يعد الوشم من العلامات الأساسية التي كانت تحتل مكانة الأيقونة، التي تبوء المرأة الأمازيغية مكانة خاصة، كونه يجمع الرموز المشحونة بالمعاني المتعددة، إذ يشكل عنصرا أساسيا يمكن من أن يحجز لنفسه مكانة متميزة في الموروث الثقافي المغربي، فضلا عن كونه يعتبر أداة أساسية في التزيين وإثارة انتباه الرجل، وقد شكل هذا البعد التزيني العامل الأساسي الذي جعل الباحثين والمؤرخين يعتبرون الوشم عنصرا مميزا للمرأة الأمازيغية، لأنه يعد بمثابة الفيصل الذي يجعلها تنفرد عن نماذج التزيين الأخرى التي أصبحت منتشرة إلى حدود "الابتذال" بين جميع النساء في الظرفية الحالية. الوشم… مطية للتعبير عن المعتقدات الفكرية في هذا الصدد، جذير بالذكر الإشارة إلى أن هناك مجموعة من الاختلافات التي طالت الوشم في الظرفية الحالية، خصوصا وأنه في القدم كان يستهوي النساء فقط ويتم اعتماده كأداة للزينة، بهدف جذب انتباه الرجال والحصول على العديد من المعجبين، غير أنه في الظرفية الحالية تجاوز حدود التزين ليغدو وسيلة للتعبير والإفصاح عن مجموعة من المعتقدات والأفكار التي يكتنزها الفرد لذاته، والتي تعتبر جزءا من يومه المعيشي الذي يسرده على نحو فني وإبداعي، يحمل الكثير من السادية والأنانية في أحيان عديدة، من خلال تطويع الجسد وجعله مقيدا وموشوما بالكثير من الرموز والدلالات الغريبة التي لم تتواضع عندها العلوم عند فهمها بعد، بل ظل مجال التخمين في دلالاتها باب مفتوح على مصراعيه. وقد حظي هذا الموضوع بالكثير من الاهتمام من قبل الدارسين والمؤرخين، خصوصا وأن معظم الشباب الذين اتخذوا من أجسادهم مطية يعبرون من خلالها عن معتقداتهم، إذ يستمدون هذه الثقافة من المجتمع الغربي، فيكون المبعث الأساسي بهذه الرسوم متعددة المعاني "التقليد الأعمى"، الذي يتمثل في تقفي أثر الحضارة الغربية من خلال استيراد مجموعة من العادات الدخيلة التي لا تمث للثقافة المغربية بصلة تذكر. رقية: "هي بقايا رسوم تقاوم الزمن…لكن دلالاتها عميقة" "رقية" ربة بيت وأم 5 أبناء، تبلغ من العمر 82 عاما، وهي تنحدر من ساكنة مدينة تارودانت، تحدثت لقناة "الدار" عن أسباب نزول هذه الخطاطات والرموز التي لازالت تطبع حيزا كبيرا من جسدها، غير أن هذه الرموز لم تظل منها سوى البقايا التي نال منها الدهر، وهذا لم يمنع من مقاومة مجموعة من الرموز والخطاطات فترة زمنية طويلة، كونها رموز خطتها أمها منذ أن كانت شابة في مقتبل العمر، بنية تقديمها في حلة العروس الجذابة حتى تستحوذ على انتباه واهتمام زوجها الذي لا يجب أن تظفر به أي شابة من الحضور، لأن الأمر يعتبر ضربا من الإهانة التي تمس بكرامة المرأة. عن دلالات هذه الرسوم تقول "رقية" الوشم يستنبط دلالاته من الموروث الثقافي المغربي القديم"هو عنوان محبة خطته أمي على جسدي منذ أن كنت في سن المراهقة، فضلا عن ذلك فهذه الرسوم تعج بالعديد من الدلالات الرمزية، ومهما حاولنا فهم هذه الأخيرة فلن نتمكن من تحقيق ذلك على المنوال نفسه الذي يخص أجدادنا، كونهم عايشوا ثلة من الأحداث التي تعتبر بمثابة الدعامة التاريخية الأولى في تفسير هذه الرموز، هي رسوم بركة، رحمة، وجمال ورثناها من آبائنا".هكذا تردد "رقية" أثناء محادثتنا، لتبلغنا عمق العبق التاريخي والتقليدي الذي يتميز به الوشم في الثقافة الأمازيغية.
