تخوض السلطات الجزائرية معركة منذ عدة أشهر، بهدف كبح جماح فاتورة الواردات غير الأساسية، ومجابهة تبعات الأزمة النفطية التي تسببت في تراجع حاد في مداخيل البلاد من النقد الأجنبي. وقال خبراء ومسؤولون، إن سياسة الحكومة بفرض قيود على الاستيراد ستؤتي ثمارها في القريب العاجل، مع توقعات هبوط قيمة الواردات. وبلغت فاتورة واردات الجزائر العام الماضي، أكثر من 47 مليار دولار وفق إحصائيات رسمية، فيما تهدف الحكومة لتقليصها إلى حدود 35 مليار دولا في نهاية العام الحالي. وبدأت الجزائر، غير العضو في منظمة التجارة العالمية، بفرض قيود على الاستيراد وتحديد الكميات التي يمكن استيرادها منذ بداية 2016. وخصت القائمة الأولى السيارات وحديد البناء والاسمنت، ثم توسعت إلى الموز قبل أن تعلن أن الأمر أصبح يخص كل المواد دون استثناء. وكان الاستيراد يتم منذ تحرير التجارة الخارجية في بداية سنوات 1990 بمعاملة بنكية بين المتعامل الجزائري وممونه في الخارج، دون الحاجة إلى تدخل وزارة التجارة. وتعهدت الجزائر ببذل المستحيل من أجل خفض قيمة الواردات لكن من دون المس بأساسيات المواطن، وفرضت منتصف الشهر الماضي على كل المستوردين ضرورة الحصول على رخصة مسبقة قبل الاستيراد من الخارج. وستجدد الجزائر الرخص الخاصة بالسلع الأساسية المدعمة تلقائيا تفاديا للنقص، وهذه المواد هي السكر والزيت والحليب والقمح والأدوية، أما المواد الأخرى فتخضع لرخصة استيراد بمدة زمنية محددة. وأضاف الخبراء، في أحاديثهم مع "الأناضول"، إن الحكومة الجزائرية تكافح من أجل تعزيز إيراداتها التي تضررت كثيراً جراء تراجع أسعار النفط على مدار العامين والنصف الماضيين. وتضررت المالية العامة للجزائر (عضو منظمة أوبك) جراء تراجع أسعار النفط العالمية بأكثر من ثلثي قيمتها منذ منتصف 2014، إذ يشكل النفط والغاز 94% من إجمالي الصادرات و60% من ميزانية الدولة. وتهاوت مداخيل الجزائر من النقد الأجنبي جراء الأزمة النفطية، وتقول الحكومة أن العائدات تراجعت بأكثر من النصف نزولا من 60 مليار دولار عام 2014 إلى 27.5 مليار دولار فقط في 2016. وأصدرت الجزائر مرسوما تنفيذيا في 6 دجنبر 2015، حدد شروط وكيفيات تطبيق أنظمة رخص الاستيراد أو التصدير للمنتجات والبضائع المعنية بهذا الإجراء. وتسبب نظام الرخص المسبقة للاستيراد في ارتفاع كبير في أسعار بعض المنتجات في الجزائر على غرار السيارات وبعض الفواكه المستوردة كالموز والتفاح. وتضمن إعلان وزارة التجارة الجزائرية للمواد المعنية برخص الاستيراد لسنة 2017، قائمة من 19 سلعة ومنتج ما بين صناعية وزراعية محولة. وقال كمال رزيق، أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة (60 كيلومتر جنوب العاصمة) إن الحكومة مطالبة بتوضيح المعايير التي استندت عليها وزارة التجارة لاتخاذ هذا القرار وإدراج هذه السلع دون غيرها. وأوضح رزيق في حديث ل "الأناضول" أن قائمة ال 19 منتوجا التي وردت تجعلنا نتساءل هل هذا القرار أحادي أم تم الاتفاق عليه مع باقي الوزارات (الصناعة والفلاحة). وذكر بيان صادر عن وزارة التجارة الجزائرية في 25 من الشهر الماضي، اطلعت الأناضول عليه، إنه "تم فتح توطين بنكي لعملية تحرير رخص الاستيراد مع الاتحاد الأوروبي لقائمة السلع والمواد والحصص التعريفية لها لسنة 2017". والتوطين البنكي هو عملية تسجيل لدى أحد البنوك داخل البلاد تقضي بالموافقة على تحويل العملة الصعبة (النقد الأجنبي) إلى الخارج من طرف المستورد، لصالح الجهة المصدرة، وذلك دون الحصول على ترخيص مسبق من الجهات الحكومية. وأوضح المدير السابق لمصالح الرقابة وقمع الغش بوزارة التجارة الجزائرية، عبد الحميد بوكحنون ل "الأناضول، أن "تحرير عمليات التوطين البنكي للواردات التي تخص السلع القادمة من دول الاتحاد الأوربي معناه فتح مجال الواردات لكميات محددة من مواد غذائية وفلاحية دون خضوعها للحقوق الجمركية. وقال "بوكحنون" إن "إعلان وزارة التجارة جاء في إطار تطبيق اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي الذي دخل حيز التطبيق عام 2005. ومضى موضحا "كل عام هناك كمية محددة من المنتجات المعنية تخضع للإعفاء الجمركي في إطار اتفاق الشراكة بين الطرفين". وأضاف "الاتفاق ينص على استيراد 50 ألف طن من السكر مثلا دون خضوعها للحقوق الجمركية وتكون تكلفتها أقل ب 30%". ووفق المتحدث فإن القائمة تتضمن على وجه الخصوص مواد فلاحية وزراعية بالدرجة الأولى من لحوم طازجة ومجمدة وأسماك ومنتجات زراعية وغذائية.