يقال أن المناسبة شرط، ومناسبة إجراء هذا الحوار هو البلاغ الأخير لحزب "التقدم والاشتراكية"، الصادر الأسبوع الماضي، الذي لمح إلى أن عضوه أنس الدكالي، وزير الصحة السابق -دون أن يذكره بالاسم- "لم يعد يربطه أي علاقة بالحزب بعدما جرى فصله من جميع الهياكل منذ مدة طويلة"، في الوقت الذي يؤكد الدكالي، في هذا الحوار، أنه "لم ولن يغادر يوما الحزب وأنه لا زال عضوا بلجنته المركزية بعدما استقال بمحض إرادته من المكتب السياسي نظرا لاختلافه مع قيادة الحزب". وقبل أن يدخل ضيفنا في توضيح العديد من الأمور حول علاقته بالحزب و أمينه العام التي ساءت منذ أكتوبر 2019، عندما قررت قيادة "التقدم والاشتراكية" مغادرة الحكومة، في الوقت الذي أصر هو على معارضة هذا القرار، اختار ضيفنا أن نبدأ هذا الحوار بالحديث عن مجموعة من المواضيع الراهنة، على رأسها تقرير لجنة النموذج التنموي، و مشاركة الشباب في السياسة، وأشياء أخرى.
نبدأ هذا الحوار بالنقاش الدائر حاليا حول النموذج التنموي. كيف قرأتم تقرير لجنة شكيب بنموسى؟ أو بصيغة أخرى هل يستجيب هذا التقرير للانتظارات التي علقت عليه؟
أعتقد أن تقرير النموذج التنموي الجديد ضمن لنفسه كل شروط النجاح في بلوغ الأهداف التي سطرت له عندما اعتمدت اللجنة الخاصة على منهجية مبتكرة وغير مسبوقة متمثلة في جلسات الانصات والمشاورات الموسعة التي قامت بها على صعيد التراب الوطني مع المواطنات والمواطنين ومع مختلف الفاعلين في التنمية لإشراكهم في التشخيص وتملكهم لتوجهات وطموحات النموذج الجديد. كما حرصت اللجنة على نقل الواقع بأمانة عبر إرفاق التقرير العام بالملاحق الخاصة بجلسات الإنصات والمذكرات الموضوعاتية وكذا عبر تعدد وتنوع وسائل ودعامات التواصل المستعملة.
+ البعض يقول أن هذا التقرير لم يكن جريئا كما طلب بذلك الملك، واستعمل عبارات فضفاضة تميل إلى الدبلوماسية و " الصْوَاب" ؟
اعتقادي أن التقرير تضمن عبارات قوية، فعلى سبيل المثال يمكن أن عبارات قاسية للمواطنين خاصة من لدن الفئات الشابة، من قبيل "هناك من يتوفرون على كل شيء وهناك من لا يملكون أي شيء" أو "المغرب بلد في حالة حرب، ضحاياه الشباب" أو أيضا "لا شيء ينتظر من القادة السياسيين"، كترجمة لعدم الرضا وضعف الثقة السائد اليوم بين صفوف المجتمع. و هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه النموذج التنموي الجديد الذي أراد أن يتوجه بالأساس إلى هؤلاء الذين لم يستفيدوا بعد من التنمية في بلادنا خلال العقدين الأخيرين، في مجالات حيوية كالتعليم و الصحة و الشغل و السكن اللائق، و أن يضع الأسس لمعالجة هذا الوضع و تجاوز المعيقات التي حالت دون ذلك من قبيل غياب رؤية تنموية شمولية و مندمجة، و تعثر التحول الاقتصادي و استمرار الريع، و محدودية قدرات القطاع العمومي فيما يخص تنفيد السياسات و تقديم الخدمات العمومية، وكذا الشعور بضعف الحماية و عبء البيروقراطية و ضعف الثقة في منظومة العدالة، كما جاء في تقرير اللجنة. وهكذا يرفع النموذج التنموي شعار دولة قوية بمؤسساتها، تقوم بتطوير قدرات المواطنين وحمايتهم و صون كرامتهم إلى جانب مجتمع قوي بطاقات متحررة و مواطنين أحرار، يشكل المحرك الأساسي للتنمية و يعزز الشعور بالانتماء إلى الأمة.
