لطالما اعتدنا على عبارة "فتح تحقيق في الموضوع" كعبارة رنانة مهدهدة تمارس تنويما مغناطيسيا على المغاربة سواء من الحكومة الآنية أومن الحكومات السابقة، عبارة تبدأ بالضجيج لتنتهي على الرفوف، عبارة تبدأ بإلهاء الناس وربح الوقت في انتظار قضية أخرى تطفو على السطح، وهكذا دواليك في جو من استهبال المغاربة واستغبائهم. وتاريخ حكوماتنا هو تاريخ فتح تحقيقات ومحاكمات مجهولة الأفق والمصير، حتى صارت مجرد فعل تدبير لحرج سياسي في محطات معينة من أجل الهروب إلى الأمام، وإن صدرت محاكمات في قضايا فساد فهي غالبا تكون محاكمات انتقائية وتصفية حسابات أكثر مما هي عدالة مضبوطة وقوانين جارية، حتى غدت عبارة "فتح تحقيق" مجرد امتصاص لاحتقان شعبي لحظي ليطول الأمد و يصير وعد التحقيق أمطل من عرقوب كما يقال بدءا من اختلاسات صندوق الضمان الاجتماعي إلى قضية سياش CIH…. انتهاء بحادثة حافلة طانطان وحادث الصويرة وفيديو تعرية الزفزافي وواقعة الاعتداء على المحتجين في قضية "كالفان"، تحقيقات تفتح إلى أجل غير مسمى، أما المحاكمات لتكميم الأفواه وقمع النشطاء والحقوقيين، فتمضي ويا للعجب بسرعة البرق. إكرام العبدي ومن كثرة ترداد هاته العبارة "فتح تحقيق في الموضوع"، فقدت مصداقيتها، وصارت نكتة تضحكنا وتبكينا في الآن نفسه، حتى تصورنا أن التحقيق في حادث بوقنادل سيحذو حذو التحقيقات الأخرى، لكنه كان أسرع من قطار بوقنادل، فالمتابع بتهم القتل و الجرح الخطأ مواطن مغربي بسيط، و تمت إحالته على هيئة المحكمة الابتدائية بسلا في حالة اعتقال لمحاكمته، وهو بالفعل يتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الحادث بسبب الإفراط في السرعة، فأنا لست ضد هاته العقوبة ولكن ضد المماطلة في محاكمات تمس الكبار والإسراع في تحقيقات تمس البسطاء، مع أن الكل سواسية أمام القانون. لماذا لم تتزي كل التحقيقات والمحاكمات السابقة بزي المسؤولية والشفافية والصرامة، وتستتبع آليات المحاسبة كل وزير أو برلماني أو صحفي أو سائق على قدم المساواة دون تدخل من علٍ وبدون أية انتقائية أو تصفية حساب خصوم سياسيين أو تمييز؟. في كوريا الجنوبية تتلقى الرئيسة "باك جون هاي" حكما بالسجن بمعية صديقتها، وهي أول سيدة تجلس على كرسي الرئاسة في بلادها، وحققت لبلادها مركزا مرموقا بين دول العالم المتقدم، لكن في نهاية الأمر سمحت لإحدى صديقاتها من سيدات الأعمال بالفساد واستغلال علاقة الصداقة برئيسة البلاد لتحقيق مكاسب مالية بمخالفات قانونية، وهي نفس التهمة التي تواجه الرئيس السابق في فرنسا نيكولاي ساركوزي بعد اتهامه بتلقي أموال من معمر القذافي ساعدته في حملته الانتخابية على الوصول إلى كرسي الرئاسة.
نحن إذن أمام دول وحكومات تحارب الفساد بحق ولا تبرر وجوده بعالميته، المثير للاشمئزاز ما يحدث عندنا من سكوت عليه وملاحقته ظاهريا، دون أدنى درجة من درجات الجدية والحسم، فكفى من استغباء المواطن المغربي، فله الحق في معرفة مجريات كل المحاكمات وتفاصيلها ومآلاتها عوض دسها بين الرفوف بسحنات البراءة والطهارة والغموض إلى أجل غير مسمى.