الشاعر المغربي سعيد ياسف، من الأسماء الشعرية الجديدة، ينشر نصوصه بانتظام في ملاحق ثقافية وازنة، وقد أبرز حضوره بصمت، والمقربين منه يقولون عنه بأنه بعيد كل البعد عن استعراض عضلاته الشعرية في المنتديات والمهرجانات ، تواضعه هذا أسعفه لكي يكتب الشعر بصدق وحب وأن يتحدي جميع الإعاقات التي يمكنها أن تقف أمامه كحجرة عثرة، وبالرغم من الحزن في قصائده إلا أنه شديد التفاؤل بالمستقبل. وقال ل : (الزمان) حين أسعفتني الظروف لأضع مسافة بين ما كنت أحلم به وما كنت أريد، تبين لي أن للوهم مكان بينهما، هكذا استيقظ في داخلي وعي ناضج يحثني علي المزيد من المعرفة و المزيد من الانخراط في الحياة كي أكتب الشعر، ومن جانب آخر يقول "لايمكنني أن أكتب خارج ذاتي فرحاً مستعاراً في حين أني أعيش حزناً حقيقياً. وسعيد ياسف عضو اتحاد كتاب المغرب، صدر له في العام 2004 ديوان شعر:" كي أدرك أنحائي" وهو العمل الذي فاز به بجائزة بيت الشعر لأحسن إصدار شعري لسنة 2004 ، ومن بين الجوائز التي سبق ل : سعيد ياسف الحصول عليها " الجائزة الوطنية لمنتدي الشخص المعاق للابداع الشعري لعام 2002. وفيما يلي نص الحوار : - أنت شاعر ... تكتب قصائد من حين لأخر وتنشرها وتحلم بالشهرة وتحس أنك تمشي وفق التيار، والتيار أحيانا يحاول أن يعاكسك فهل تعتبر نفسك ظاهرة شعرية تريد أن تثبت وجودها؟ عندما كنت طفلا، في كثير من الأحيان، حاولت أن أجد مبررات بريئة لأشرح أمر وجود الكم الهائل من الجمال والحب والألوان والبشاعة والظلم والكراهية في هذه الحياة، و حين شب عودي صرت أقرأ بِنية البحث عن أجوبة لكل شيء، وها أنا ذا أكتب الشعر مختزلا كل الأسئلة والاستفهامات لعلي أوزع بعضا منها علي الذين يتلقون شعري، ليس بغرض الشهرة ولكن فقط من أجل أن أغذي ذلك الإحساس الجميل بأن أحدهم في منعطف ما... ينصت لك وبينكما شيء مشترك غاية في النبل والروعة و البراءة. لقد مضي الوقت سريعا ومعه مضت وتغيرت أمور كثيرة، وحين أسعفتني الظروف لأضع مسافة بين ما كنت أحلم به وما كنت أريد، تبين لي أن للوهم مكان بينهما، هكذا استيقظ في داخلي وعي ناضج يحثني علي المزيد من المعرفة و المزيد من الانخراط في الحياة كي أكتب الشعر. في زمن فشلت فيه الإيديولوجيات، وتفشت الأزمات الاقتصادية والحروب، وغزت العولمة آخر قرية في أدغال إفريقيا، يبقي الشعر هو الدليل الوحيد علي إنسانيتنا والبيان اليومي ضد من يقودنا إلي الهاوية، لهذا جعلت من الشعر قلعتي وبرجي. - في قصائدك حزن أكبر من الوطن هل هذا الحزن استعارة أم هو حقيقة تعيشها ؟ - في الديوان الأول "كي أُدرِك أَنْحَائِي" حاولت جاهدا أن أصفي حساباتي مع كل الماضي الطفولي إن جاز التعبير ، و قد اخترت التيمة الأكثر قربا إلي هذه المرحلة، لطالما شبه الأصدقاء ديواني الأول بالبكائية، و لكن لا يمكنني أن أكتب خارج ذاتي فرحاً مستعاراً في حين أني أعيش حزناً حقيقياً. وتجربة الديوان الأول غالبا ما تكون مغرقة في الذاتية إلا أن القصائد التي تلته تجاوزت فيها الحزن الصغير: حزني أنا، إلي حزن أكبر: حزنُنا نحن. - ما الذي يميز شعرك بدءا من مصدر الإلهام و مرورا بالتيمة أو الموضوعة إلي غاية التشكيل النهائي للقصيدة ؟ - كغيري من الشعراء أحلم بالقصيدة التي أرضي عنها وترضيني، ما يشكل الخيط الرابط بين كل المكونات التي جاءت في سؤالك هو تفاعلي بحساسية مع ما أعيش وما أري في لحظات دهشة أوغضب أوإعجاب أواستغراب...