تأتي جولة الملك محمد السادس بإفريقيا، التي انطلقت أمس الثلاثاء من كيغالي (رواندا) كمرحلة أولى من جولة ملكية تقود الملك إلى تنزانيا وإثيوبيا، لتؤكد من جديد على تناسق استراتيجية الامتداد متعدد الأشكال للريادة الملكية بالقارة، وفق قاعدة شراكة رابح – ربح وتنمية متضامنة تضع الانسان الافريقي في صلب الانشغالات. وفي إطار هذه المقاربة الاستباقية، ما فتئ الملك منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين يضاعف المبادرات والشراكات مع البلدان الافريقية، وفق رؤية استراتيجية، تتميز بطابع ملكي أصيل ينهل من الالتزام الراسخ وفعالية المنهج، والذي جعل من جلالة الملك حامل لواء قارة إفريقية واثقة من مؤهلاتها، قارة مؤمنة بمزايا إقلاعها المشترك على مختلف الأصعدة.
اعتمادا على غنى وتنوع التجربة المغربية بالقارة الإفريقية، يلح الملك دوما، كما كان عليه الشأن في الخطاب الموجه إلى الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن إفريقيا يجب أن تكون "في صلب التعاون الدولي، من أجل التنمية، لمساعدتها على التخلص من ماضيها الاستعماري، وتحرير طاقاتها"، واضعا المجموعة الدولية أمام مسؤولياتها الأخلاقية والمعنوية من أجل الاستجابة للمتطلبات المرتبطة بالتنمية المستدامة والتوازن البيئي والبشري المأمول.
ووفق هذا المنظور، وضع الملك الاستراتيجية الإفريقية والتعاون جنوب – جنوب في صلب الدبلوماسية المغربية، مشددا على الضرورة الملحة لكي يتخلص التعاون الدولي من العوائق البيروقراطية من أجل تقديم المساعدة على بلورة تنمية مستدامة حقيقية بإفريقيا، وخلق الظروف المواتية من أجل تضافر كل الطاقات الإيجابية عبر القارة، وهي خطوة صارت أكثر إلحاحا بالنسبة للقارة التي أصبحت مطمعا للجماعات الإرهابية والانفصالية التي تنتعش في المياه العكرة للفوضى والاضطرابات.
ولعل إفريقيا القرن الواحد والعشرين، حسب النموذج الذي يدافع عنه جلالة الملك، ستكون قوية بفضل عواملها الداخلية للتنمية المستدامة، والتي أصبحت اليوم ممكنة فقط من خلال مراجعة طبيعة العلاقات القائمة حتى الوقت الراهن بين الشمال والجنوب.
وتشمل منهجية الملك، من بين عدة أمور، اعتماد رؤية شاملة ومتناسقة من أجل تنمية متضامنة للقارة الإفريقية، وهي مقاربة تقوم على معرفة عميقة بواقع القارة الإفريقية بتنوعها الكبير وخصائص قواها الحية الذاتية والفريدة، فضلا عن تحليل موضوعي للسياقات التي تعيش فيها، والعمل الميداني الجاد الذي يستجيب لتطلعاتها وانشغالاتها الحقيقية.
إفريقيا تأبى أن تبقى رهينة في يد أقلية لها مرامي ماضوية تدفع بالقارة نحو الانحدار، وتعيق إمكانياتها وتوفر البيئة الملائمة للفرقة والشقاق. ولهذا السبب بالضبط يجد نموذج التنمية على كل الأصعدة، الذي وضعه جلالة الملك، صدى إيجابيا في التطلعات المشروعة نحو الازدهار والرفاهية والتقدم المشترك الذي يخامر أفئدة الشعوب الأفريقية.
وتأتي الجولة الملكية بشرق إفريقيا لتذكر بأن المغرب مصمم على السير على نفس مدار التناسق الاستراتيجي، يوجهه التزام ملكي ثابت لتكثيف التعاون مع بلدان القارة، في إطار دينامية استباقية مثيرة للإعجاب، وبفضل خطوة منهجية مفعمة بالفرص الواعدة للتنمية المستدامة والأمن والطمأنينة الروحية بهذا الجزء من العالم.