+ تكلمتم عن تعثر التحول الاقتصادي وهذا رهين بتجاوز مجموعة من الإكراهات حتى يكون لنا اقتصاد منتجع يخلق القيمة المضافة ويوفر فرص الشغل بوفرة وجودة. في اعتقادك كيف يمكن تحقيق هذه المعادلة الصعبة ؟
تحول الاقتصاد مرتبط بتغيير هياكله والابتعاد عن اقتصاد الريع وتطوير علاقات الإنتاج بتثمين مكانة القوة العاملة ومواجهة الاقتصاد الغير المهيكل والاغراق (dumping) الضريبي والاجتماعي والبيئي والتهرب الضريبي.
لكن يبقى كل ذلك رهين بنهج مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار العوامل الغير الاقتصادية للتنمية، من تعزيز للديمقراطية بمفهومها العام و الديمقراطية التمثيلية و التشاركية بشكل خاص و احترام التعددية و تقوية دور المؤسسات المنتخبة و الأحزاب السياسية و ترسيخ مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة، و تأهيل الرأسمال البشري باستمرار المجهود العمومي في مجالي التعليم و الصحة مع تطوير الكفاءات و تحرير الطاقات الشابة و ضمان الحماية الاجتماعية، و تثمين الرأسمال اللامادي بالمحافظة على التنوع الثقافي و تكريس ثقافة حقوق الانسان في كل المجالات و توسيع مجال الحريات و تعزيز الثقة وقيم المواطنة داخل المجتمع.
ومن الاقتراحات الوجيهة التي جاء بها تقرير النموذج الجديد نجد على سبيل المثال، تشجيع القطاع الثالث كاقتصاد للمستقبل.
+ ما الذي تقصده بالقطاع الثالث ؟
هو المتمثل في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وكل المؤسسات الاقتصادية الغير النفعية التي تخدم المصلحة العامة من مقاولات اجتماعية وبيئية يمكنها أن تلعب أدوارا تنموية في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والثقافة والرياضة وكذا الماء والطاقة والاقتصاد الدائري إلى جانب القطاعات الإنتاجية المعروفة وأن تساهم أكثر في الناتج الداخلي الخام والتشغيل.
كل تلك التحولات المنشودة هي الكفيلة بإعطاء مزيد من النمو والتنمية في نفس الآن، بمضاعفة الناتج الداخلي الخام الفردي وتحسين بشكل ملموس مؤشرات التنمية البشرية في أفق 2035.
+ قد يقول البعض أننا سنحتاج إلى حكومة تكنوقراط لتنزيله، بحكم أن التكنوقراط هم من قاموا بوضع مضامينه، وبحكم أن رهاناته وتحدياته عابرة للأحزاب، والبعض قد يقول في الاتجاه الآخر أننا في حاجة لحكومة وحدة وطنية ويكون هذا التقرير هو خارطة الطريق الذي تلتف حوله جميع التيارات السياسية. بين هذا وذاك ما رأي السيد أنس الدكالي؟
في عز اشتداد الجائحة ونحن آنذاك على بعد سنة تقريبا عن الموعد المفترض للانتخابات التشريعية كان هناك تساؤل مشروع حول قدرة الفاعلين السياسيين الذين قد يصلون إلى تدبير الشأن العام على اقتراح حلول واقعية وقابلة للإنجاز للخروج من الأزمة وتدبير تداعياتها التي قد تزداد سوءا إن استمرت، وكذا إرساء خطاب مطمئن، ذو مصداقية ويزرع الأمل، بعيدا عن الحلول الجاهزة والخطابات الشعبوية المرفوعة من وجوه لم تعد تمثل سوى ظلها.
