكل تأكيد والانتقال السلمي والحضاري نحو وضع أفضل أظنه قد بدأ. ماهي قراءتك للخطاب الملكي ليوم 09 مارس 2011. لقد تحدثت عدد من القوى السياسية الديمقراطية ومعها بعض من أساتذة القانون الدستوري وفعاليات أخرى، منذ مدة، عن استنفاذ دستور شتمبر 1996 لمبرراته ومهامه وسياقه وأن وثيقة دستورية جديدة، شكلا ومضمونا، باتت ملحة إن أراد المغرب فعلا انتقالا حقيقيا نحو الديمقراطية. كما أن ما حصل بعد الانتخابات التشريعية لعام 2002 من تعيين لوزير أول تقنقراطي والخلاصات التي خرج بها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في ندوته الشهيرة ببروكسيل سنة 2003 عن ثنائية الدولة والحكومة والمعيقات الدستورية للتحول الديمقراطي، ناهيك عن مرور أزيد من عقد من الزمن على تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم وما عرفته هذه السنوات، على الأقل في بداياتها، من دينامية وإصلاحات ومبادرات لم تقترن بمراجعة الدستور. كل هذا دفع إلى التساؤل عن دواعي تفادي الدولة لفتح ورش الإصلاح الدستوري. ولعل المآل الذي عرفته مذكرة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المرفوعة بتاريخ 8 مايو 2008 في هذا الصدد له أكثر من دلالة وأكثر من معنى. 17 يوما بعد المسيرات التي دعت إليها حركة 20 فبراير يأتي الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 ليتحدث بوضوح عن تغيير دستوري سيهم دسترة الأمازيغية وترسيخ دولة الحق والقانون والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وتوطيد مبدأ فصل السلطات والنهوض بدورا لأحزاب وتعزيز آليات تخليق الحياة العامة وحماية الحريات الفردية والجماعية. هذه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح تعبر عن بعد نظر كما قال عبد اللطيف اللعبي لا يمكن إلا الإقرار به. لكن هناك أمران لا بد من معالجتهما. الأمر الأول متعلق بضرورة تدارك الأشياء لتشجيع الجميع على المشاركة في نقاش وطني يفضي إلى دستور ديمقراطي متوافق حوله ويعفي المغرب من أن يخطأ مرة أخرى موعده مع التاريخ في خريف 2011. ولعل أهم الإشارات المطلوبة الآن هي إطلاق المعتقلين السياسيين وتخلي الدولة عن فكرة حزب الدولة و إقرارها بأن أحزاب الإدارة لم يكن لها في يوم من الأيام هاجس اسمه تغيير الدستور. وفي هذا الصدد يمكنني القول أن الدولة لديها عبئان الآن.عبئ المعتقلين السياسيين وعبئ حزب الدولة. أما الأمر الثاني فهو مرتبط ببناء أجواء جديدة ما بين الفرقاء بابتعاد الدولة عن خيار القمع وابتعاد بعض القوى عن خيار الوهم. وعلى أية حال، فكما أن حركة 20 فبراير ودينامية الشارع المغربي في محيط إقليمي يريد التغيير ومحيط دولي يحمي الحق في المطالبة بالتغيير قد أفضت إلى خطاب 9 مارس 2011، فإن استمرار النفس الاحتجاجي السلمي والحضاري وتطور الحركة إلى قوة ميدانية وقوة اقتراحية سيحمي التغيير من محاولات الالتفاف والمصادرة وسيحميه أيضا وأساسا من اجترار منطق التحريف والمغامرة. هل تعتقدون أن الأحزاب التاريخية قد استنفذت مهامها وتجاوزتها الأحداث والشباب، و كيف ترون الآفاق الممكنة لمغرب جديد؟ أكيد أن حركة 20فبراير قد أحيت الأمل في التغير وأعادت الاعتبار للإرادة والسياسة وصوت الشارع واستطاعت الضغط من أجل طرح كل الملفات والمعضلات الكبرى للبلاد على الطاولة ودفعت الأحزاب لمراجعة أدائها وتنظيماتها وديمقراطيتها، إلا أن الأساسي في الأمر أن مطالب حركة 20 فبراير هي مطالب طرحتها القوى الديمقراطية واليسارية منذ 1962 وأدت عنها شهداء ومنفيين ومعتقلين ومختطفين وتضحيات جسام. الأهم في المرحلة، من وجهة نظري، هو تكاثف جهود كل الغيورين عن المغرب وعلى تقدمه واستقراره وكل من يريد الحرية والعيش الكريم للمغاربة. حركة 20 فبراير لها دورها والأحزاب المناضلة لها دورها والجميع معني بالتواضع والمراجعات والنقد الذاتي وتغليب المصالح العليا للوطن. المغرب لن ينطلق من فراغ بل من تراكمات انطلقت في خريف 1996 وعرفت تطورات نوعية ابتداء من صيف 1999. بطبيعة الحال جيوب ترفض التغيير الذي يمس مصالحها، لكن التغيير قد أخذ مساره ومن الصعب التراجع عنه... المغرب في حاجة إلى دستور ديمقراطي عصري يعزز الطابع البرلماني لنظامنا السياسي ويؤسس للحكومة السياسية المنتخبة والمنبثقة من الأغلبية والمسؤولة أما البرلمان والمعرضة للمساءلة...المغرب في حاجة إلى إصلاحيات سياسية تقطع مع منطق صناعة الأحزاب وتفصيل الدوائر الانتخابية على مقاس الأعيان وتدخل الأجهزة الإدارية والأمنية في انتخاب رؤساء الجماعات المحلية والجهوية...و المغرب في حاجة إلى إدماج كل القطاعات المنتجة والخدماتية في الاقتصاد المهيكل ومحاربة الريع والبحث عن وسائل جديدة لإنتاج الثروة وتطوير المؤسسات العمومية وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي...و في حاجة إلى ملاحقة ناهبي المال العام ومكافحة تفشي الرشوة والمحسوبية في عدد من المرافق والمؤسسات وتفعيل تقارير المجلس الأعلى للحسابات. المغرب في حاجة إلى إعادة تهيئة المدرسة العمومية. المغرب في حاجة إلى وضع سقف معقول للأجور والزيادة في رواتب العمال والمستخدمين والموظفين والأطر وحل مشكل غلاء الأسعار والعقار. المغرب في حاجة لتشغيل بناته وأبنائه حاملي الشهادات المعطلين. المغرب في حاجة إلى الإنصات لمهمشاته ومهمشيه. المغرب في حاجة إلى توسيع مجال الحريات والتعبير.المغرب يستحق كل هذا والمغاربة يستحقون كل هذا. وكل هذا ممكن إن توفرت الإرادة السياسية والنوايا الطيبة.