خصصت جريدة الأخبار، في عددها الصادر يومه الثلاثاء 7 فبراير 2023، افتتاحية للتعقيب على التصريحات المنسوبة للسفير الفرنسي الجديد بالمغرب، والتي برأ من خلالها السلطات الفرنسية من القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي مؤخرا، منتقدة تناقض تصريحات السفير مع الواقع، ومقدمة في نفس السياق العديد من المعطيات التي تؤكد التوجه الجديد للسياسة الفرنسي، والذي يتحكم فيه بقدر كبير الغاز الجزائري. وكالآتي نص الإفتتاحية : يبدو أن التصريحات التي أعلن عنها السفير الفرنسي الجديد بالمغرب، كريستوف لوكورتيي، بكونه أرسل إلى الرباط «لطي الصفحة»، وأن ما صدر عن البرلمان الأوروبي، بشأن حقوق الإنسان وحرية الصحافة في المغرب، لا يعني السلطات الفرنسية ولا تقف وراءه فرنسا، مجرد لباقة دبلوماسية لا تؤكدها الوقائع الملموسة على أرض الواقع. والحقيقة التي لا يمكن تغطيتها بكلام دبلوماسي معسول، هي ما كشفت عنه الصحيفة ذائعة الصيت «الإيكونوميست» من أن فرنسا في طريقها للتخلي عن المغرب لصالح الجزائر بسبب الغاز. ويكفي النظر إلى الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي البلدين بمناسبة وبدون مناسبة، للتأكد من ميل فرنسا إلى نظام «الكابرانات» على حساب مصالحنا العليا، حيث حلت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، بالجزائر في 9 أكتوبر الماضي في زيارة ليومين رفقة 16 وزيرا، تم خلالها عقد الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى بين البلدين، التي لم تجتمع منذ 2017. وفي 10 أكتوبر المنصرم افتتح وزير الطاقة الجزائري، ومفوضة شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي، المنتدى السنوي الرابع لحوارات الطاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بالجزائر العاصمة بتدخل من فرنسا، بعد آخر اجتماع بهذا الخصوص منذ عام 2016. وارتقت اللقاءات الدبلوماسية عندما حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجزائر، نهاية غشت الماضي، لطمأنة تبون بكلمات غزل دون اعتذار من فرنسا. وخلال الشهر الماضي استقبل الإليزيه رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، لعقد صفقة سلاح لاستخدامها ضد بلدنا، والتحضير لزيارة مرتقبة لعبد المجيد تبون إلى باريس، تلبية لدعوة من ماكرون، في شهر ماي المقبل. لا شك أن هذا النوع من دبلوماسية الغاز بين الجزائروباريس تعزز، لأنه بكل بساطة يسمح لفرنسا بعقد صفقات سلاح بالمليارات من الدولارات، ويجبر نظام «الكابرانات» على مسايرة رغبات قصر الإليزيه في الكثير من الأحيان في تحديد حجم وسعر النفط كيفما تريد فرنسا ومتى تشاء، ومن ثم إعادة تدوير عائدات الغاز في شراء مقابل ما تريد أن تبيعه فرنسا من سلاح ومشاريع استثمارية. وفي المقابل، فإن العلاقات بين المغرب وفرنسا دخلت مرحلة متقدمة من الجمود، طبعا العلاقة بين الرباطوباريس كانت دائما تعيش على إيقاع المد والجزر، يأتي الليبراليون فتتحسن العلاقة، ثم يعقبهم الاشتراكيون ليهدموا ما تم بناؤه من قبل. لكن منذ تولي الرئيس إيمانويل ماكرون لم تغب سحابة التوتر الخفي والمعلن عن سماء العلاقات بين الشريكين، وما زاد الطين بلة أن تداعيات التحولات الجيوستراتيجية دخلت ضمن هذه العلاقة المعقدة، ففرضت على فرنسا شراء مواقفها بالغاز الجزائري وبدعمها غير المباشر لسلطة «الكابرانات»، غير عابئة بالخروقات الإنسانية التي تجري بالجزائر، ففرنسا لم تكن تفكر يوما إلا بمصالح شركاتها ومواطنيها وأسعار البنزين في محطات الوقود، وهي مستعدة للتطبيع مع أي شيء مقابل مصالحها. وخلال أسابيع أو شهور أو ربما سنوات ستنتهي الأزمة العالمية وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها، لكن ستدرك فرنسا أنها خسرت شريكا استراتيجيا موثوقا، كان بالإمكان الحفاظ عليه، لو خففت بعض الشيء من تعاليها وجريها الفج وراء مصالحها، دون إيلائها الاعتبار لمصالح الآخرين.