هناك كذلك من كان يريد أن يتم تأجيل الانتخابات وتعيين حكومة وحدة وطنية، وهناك من كان يدعو لحكومة تكنوقراطية. كان موقفي أنداك لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك. فالوحدة الوطنية لمواجهة الجائحة، أو التصدي لخصوم وحدتنا الترابية، أو لخدمة طموح تنموي جديد من خلال تنزيل مضامين النموذج كما ذكرتم، في إطار ميثاق وطني متجدد، لا تتعارض مع وجود أغلبية حكومية منسجمة ومعارضة قوية تراقب العمل الحكومي وترصد انزلاقاته وتقترح البدائل، خاصة والدستور الجديد منح لهاتين المؤسستين صلاحيات واسعة وأدوار متقدمة.
أما التقنوقراط من الكفاءات الوطنية العالية، فنحن نحتاجهم لتدبير محكم ومعقلن للشأن العام وإرساء حكامة جيدة، وعلينا أن نخشى عليهم من التهميش الذي يطالهم من بعض السياسيين في الإدارة والجماعات أو من الاستقطاب السياسي المبني على الخوف والطمع عوض القناعة. لكن مكانهم ليس في مواقع المسؤوليات السياسية، فجلهم لا يترشحون في الانتخابات ولا يحتكمون لصناديق الاقتراع ولا يبالون برقابة المنتخبين الذين اختارهم المواطنين لتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم. وهذا يتنافي مع نص الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا يخدم تجربتنا الديمقراطية الفتية التي نريد تقويتها.
فجوابا على سؤالكم، نحن لا نحتاج لا لحكومة وطنية ولا لحكومة تكنوقراط، بل لحكومة سياسية مسؤولة تنبثق من صناديق الاقتراع.
مازلنا في حاجة لحكومات سياسية و تقرير لجنة النموذج التنموي لا يلغي برامج الأحزاب
+ نحن على مقربة من الانتخابات التشريعية والجماعية، كيف ترى الأفق السياسي؟ هل سيكون لهذه الانتخابات طعم في نظرك؟
الانتخابات هي محطة مهمة في كل الديمقراطيات، ويمكننا أن نقيس مستوى الديمقراطية بحسب نسبة المشاركة والقدرة على التغيير من خلال نتائج الاقتراع. وهذا يقتضي أن تكون هناك أحزاب ديمقراطية متجذرة في التربة الاجتماعية من خلال قواعد واسعة، تقوم بأدوارها التأطيرية والتنويرية انطلاقا من مرجعياتها الفكرية والسياسية والابتعاد عن استعمال الدين والمال والأعمال في مشروعها المجتمعي وممارستها السياسية. أحزاب تشتغل على طول الوقت وليس مناسباتيا. أحزاب لا تتنصل من المحاسبة عند تحملها للمسؤولية، ولا تخفي عجزها وراء جيوب المقاومة والكائنات الخيالية. أحزاب قادرة على تجديد وتكوين نخبها الوطنية، الجهوية والمحلية، لكي تكون واعية بحجم المسؤوليات التي تنتظرها والمهام التي قد تناط بها، حاملة لرؤى وتصورات تنموية ومطلعة على أبجديات التدبير العمومي لتنزيلها. وهنا من حقنا التساؤل عشية الانتخابات، عما أعدته الأحزاب من نخب لخوض غمار هذه الاستحقاقات، من الكفاءات المتمرسة والأطر الشابة المتلائمة مع عصرها والمنفتحة على مستقبلها، والتواقة إلى التغيير.
للأسف، لا أعتقد أن تلك العناصر التي ذكرت متوفرة اليوم في مشهدنا السياسي والحزبي مع بعض الاستثناءات، ولعل ضعف الثقة في النخب والمؤسسات السياسية ظاهرة لا تخفى على أحد اليوم، مما قد يحد من أهمية الرهانات التي قد تشكلها انتخابات هذه السنة.
+ ألا نحتاج في اعتقادك لانفراج سياسي ومصالحة بين المواطن والفاعل السياسي حتى لا نصطدم بمشاركة متدنية في الانتخابات قد تكشف عورتنا؟ وهل ستتحقق المصالحة في نظرك في ظرف البضع أسابيع التي تفصلنا عن الانتخابات؟ شيء مستبعد حتما!
