تدارست نخبة من الأساتذة الجامعيين والباحثين المغاربة والموريتانيين، اليوم السبت بنواكشوط، خلال ندوة علمية حول موضوع "العلاقات الموريتانية المغربية بين عمق التاريخ وتحديات المستقبل: أي نموذج للشراكة؟"، مختلف أوجه تقارب وعمق العلاقات المغربية الموريتانية وكذا التحديات المشتركة وسبل تأسيس شراكة بناءة بين البلدين. وتمحورت مداخلات الباحثين والأكادميين في هذه الندوة التي ينظمها على مدى يومين، المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، ضمن خمس جلسات، حول سبل تجاوز مخلفات الماضي، والمداخل المناسبة لبناء الشراكة المغربية-الموريتانية، وأهم آليات مواجهة التحديات المشتركة، والدور المحوري للعوامل الثقافية والاقتصادية في بناء الشراكة، ومتطلبات الرؤية المشتركة لسياسة إفريقية موحدة.
وقال رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، ديدي ولد السالك، في كلمة، خلال الجلسة الافتتاحية، إنه بالإضافة إلى عمق الروابط التاريخية والثقافية بين موريتانيا والمغرب، والامتدادات الاجتماعية بين شعبيهما، كأرضية صلبة يمكن أن تؤسس لبناء شراكة مفيدة وناجحة لصالحهما، فإنهما يواجهان التحديات نفسها، كمشاكل بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، ومخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية.
وأضاف أن البلدين يمتلكان الكثير من الموارد المتنوعة ويوفران فرصا واعدة للاستثمار، خاصة في موريتانيا، إلى جانب تراكم خبرات بشرية في مختلف المجالات لدى المغرب، مبرزا أن ما يعزز من فرص نجاح تلك الشراكة أكثر هو التموقع الجيو- استراتيجي لموريتانيا في الجوار الافريقي، الذي يلتقي مع توجه السياسة المغربية الجديدة في افريقيا، من خلال اهتمامه في السنوات الأخيرة بتوسيع وتنشيط علاقاته مع دول القارة.
واعتبر أنه "من أجل تعزيز الدور المغربي المتنامي في افريقيا، سيكون من الضروري إقامة علاقات خاصة مع موريتانيا، عبر تأسيس شراكة متقدمة أساسها "شراكة رابح –رابح، لما تمتلكه موريتانيا من ثروات متنوعة وفرص واعدة للاستثمار، إلى جانب حاجتها للخبرات البشرية والمؤسسية للمغرب".
من جهته، قال أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، مختار بنعبدلاوي، في مداخلة خلال الجلسة الأولى، بعنوان "العلاقات الموريتانية المغربية دورة المد والجزر التي لا تكاد تنتهي" إن منطق الحكمة هو الذي ظل سائدا في العلاقات بين البلدين اللذين يجمعهما تاريخ وثقافة مشتركين، مشيرا إلى الأهمية التي يكتسيها تفعيل الاتفاقيات الجارية، وما يمكن أن يحققه من مكاسب اقتصادية وجذب للاستثمارات للبلدين.
من جانبه، قال أستاذ التاريخ بجامعة نواكشوط العصرية، محمد عبد الرحمن عمار، في عرض بعنوان "العلاقات الموريتانية- المغربية.. هل من سبيل إلى تجاوز مخلفات الماضي"، إنه في سياق دولي بالغ التعقيد، يطبعه نزوع إلى التكتلات الاقتصادية، فإن أولويات العلاقات الموريتانية المغربية تتمثل في العمل الجاد على تطوير التجارة البينية، وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع، وتخفيف القيود الجمركية تمهيدا لقيام منطقة حرة للتبادل التجاري، وصولا إلى تأسيس مجموعة اقتصادية مغاربية.
بدورها، اعتبرت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، سعيدة العثماني، في مداخلة بعنوان "الثابت والمتحول في العلاقات الموريتانية المغربية في ضوء المتغيرات الإقليمية"، ألقتها خلال الجلسة الثانية، أن قدر البلدين هو التعاون والشراكة، مقترحة استثمار أوجه التشابه والاختلاف بينهما في بناء علاقات متكاملة.
وفي معرض حديثه عن الأبعاد الاجتماعية في العلاقات الموريتانية المغربية ودورها في رفع التحديات، تطرق أستاذ علم الاجتماع بجامعة نواكشوط العصرية، عبد الوهاب ولد محفوظ، إلى ثلاثة محاور تتعلق بوحدة الدم والنسب، ووحدة العادات والتقاليد، ووحدة القيم، مبرزا أهمية التركيز على الموارد البشرية، باعتبارها مصدر هذه الروابط الاجتماعية، من أجل خلق شراكة قوية واستشراف مستقبل أفضل في العلاقات بين البلدين.
أما أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد حركات، فأبرز في مداخلة خلال الجلسة الثالثة، بعنوان "دور الدبلوماسية الاقتصادية في بناء الشراكة المغربية الموريتانية"، أن هناك حاجة ملحة لدبلوماسية عملية للدفع بالعمل الاقتصادي والرفع من أدائه لتطوير شراكة بين البلدين، وفق مبدأ رابح-رابح.
يذكر أن المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، الذي يوجد مقره بنواكشوط، مؤسسة علمية مستقلة للبحوث والدراسات، تم تأسيسه عام 2007، من طرف أكاديميين متعددي التخصصات، ويهدف إلى سد الفراغ الحاصل في ميدان البحث العلمي بموريتانيا.
وينفذ المركز برنامجا سنويا يرتكز على ثلاثة محاور، تتعلق بالبحث العلمي عبر عقد ندوات علمية (دولية، إقليمية، ووطنية)، ودعم الانتقال الديمقراطي، وتعزيز القدرات المؤسسية لمنظمات المجتمع المدني.