عمر: "الوشم تعبير عن الملكية الفردية للذات والجسد" لا يكاد الأمر يختلف كثيرا بالنسبة لأحد الشبان الذين يتخذون من الوشم رمزا مميزا لأجسادهم، بل يعمرها بشكل كامل، ومن خلال ربط الاتصال به قال عمر في تصريح ل"الدار" إن مساره الدراسي كان عاملا أساسيا دفعه إلى اعتناق هذا المبدأ الذي أصبح جليا في حياته اليومية، خصوصا وأنه درس الفلسفة، التي فتحت له مجال الفكر بمصراعيه وجعلته يؤمن قطعا بأن الجسد هو ملكية خاصة يحظر على الآخر التدخل في شأنها، وتظل حرية التصرف من اختصاص صاحب الجسد وحده. أحمد الطالب الجامعي بمدينة فاس، الذي يدرس مادة الفلسفة في سنتها الثانية، والذي تكسوه الرموز والألوان التي تعلوا جسده كاملا، يتحدث بشكل يحيل أنه متحامل على من يناهض وشم الجسد، معتبرا ذالك انتهاكا لحرية فردية يحظر على الآخر التدخل فيها، وفي الآن ذاته يجد في الوشم الوسلة الأكثر نجاعة للتعبير مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تخالج خاطره ولا يقوى على البوح بها، كما يبرهن سبب ميوله للوشم والرسم على الجسد، قائلا" هذا جسدي وهو ملكي ولي كامل الحرية في التصرف به كما أشاء، أخط عليه أفكاري التي أستمدها من الطبيعة، والتي تشعرني أني سيد نفسي لست بعبد مملوك لأي كان، هي ليست بخطوط، إنما رسم متكلم لجسد لا يقوى على الكلام، صوت يقول أني إنسان يركع لأحلامه وأفكاره، لأحيى حياة عبقها الحرية". الوشم…ليس قصة فردية إنما ظاهرة جماعية بناء على ما سبق تبين أن الوشم لا يعتبر حكرا على عمر فحسب، إنما يعد بمثابة انعكاس مرآوي لظاهرة تطال فئة عريضة من الشباب الذين يقدمون على خط أجسادهم بالكثير من الرسومات والخطاطات، التي تؤشر على أكثر من دلالة، خصوصا وأن الحرم الجامعي يعتبر المرتع الخصب الذي تنشط على مستواه مجموعة من السلوكات التي يعتبرها جيل الآباء منحرفة وليس لها أي تفسير علمي ومنطقي، غير أن الدوافع الشخصية تختلف كون هناك البعض منهم يجهل معنى الخطوط التي تستحوذ على جسده ويكتفي بذكر اسم فنان مشهور يضعها على جسده، ما يحيلنا مباشرة على شكل صارخ من أشكال التقليد الأعمى. "هو شكل من أشكال الاشتغال على الجسد" فاطمة فايز أستاذة جامعية باحثة في الأنثروبولوجيا، بجامعة ابن زهر بأكادير تقول في تصريح لصحيفة "الدار" الوشم شكل من أشكال الاشتغال على الجسد، عبر به ومن خلاله الأمازيغ عن وعيهم بأهمية الجسد، باعتباره مرآة للذات/الفرد كما أنها مرآة للذات باعتبارها جزءا من الجماعة، فالبعد الهوياتي للوشم لا يمكن تجاوزه بحال من الأحوال. كما تضيف أنه في الماضي كان الوشم يعبر عن عمق المجتمع، كان يعبر عن روح الجماعة، فقد كان له أثر على وحدة الجماعة وعلى حس الانتماء الموحد، فيما أصبح اليوم يدلل على العكس من ذلك على قيم التفرد والفر دانية، وعلى حس الثورة على التقاليد وعلى المجتمع وقيوده.. مشيرة إلى أن ممارسة الوشم كانت منذ ما قبل التاريخ ممارسة معممة، يتعاطى لها الرجال كما النساء، الأمر الذي أشار إليه الكثير من الباحثين كمليكة حشيد و كابريل كامبس، ومع مرور الوقت صار أكثر التصاقا بالمرأة، لأن بعده التزييني بات حاضرا أكثر مقارنة مع بقية الأبعاد، حاليا بتنا أمام ممارسة أخرى للوشم، يعد الرجال أكثر تعاطيا لها، لا ترتبط بالتراث بقدر ما ترتبط بخلفيات ثقافية أخرى. غير أن الوشم ابتعد كثيرا عن بعده التزيني، وبات شكلا من أشكال التمرد على المجتمع، وشكلا من أشكال الثورة على القيود الاجتماعية، إنها طريقة الشباب في البحث عن شخصية مميزة، تأخذ مسافة من المجتمع الذي لا يحس أساسا بالانتماء إليه. رسومات تعج بالعديد من الدلالات في نفس السياق يوضح الدكتور الباحث رشيد الجرموني في سوسيولوجيا التدين لصحيفة "الدار" أن الوشم يتميز بإحالته على مجموعة من الدلالات: البعد التزييني: هو أهم هذه الأبعاد، فقد كان يوضع على الوجه والذراعين والساقين والجذع، وكان عبارة عن رسوم هندسية ورموز دقيقة تحيلنا على فنون الزخرفة الأمازيغية المختلفة التي تحضر في العمارة والنسيج والخزف البعد الجنسي: كان من جهة يعبر عن نضج جسماني وجنسي وبالتالي عن القدرة على تحمل أعباء الزواج ومسؤولياته، كما أن له دورا زجريا خاصة لما يوضع على مناطق غير بارزة مرتبطة بالفعل الغريزي كالبطن والصدر والأرداف من أجل كبح الرغبة الجنسية خاصة لدى الفتاة. البعد الاجتماعي : كان يعبر عن روح الجماعة، فقد كان له أثر على وحدة الجماعة وعلى حس الانتماء الموحد، كما أن له بعدا هوياتيا يتضح من خلاله الانتماء الاثني لواضعه البعد السحري : كان يلعب دور التعويدات والتمائم وكان يستخدم لدفع الارواح وسوء الحظ كما أشار رشيد الجرموني إلى أن الوشم لم يعد يرتبط بالجانب الجمالي لدى المرأة فحسب، إنما دخل مرحلة جديدة دخلت بدورها بنية الحداثة، يعبر من خلاله الشاب على أن الجسد ملكية خاصة له الحق في أن يفعل به ما يشاء، كشكل من أشكال العصيان الجمعي، والفردانية، من خلال الإصرار على تحرير الجسد من كل ما هو ديني وتقليدي.