أحزابنا أبانت عن قصور في اتخاذ المبادرة، وقد ظهر ذلك جليا من خلال تدبير جائحة كورونا ومخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية. و حتى القوى الديمقراطية و التقدمية و الحداثية التي كانت موجودة و مؤثرة في مسار مغربنا المعاصر، فقدت مع مرور الوقت الكثير من بريقها، و لا أعتقد أنها قادرة في الحين على رفع تحديات المرحلة التاريخية التي نعيشها. أما الإسلام السياسي، فقد اصطدمت حلوله البسيطة بالواقع العنيد بتعقيداته. ستسعى جل الأحزاب، وللأسف حتى تلك التي كانت معروفة برفعة مستوى مناضليها ومرشحيها السياسي، لإنقاذ الموسم بلجوئها لوجهاء الانتخابات ممن بسلطة المال والجاه والمكانة الاجتماعية يمتلكون القدرة على رسم الخريطة الانتخابية. وربما هذا ما قد يغطي نسبيا على نسبة المشاركة المتدنية المحتملة كما ذكرتم.
+ في ظل هذا الانسداد السياسي الذي نعيشه، البعض قد يقول: ما جدوى الانتخابات؟ بحكم أن الحكومة المقبلة وكيفما كان الحزب الذي سيترأسها سيكون برنامجها معروفا وهو مضامين النموذج التنموي. قد يبدو هذا السؤال بالنسبة للبعض شبيها بحديث المقاهي، لكن له ما يبرره على المستوى الشعبي على الأقل!
النموذج التنموي هو عبارة عن أرضية مشتركة ومرجعية صلبة بالنسبة لكل الفاعلين في مجال التنمية وكل القوى الحية داخل المجتمع من أجل تحقيق أهداف وطموحات 2035. لقد تمت استشارة إحدى وثلاثين حزبا من طرف اللجنة وتوصلت بمساهماتهم. ولقد عكست اللجنة الأولويات والانشغالات الكبرى التي تتقاسمها الأحزاب السياسية. ولا أظن أن ما جاء به تقرير النموذج من أهداف ومؤشرات النتائج المرتبطة بها وكذا المعيقات التي يجب تجاوزها، والأولويات التي يجب التركيز عليها قد تكون حولها اختلافات جوهرية. لكن هذا لا يمنع الأحزاب أن تكون لها برامج بأهداف تنموية تتجاوز سقف الأهداف التي جاء بها النموذج، على أن تطرح سبلا مقنعة للتنزيل. لكن علينا أن نقر بأن هذا النموذج يجسد طموحا قويا سيكون من الصعب تجاوزه، وعلى الحكومات التي ستتعاقب على تنفيذ خلاصاته وتوصياته أن تتحلى بالحزم وروح المسؤولية وأن تبدع في وضع البرامج وابتكار الآليات والإجراءات المصاحبة لها وأيضا، أن تتمكن من تعبئة الموارد الضرورية لبلوغ أهدافه.
الأحزاب تحصر دور الشباب في "السخرة" و اللوجستيك خلال المؤتمرات والانتخابات
+ في ظل هذا الجدل يبرز سؤال جوهري، وهو المتعلق بإلغاء لائحة الشباب في الانتخابات التشريعية، أنت كنت واحدا ممن ضمنوا لأنفسهم مقعدا في البرلمان سنة 2011 عن طريق لائحة الشباب. هل ترى أن إلغاء هذه اللائحة كان قرارا صائبا؟
أتذكر أنه عندما ظهر مقترح لائحة الشباب لأول مرة، لم يكن ليروق البعض في قيادة الحزب وأثار سخرية البعض الآخر.
+ تقصد حزب "التقدم و الإشتراكية" ؟
نعم، فالحزب كان يدافع آنذاك وحتى اليوم عن لائحة وطنية للأطر. في حين أننا من أحسن الأحزاب التي أعطت صورة جيدة عن مشاركة الأطر الشابة في مجلس النواب والتي أتبتث نجاعتها وتأثيرها الإيجابي على أداء المؤسسة التشريعية. وقد ساعد السن الأقصى المتمثل في أربعين سنة من توفير عدد مهم من المرشحين الشباب ذوي التجربة السياسية وكذا الانتخابية.
