من المواضيع الحارقة التي تلهب حسد الكابرانات باستمرار وتدفعهم إلى إطلاق تصريحات خرافية أو تصدير أرقام فلكية إلى الواجهة البون الشاسع بين صادرات المغرب وبين صادرات الجزائر. هذه الفجوة الهائلة بينهما مؤلمة ومغيظة تماما لنظام العسكر الذي يروج منذ بداية ولاية الرئيس الحالي لشعار الجزائرالجديدة. والجزائرالجديدة بالنسبة إلى هؤلاء يجب أن تخفي ما أمكن حقيقة اقتصادية خطيرة وهي أن هذا البلد لا يكاد ينتج شيئا أكثر من النفط والغاز. ولهذا سيلاحظ المتابعون باستمرار حرص عبد المجيد تبون مثلا على تلميع أرقام الصادرات الجزائرية ولو من باب المبالغة بل والكذب البواح. من مظاهر هذا التهافت الكاذب التصريح الخرافي الذي أطلقه عبد المجيد تبون هذا الأسبوع عندما أعلن أن بلاده ستحقق خلال سنة 2023 الجارية رقم 13 مليار دولار من الصادرات غير الطاقية، أي ما يعادل 22 في المائة من مجموع صادرات البلاد. هذا يعني وفقاً للأرقام التي أُعلنت رسميا السنة الماضية أن هذه الصادرات ستنتقل في ظرف أقل من عام واحد من 7 مليارات دولار (وهو رقم مفبرك أيضا) إلى 13 مليار دولار، أي بما يقارب الضعف. نمو بهذا الشكل في مجال الصادرات لا يمكن أن يوصف إلا بكونه معجزة. ولا يتحقق عادة إلا نادرا في بعض الاقتصادات السريعة النمو كما هو الحال بالنسبة إلى النمور الآسيوية. والحقيقة أن الرقم الحقيقي للصادرات الجزائرية غير النفطية لا يكاد يصل إلى 3 مليارات دولار في أحسن الأحوال. وما يؤكد أن الرئيس الجزائري يطلق الكلام على عواهنه هو أن الأرقام الفلكية التي يذكرها في تصريحاته لا تتضمن أي إشارة إلى التفاصيل التقنية لهذه الصادرات. لا أحد يعرف ما المواد التي تصدرها الجزائر زيادة على الغاز والنفط؟ هل هي مواد فلاحية أم صناعية أم خدمات؟ ومادام "الكلام ببلاش" كما يقول الأشقاء المصريون فما الذي سيمنع الرجل من إطلاق ما يريده من أرقام!! لكننا نفهم أسباب هذه المبالغة في تضخيم الأرقام الخاصة بالصادرات واختلاق منجزات من الفراغ. السبب الأول داخلي والثاني خارجي. ولنبدأ بالسبب الداخلي الذي يتعلق باعتبارات انتخابية. فالرئيس الحالي هو الذي رسم للناخبين الجزائريين أحلاما وردية خلال حملته الانتخابية في دجنبر 2019. حينها تحدث الرجل عن الكثير من الخطط والمشاريع ومن بينها رفع صادرات الجزائر من المواد غير الطاقية. فعلى الرغم من أن هذه الانتخابات مقررة في نهاية سنة 2024 إلا أن النظام العسكري، يحس بوطأة الحصيلة الهزيلة التي حققتها البلاد منذ أواخر 2019 تاريخ انتخاب عبد المجيد تبون. لم ينجح تبون لا في تدشين قطار تمنراست ولا في تعزيز الإنتاج الوطني من البطاطس، ولا حتى في استيراد ما يكفي من مادة الحليب. وأمام هذا الفشل الذريع لا يبقى أمام نظام الكابرانات غير محاولة التلاعب بالأرقام وتضخيمها حتى دون بذل أيّ جهد في بلورتها وصياغتها في تقارير رسمية محبوكة. بل إن هذه الحمى الانتخابية التي تسكن النظام الجزائري اليوم هي التي تحجب عنه حتى تلك المفارقات والتناقضات التي قد يقع فيها. فعلى سبيل المثال لم ينتبه تبون وهو يطلق كذبته عن بلوغ رقم 13 مليار دولار في الصادرات غير الطاقية أن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية سبق لها أن نشرت مقالا يقدم أرقاما أقل بكثير مما قدمه هو. والسبب الثاني خارجي يتعلق كما العادة بمحاولة المنافسة اليائسة مع المغرب. فالنمو الذي تحققه صادرات بلادنا في كافة القطاعات الفلاحية والصناعية والمعدنية تثير غيرة الكابرانات، وتخلق إحراجا حقيقيا لهذا النظام الذي على الرغم من امتلاكه موارد طاقية هائلة إلا أنه ظل عاجزا عن بناء اقتصاد عصري منتج وتنافسي. وبقيت الدولة الجزائرية معتمدة تماما على مواردها من صادرات النفط والغاز. بينما نجح المغرب خلال عام 2022 في تحقيق أكثر من 38 مليار دولار من الصادرات، ويستهدف هذا العام بلوغ رقم 45 مليار دولار. هذه الصادرات ليس فيها لا غاز ولا نفط، وترتكز بالأساس على صناعة السيارات والأسمدة والمنتجات الفلاحية وغيرها.