ماذا بعد هذه المشاركة الأسطورية لأسود الأطلس في كأس العالم؟ هذا السؤال غاية في الأهمية بالنسبة لمستقبل كرة القدم الوطنية المقبلة على رفع العديد من التحديات والرهانات في السنوات القليلة القادمة. هناك طبعا على رأس هذه التحديات الحفاظ على هذا النفَس المتألق المرتبط بتحقيق المنجزات المهمة والسير بعيدا في كل المنافسات التي سيشارك فيها أسود الأطلس وعلى رأسها كأس إفريقيا للأمم المقبلة، التي سيدخلها المنتخب الوطني باعتباره أكبر المرشحين بالفوز بها. فبعد أن بلغ الأسود مرحلة نصف نهائي كأس العالم بقطر لن يقبل الجمهور المغربي بأقل من إحراز الكأس الإفريقية في الدورة المقبلة المرتقب تنظيمها في الكوت ديفوار الصيف القادم. لقد قدم المنتخب الوطني في جلّ الدورات الأخيرة من هذه الكأس مشاركات متواضعة لم تكن تتجاوز مرحلة الثمن أو الربع في أقصى الأحوال، فمنذ الإنجاز الهام الذي حققه أسود الأطلس ببلوغ نهائي كأس إفريقيا في دورة 2004 التي احتضنتها تونس لم يفرح الجمهور المغربي بمشاركة أخرى متميزة في هذه الكأس القارية. ولدى وليد الركراكي ما يكفي من الوقت للتحضير لهذه الدورة مستفيدا من المجموعة المتميزة التي يمتلكها اليوم وتضم لاعبين محليين ومحترفين حققوا قدرا كبيرا من الانسجام والتناغم وتسري بينهم بشكل غير مسبوق روح عالية من الرغبة في تحقيق الألقاب والانتصارات. من المفترض إذن أن يحافظ الناخب الوطني على هذه الروح بين صفوف اللاعبين وتستمر "الغرينتا" التي ظهرت في مونديال قطر في حالة تأجج حتى الموعد الإفريقي. لكن الأهم من تحقيق هذا اللقب، يبقى هو التأسيس على ما تمّ إنجازه في مونديال قطر. التأسيس هنا بمعنى تحويل هذا الإنجاز التاريخي الذي حققه أسود الأطلس ببلوغ نصف النهائي إلى فرصة ذهبية للمزيد من التطوير والنهوض برياضة كرة القدم ببلادنا. هناك حالة جارفة من الثقة بالذات والنفس تسري اليوم بشكل جماعي بين كل المغاربة، وهي حالة ستكون بدون شك في مصلحة الرياضة الوطنية، على اعتبار أن الاهتمام بكرة القدم سيتزايد وأن الإقبال على الأندية خصوصا في أوساط الشباب والمراهقين سيرتفع، وهو ما سيشكل فرصة لاكتشاف المزيد من المواهب والكفاءات في هذا المجال لأجل تكوينها وصقلها وإعدادها للمستقبل. ولعلّ التجربة التي مثّلتها أكاديمية محمد السادس لكرة القدم والنجاح الذي بلغته من خلال مشاركة بعض اللاعبين من خرّيجيها في مونديال قطر سيشكل أيضا مناسبة هامة من أجل العمل على تطوير التكوين في مجال كرة القدم ببلادنا. من غير المقبول على سبيل المثال أن تستمر الأندية الوطنية في المشاركة في البطولة الوطنية دون أن تمتلك مدارس كروية حقيقية قادرة على تأهيل الأطفال والمراهقين والشباب وتكوينهم تكوينا احترافيا للتدرّج داخل الفرق الوطنية حتى بلوغ مستوى المشاركة في قسم الكبار. لقد نجحت الجامعة الملكية لكرة القدم وضع أسس مهمة لنهضة كروية حصدنا اليوم جزء فقط من نتائجها عبر هذه المشاركة الأخيرة في مونديال قطر، ولنتخيل ما الذي يمكن أن نحقّقه إذا تم تعميم تجربة التكوين على غرار ما تقدمه أكاديمية محمد السادس لكرة القدم على كافة الأندية وفي كل جهات المملكة. من هنا فإن تكريس ثقافة التكوين والتأطير يجب أن يشكل ورشا جديدا للجامعة الملكية لكرة القدم المطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بدفع الأندية والفرق الوطنية نحو تفعيل مقتضيات الاحتراف الحقيقي، وعلى رأسها العمل على خلق مدارس كروية مستقلة تتوفر على أطر مؤهّلة قادرة على تخريج أجيال جديدة من المواهب الكروية التي سيستفيد منها المنتخب الوطني في المستقبل. ومع هذا التأهيل الذي ينبغي أن يشهده مجال التكوين الكروي والرياضي ببلادنا فإن الاستمرار في ربط الاتصال بمواهب الجالية المغربية في أوربا واستكشاف مؤهلات اللاعبين المغتربين في الخارج من يمثل أيضا رافدا مهما لا ينبغي الاستغناء عنه ليس بمنطق استغلال الفرص ولكن من باب الحفاظ على هذه الروح العالية للانتماء التي يعبّر عنها كل من تسري في عروقهم دماء مغربية ويحبّون أن يكونوا في مقدمة المدافعين عن الراية الوطنية.