الدعوة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في مؤتمر الأطراف كوب 28 بدبي من أجل بلورة ميثاق للعمل لمواجهة التحديات المناخية تنطوي على رؤية عملية واستباقية تنسجم إلى حد كبير مع الإجراءات والاستراتيجيات التي يدافع عنها جلالته باستمرار سواء من خلال الأوراش الكبرى المفتوحة في بلادنا أو من خلال المقترحات والتصورات التي يقدمها المغرب في المنتديات الدولية. الميثاق الذي دعا إليه جلالة الملك إشارة واضحة إلى أن قضايا المناخ والبيئة يجب أن تخرج من دائرة الجدل السياسي والنقاش الفكري العقيم الذي غرق فيه العالم خلال العقد الأخير إلى دائرة الالتزام والانخراط الجدي المسؤول الذي يمكن أن تُقدم من خلاله الدول حساب إنجازاتها بانتظام. واختيار هذا الاقتراح يؤكد أيضا أن القضية المناخية والبيئية مسألة أخلاقية بالأساس، تسائل دول العالم لا سيما المتقدم، الذي يُعتبر المسؤول الأول عن انبعاثات الغازات الدفيئة التي تقف وراء ظاهرة الاحتباس الحراري. يقول جلالة الملك في الرسالة التي بعثها إلى المشاركين في المؤتمر: "من خلال هذا الميثاق تستطيع البشرية أن تثبت بأفعال ملموسة أن الأهداف الطموحة ليست بالضرورة عصية عن التنفيذ". ولعلّ الإشارة إلى الأفعال الملموسة تؤكد أن وقت التفاوض قد انتهى ووقت العمل قد حان كما ذكر جلالة الملك. بعبارة أخرى إن بلورة هذا الميثاق يمكن أن تمثل خطوة أولى في طريق التخلص من ظاهرة التنصل من المسؤوليات التي عبّر عنها العديد من قادة وزعماء الدول الكبرى المسؤولة عن هذه المعضلة. نتذكر جميعا كيف أصابت لوثة تمزيق الاتفاقات السابقة الرئيس الأميركي المثير للجدل دونالد ترامب ودفعته إلى التراجع عن اتفاق كيوتو الذي كان يفرض على الدول الكبرى خفض انبعاثات الغاز أو أداء فاتورتها على الأقل وفقا لقاعدة: من يلوث أكثر يدفع أكثر. لقد انتقدت الرسالة الملكية بشكل صريح مسألة "التدرج البطيء" في التعامل مع المسألة المناخية، وهي اختيار سياسي لازَمَ لسنوات طويلة المقاربات الدولية في مجال البيئة والمناخ، وعطّل الكثير من القرارات والإجراءات التي كان من الممكن اتخاذها منذ زمن لتحقيق التقدم في مواجهة التحديات البيئية، التي تلقي بظلالها بالأساس على العديد من دول الجنوب ولا سيما في القارة الإفريقية. وهذا ما يفسر ترافع جلالته في هذه الرسالة من جديد عن القارة الإفريقية التي لم تتلق من الدول الغربية سوى 30 مليار دولار أمريكي في سنة 2020 في إطار التمويلات السنوية المرصودة لقضايا المناخ، وهو ما يمثل أقل من 12 في المائة من إجمالي احتياجاتها. لذا فإن الفلسفة الناظمة لهذا المقترح الملكي هي إحداث قطيعة كبرى وفعلية مع النهج الدولي السابق في ميدان التصدي للتغير المناخي باتخاذ قرارات جريئة وشجاعة والسير قُدما في تنفيذها بصدق وانضباط. دون هذا التوجه من الصعب أن يتدارك العالم الفجوة الهائلة التي تكرّست اليوم بين دول الشمال الغنية التي تفرز انبعاثات مخربة للبيئة وبين دول الجنوب الفقيرة التي تدفع ثمن هذا التخريب بيئيا وديمغرافيا واقتصاديا. يرفض جلالة الملك محمد السادس "أنصاف الحلول" التي تَسِم النهج العالمي الحالي، ويريد أن يستفيد المنتظم الدولي من التجربة المغربية لا سيما في مجال الطاقات المتجددة، وهي التجربة التي تحقق اليوم نتائج هائلة وقريبا ستضع المغرب ضمن مصاف الدول الأولى في العالم التي تعتمد في مواردها الطاقية على مصادر غير أحفورية وغير ملوثة. كم من مؤتمر أطراف كوب سنحتاج إليه إذاً حتى يشرع العالم فعلا في تنزيل الإجراءات والالتزامات البيئية الهادفة إلى مواجهة التغير المناخي؟ الرسالة الملكية التي وجهها جلالته إلى مؤتمر كوب 28 إشارة تاريخية ينبغي استلهام مقترحاتها في هذا الإطار عاجلا أو آجلا لأن العالم لا يمكنه ينجو من مخاطر التغير المناخي إلى الأبد.