لدى الموريتانيّين أساليبهم في مقاومة شدّة البرد في فصل الشتاء. عادة ما يتناولون وجبات دسمة وساخنة تمنحهم الطاقة والدفء وتحميهم من الأمراض، خصوصاً نزلات البرد. وتتنوع هذه الأكلات بين تلك الشعبية القديمة، وأخرى اكتسبوها خلال حقبة الاستعمار لتصير جزءاً من النظام الغذائي المحلي، وإن استبدلوا بعضاً من مكوّناتها. وتشهد مناطق عدة في موريتانيا انخفاضاً شديداً في درجات الحرارة، ما بين ديسمبر وفبراير، على الرغم من طبيعة البلد الصحراوية وارتفاع درجات الحرارة معظم أيام السنة. إلا أن قساوة فصل الشتاء في مناطق الشمال والشرق تدفع السكان إلى تغيير نظامهم الغذائي، خصوصاً أن سكان هذه المناطق بغالبيتهم هم من الرحل وعمال شركات التعدين، الذين يعملون في العراء ويتعرّضون لبرد الصحراء أكثر من غيرهم. الكسكس والسمن يقول محمد مولود ولد الحنفي (45 عاماً)، وهو من سكان ازويرات (شمال البلاد)، إن بعض الأكلات تختفي تماماً في فصل الشتاء، وتستبدل بأخرى دسمة تمدّ الجسم بما يحتاجه طوال اليوم، وتساعد أولئك الذين يعملون في البر ليلاً أو في الصباح الباكر. ويوضح أن "من يعرف الصحراء، يدرك برد لياليها. لذلك، يعتمد الناس على أطباق مختلفة لمقاومة البرد، وأشهرها حساء الشعير والكسكس مع اللحم والسمن، بالإضافة إلى طبق الأرز والسمك وخبز القمح ورؤوس الأغنام المشوية". من جهة أخرى، فإن التقلبات المناخيّة التي تشهدها بعض مناطق موريتانيا خلال السنوات الأخيرة، والتي أدت إلى انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، أدت إلى إحياء بعض تقاليد تساعد على الوقاية من برد الصحراء القارس، وعودة هذه الأكلات من جديد لتتصدر موائد الطعام. وتقول فاطمة بنت السبتي (38 عاماً)، وهي ربة منزل، إن الأكلات الشعبية الدسمة التي دأبت الأسر الموريتانية على تحضيرها في فصل الشتاء لمواجهة البرد، تختلف من منطقة إلى أخرى، مشيرة إلى أن بعض المناطق تفضّل أكلة "العيش"، فيما تفضّل أخرى اللوبياء والطبق المعروف محلياً ب "مافي"، المكون من لحم الماعز أو الجمال والطماطم والبامياء والفول السوداني والأرز. تضيف أن ثمّة من يفضل أكلات تعتمد على السمك المقدد أو اللحم المقدد. وترى أن "تمسّك السكان بملابسهم التقليدية الخفيفة التي لا تتناسب مع الطقس البارد، يزيد من حاجتهم إلى مأكولات ووجبات غنية بالسعرات الحرارية والبروتينات، التي تمد الجسم بالطاقة والدفء". وتشدد على أن "برد الصحراء لا يعرفه إلا أبناء الصحراء"، لافتة إلى أنه جاف وقاس. خديجة الطيب – العربي