الخ، وبعده تأتي القصيدة كضيف غير مرتقب، دون موعد أو رسميات أوحتي بروتوكول. إلا أن أهم الخطوات، بعد اختمار الفكرة، تكمن في المسافة بين القلم والورقة إذ يحضر الإيقاع ومن ثمة تنطلق صور وانزياحات واستعارات في التناسق فيما بينها لتكتمل ملامح القصيدة، هكذا أبقي أراودها لوقت طويل حتي تنقاد لي، وغالبا ما أعيد النظر في ما أكتب وقد ألغيه تماما، الشيء الذي يجعلني مقلا في إنتاجي الشعري. - جيلك الشعري كثيرا ما يطاله التهميش واللامبالاة من طرف مؤسسات ثقافية أو من طرف النقد، فهل تعتقد نفسك من المحظوظين أم من المغضوب عليهم ؟ - فلنبدأ من حيث يجب، ليست مسألة المجايلة مهمة حين نتطرق إلي موضوع التهميش الذي يطال بعض الكتاب دونا عن الآخرين، لأن هذه اللامبالاة عابرة للأجيال، فالراهن الثقافي بالمغرب يعاني للأسف من وجود مثقفين، منهم الشباب والشيوخ، لهم مراكزهم في المنابر الإعلامية والدواوين الوزارية وأمانات الأحزاب مستعدين لفتح حروب صغيرة وأغلبها وهمي علي كل من يخالفهم الرأي والانتماء السياسي، ناهيك عن وجود نوع آخر من المثقفين المخمليين، شبابا وشيوخا أيضا، لهم نواديهم وأنشطتهم وصحفيوهم ونقادهم، وأري نفسي لا إلي هؤلاء و لا إلي أولائك، بل أنا من طينة البسطاء وليست لي طموحات سياسية و لا أتهافت لا علي مال ولا شهرة ولست تابعا لأحد بعد أن نشرت لي وزارة الثقافة ديواني الأول ضمن سلسلة الكتاب الأول، لم أستغرب من عدم توزيعه، ولم أهتم كثيرا لعدم تناوله كمنتوج أدبي قابل للدراسة النقدية من قبل (النقاد)، لأني ببساطة أعرف أن المسألة تكررت مع كثيرين. وأنا الآن علي يقين تام أن لا مكان للحظ في هذه الأمور، الكل ممنهج ويمشي وفق خطة: نحن و من بعدنا الطوفان (أقصد الأوصياء علي الشأن الثقافي). - ما الذي يشغلك الآن وتريد أن نناقشه ؟ -ما يعيشه المثقف المغربي خصوصا والعربي عموما، والسوق السوداء الثقافية التي صارت رائجة في العالم العربي، وأصحاب المشاريع الفكرية الضخمة، و الشرخ الكبير الذي صار بحجم الوطن بين المثقف وواقعه، وصمت المثقفين العرب عن الظلم و القهر و....و......و إلي أين؟؟ - بمن تأثرت من الشعراء الأحياء منهم والأموات ؟ - الشعراء أحياء ولا يموتون، مادام شعرهم دليل علي وجودهم. قرأت للبعيدين في الزمان والمكان وقرأت كذلك للقريبين حَدَّ الحميمية، الشعر المختلف والجيد والمتميز أكان باللغة الأم أو مترجما، يبقي راسخا في الذهن والوجدان، طاغور، يانيس ريتسوس، بابلو نيرودا، محمد الماغوط، محمود درويش، أبوبكر متاقي، عبد الكريم الطبال، ومازلت أقرأ لعلي أجد شعراء منهم أغذي أحاسيسي وأطور لغتي وأحاول أن أكتب علي منوالهم. - يري بعض المتتبعين للإنتاج الشعري المغربي أن بعض الشعراء ومنهم الشباب علي الخصوص صاروا يروا أنه لايشق لهم غبار سيما أنهم أصبحوا ينشرون في المواقع الإلكترونية لدرجة أن الواحد منهم ينشر نصا واحدا لعدة مرات، بمَ تفسر هذه الظاهرة والاستسهال في النشر وهل يمكن أن أعتبرك أنت واحد منهم ؟ - كثيرا ما فكرت بموضوع هذا العالم الافتراضي وعلاقته بالكتابة، فهذا العالم لا يعرف قيودا أو حدودا، ووجود مواقع أدبية مفتوحة للجميع غرضها أن تسجل أكبر عدد من الزوار والمشاركات يدفع الكل لكتابة أي شيء عن أي شيء والنقر عليه كي يصير مادة مقروءة، وفي المقابل هناك مواقع أدبية ولو قليلة، لها شروط لا يستجيب للنشر فيها إلا من لهم قدرة علي الكتابة الحقيقية والجادة والجيدة. وعلي كل حال فأنا نشرت في بعض المواقع بغرض الفضول ليس إلا، أما الآن فقد قررت عدم العودة إلي تلك المواقع إلا قارئا ومتصفحا. فالكتابة ليست بهذا الاستسهال حتي يصير الكل ينزفون شعرا ونثرا والبقية الباقية تبارك ما كتبوا بالمجاملات والتحايا العالية والكبيرة كمن ينفخ في فقاقيع تتضخم وتكبر ثم تعلو إلي أن تنفجر.