أتأسف أن نرى اليوم أن هذه اللائحة الوطنية لم تجد من يدافع عن بقاءها سوى الشبيبات الحزبية، أمام تراجع واضح للقيادات الوطنية عن هذه الآلية. لكن هذا لا يعني أنه ليست هناك آليات لتشجيع المشاركة السياسية والانتخابية للشباب. والمسؤولية الأولى في ذلك تعود للأحزاب نفسها، لكن بشرط أن يتم تجاوز مجموعة من المعيقات والمتمثلة في غياب الديمقراطية الداخلية واحتكار القرار ومواقع المسؤولية واختزالها في دائرة ضيقة، وضعف الاهتمام بالتنظيمات الشبابية وإقصاء الأطر الشابة وإبعادها عن الأضواء، وحصر دور الشباب في تأثيث المشهد الحزبي والقيام بشكل موسمي بمهام "السخرة" واللوجستيك خلال المؤتمرات الوطنية والحملات الانتخابية.
+ يبدو أن قدر الشباب في الفترة الأخيرة هو التهميش، فوضعيتهم ليست أحسن حال حتى داخل تنظيماتهم الحزبية، مما يطرح سؤالا جوهريا، وهو المتعلق بضرورة تجديد النخب داخل الأحزاب والدفع بالشباب لقيادات الأحزاب بدل الوجوه التي ألفناها منذ عقود؟
تجديد النخب وتشبيب القيادات داخل الأحزاب هي مسألة ليست بالسهلة اعتبارا لعدة عوامل. فهناك عجز حقيقي في تكوين الشباب وتأطيرهم فكريا وسياسيا وأيضا عمليا على مستوى تدبير الشأن العام. وهناك غياب للتدبير التوقعي للمسارات السياسية للأطر الشابة وخير دليل على ذلك هو التهافت الملاحظ على ترشيح الأعيان عشية الانتخابات عوض المناضلين الشباب الذين لم يتم للأسف تسليحهم من أجل خوض غمارها.
هناك أيضا عدم التوفر على مساطر شفافة، أو عدم الالتزام بها عند وجودها، لتمكين الشباب من تحمل المسؤوليات الحزبية محليا ووطنيا. وهذا العجز الهيكلي هو الذي يبرر استمرار بعض الوجوه المألوفة كما ذكرت، في إرساء قبضتها على رأس هرم المسؤولية التنظيمية، بذريعة الخبرة والشرعية التاريخية والنضالية وحماية الهوية، التي تختبئ وراءها حتى تظل الأمور على حالها. فاليوم يمكننا أن نتكلم بصراحة عن صراع الأجيال داخل الأحزاب، لكنه يظل خفيا ومحاصرا نظرا لغياب آليات الديمقراطية الداخلية والنقاش الحر، وكل من يحاول أن يعبر يلجأ إلى الفضاء الأزرق مع خطر التعرض للتأديب والتهميش.
حزب "التقدم والاشتراكية" يشبه مركبا فقد بوصلته وسأترشح باسمه في الانتخابات المقبلة
+ على ذكر الانتخابات المقبلة. هل يمكن أن يترشح أناس الدكالي؟ وهل ستترشح باسم حزب "التقدم والاشتراكية" أم باسم حزب آخر؟
عبرت عن رغبتي قبل أشهر مضت في الترشح باسم حزبي، حزب التقدم والاشتراكية، على مستوى العاصمة الرباط، حيث كنت منتخبا بمجلسها الجماعي لمدة اثنا عشر سنة وكذلك بمجلسها الإقليمي لمدة ست سنوات وأيضا بمجلس الجهة لمدة ثلاث سنوات بصفتي النيابية البرلمانية، وراكمت من خلال ذلك تجربة لا بأس بها أريد أن أضعها اليوم بين يد الجيل الشاب من المناضلات والمناضلين داخل الحزب. لكن للأسف لم يتم التجاوب لحد الآن مع هذه الإرادة..
