تخوض المملكة المغربية مبارزة سياسية مع اسبانيا بدأت أولى جولاتها مع قرار ترسيم الحدود البحرية وإعلان الادارة الأمريكية اعترافها بسيادة المغرب على كامل تراب صحرائه، ثم أصبحت الحلبة ضيقة أكثر ولا تقبل إلا بخروج أحد الطرفين مهادنا أو مستسلما، لكن وبكثير من الكياسة يمكن للطرفين أن ينجحا في الاجتماع حول طاولة واحدة فوقها كل الملفات الخلافية. لما اختارت المملكة الاسبانية التعبير عن موقفها علنا من القرار السيادي للمغرب بترسيم حدوده البحرية في الحوض المتوسط والمحيط الأطلسي، وأعلنت معارضتها لإعلان ترامب بشأن الصحراء، جاءتها الخطابات من الرباط ومن التمثيلية الدبلوماسية في مدريد تطلب احترام سيادة البلاد وحقوقها المشروعة، وبعدها أصبح المتابع للشأن السياسي يلاحظ تغيرا في لهجة الخارجية المغربية ونهج أسلوب الندية في مواجهة المجموعة التي تقود الاتحاد الأوروبي.
ففي تصريح صحفي هو الأول لناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية منذ انطلاق "زحف المهاجرين" على مدينة سبتةالمحتلة، قال إن إسبانيا تحاول استغلال ما حدث في الثغر المحتل "مطيّة للهروب من النقاش الحقيقي" حول الأزمة المغربية- الإسبانية المتعلقة باستقبال إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو، وأكد الوزير أن "الأزمة ستستمر ما لم تتم تسوية سببها الحقيقي، فالمغرب يرفض تلقي هذا النوع من التخويف، القائم على صور نمطية بائدة، وسيظل واضحا بشأن أصل هذه الأزمة وتكونها والمسؤولين عنها".
وفي إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية، شدد الوزير على أن "المغرب لا يحتاج إلى تقييم من إسبانيا ووسائل إعلامها"، مذكرا في هذا السياق بأن المغرب أجهض 13 ألف محاولة للهجرة غير شرعية منذ 2017، وفكك 4163 شبكة تهريب وسجل 48 محاولة اقتحام لسبتة، وأكد أن "هناك حقيقة، هناك أرقام تستحق الاعتراف"، مشيرا إلى أن ما حدث في الثغر المحتل يذك ر أيضا ب "التكلفة المالية التي يتحملها المغرب لحسن الجوار، والتي أساء البعض استغلالها في الأيام الأخيرة".
ويرى محمد بادين اليطيوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الأمريكتين "بويبلا" بالمكسيك، أن تصريح ناصر بوريطة هو نوع من الاستفزاز الدبلوماسي لإبلاغ الجانب الاسباني أن ملف الهجرة يفرض سياسة مشتركة مبنية على التعاون، ولأجل نجاح هذا التعاون لا بد وأن يكون البلدان على اتفاق، فالخلاف أصله عدم رضى المغرب على ما فعلته مدريد حين وافقت على استقبل ابراهيم غالي.
أما عن قرار استدعاء السفيرة كريمة بنيعيش واتخاذ قرار بقائها في المغرب إلى حين تسوية الخلاف، يقول اليطيوي في حديثه مع "الأيام24" إنه رد فعل قوي قد يمهّد لتجميد محتمل للعلاقات بين الجانبين وتريد من خلاله الدبلوماسية المغربية أن يدرك الاسبان أن الحاجة ملحة للجلوس لطاولة النقاش.
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء غيّر قواعد اللعب وأن المملكة خرجت منتصرة من هذه المواجهة لأنها تمكنت من تلقين الاسبان الحدود التي لا يُمنع تجاوزها، وأن المغرب يهدف إلى إجبار مدريد على تغيير طريقة تعاطيها ملف الصحراء المغربية.