+ (مقاطعا) لكن هناك بلاغ أخير صادر عن الحزب يتبرأ منك، ويلمح لشخصك دون أن يذكرك بالاسم، ويقول إنه «لم يعد يربطك أي علاقة بالحزب بعدما جرى فصلك من جميع الهياكل منذ مدة طويلة". بداية هل ترى نفسك أنك أنت المعني بهذا البلاغ أم شخص آخر؟
نعم أنا المعني في البلاغ، وهذا ما يفسر تجاهل اقتراحي بشأن الانتخابات. لكن دعني أوضح الأمر ما دمتم ذكرتم البلاغ. فهذا البلاغ والبلاغ الذي سبقه، الصادر في أكتوبر 2019، والذي يزعم أنني وضعت نفسي خارج صفوف الحزب وأنني لم تعد تربطني أي صلة به، هي بلاغات لا تهم سوى من كتبها وليس لها أية قيمة قانونية، وهذا ما يفسر عدم لجوئي للقضاء آنذاك، اذ اعتبرت أن المسألة لا تعدو أن تكون سوى موقف لبعض الرفاق بالمكتب السياسي سامحهم الله، يزعجهم كثيرا بقائي في الحزب، وأن الوقت كفيل بتصحيح الوضع. لكن للأسف، الأمور لم تزدد إلا تدهورا والحزب اليوم يشبه مركبا فقد بوصلته، تأتيه الرياح من كل جانب ولا يعرف أين يولي وجهته.
وفيما يخصني، أريد أن أكرر من هذا المنبر، أنني لم ولن أغادر يوما الحزب وأنني لا زلت عضوا بلجنته المركزية بعدما استقلت بمحض إرادتي من المكتب السياسي نظرا لاختلافي مع من ذكرتهم من قبل، وسأعمل ما بوسعي إلى جانب الرفيقات والرفاق الأحرار، الغيورون على حزبهم وعلى هذا الإرث الوطني، لكي يتم تصحيح المسار الذي اتخذه الحزب، وإرجاعه إلى القيم التي أنتجتها مدرسته، وإلى النضال إلى جانب الفئات التي تأسس من أجل الدفاع عن مصالحها.
لم أتواصل منذ مدة مع الأمين العام وليست لدي اليوم طموحات في رئاسة الحزب
+ بعض تحركاتك الأخيرة، ولقاءاتك مع بعض رموز الحزب وقياديه السابقين تفهم على أساس أنك تهيئ نفسك من اليوم لتترشح لانتخابات الأمانة العامة المقررة السنة المقبلة. ما تعليقك؟
يمكن أن أقول لك أن الأمانة العامة هي آخر همنا اليوم. فنحن نعرف كرفاق خبروا العمل التنظيمي كيف كانت تستعمل هذه المسألة لتصفية مجموعة من القياديين الذين حاولوا بمداخلاتهم، ومواقفهم ونضالهم أن يصححوا الأوضاع داخل الحزب انطلاقا من قناعاتهم. فالأولوية اليوم بالنسبة إلينا هي كيف نجعل من جديد من الحزب فضاء ديمقراطيا، يسمح بالاختلاف والنقاش الحر والواعي، انطلاقا من هويتنا الاجتماعية، بالتحديات التي تواجه المغرب وتواجه شبابه والتي عبروا عنها بوضوح وجرأة للجنة النموذج التنموي.
+ هل مازالت لديك اتصالات مع أعضاء الديوان السياسي الحاليين؟
بالطبع، وكذلك مع أعضاء الرئاسة، إضافة إلى أعضاء اللجنة المركزية بكل أنحاء الوطن. ونقاشنا يكون دائما حول تشخيص أوضاع الحزب وسبل إعادة البريق له واسترداد جاذبيته، وإعطاء الشباب المكانة التي تؤهلهم ليلعبوا أدوارا طلائعية داخله. وأود بهذه المناسبة أن أشكر كل الرفيقات والرفاق الذين حاولوا القيام بمحولات للمصالحة بين مكونات الحزب، ولم ماضيه بحاضره استشرافا لمستقبل مزدهر ومشرق.
+ كيف هي علاقتك بالأمين العام ل "التقدم والاشتراكية" الملاحظ أنها لم تكن جيدة بعد النقاش الحاد الذي دار بينكم بعدما عارضت خروج الحزب من الحكومة في العام 2019. هل مازال الأمر على ما هو عليه إلى اليوم؟