تفاعلا مع النقاش المثار حول المرأة التي ادعت طول مكث الجنين في بطنها، وددت إيراد ما كتبه أستاذنا العلامة الدكتور أحمد الريسوني حفظه الله تعالى. ناقش أستاذنا مسألة أطول مدة الحمل، وتميزت مناقشته على وجازتها – حوالي أربع صفحات -، بثلات مميزات، نجليها في هذه التدوينة. الأولى : ذكر أستاذنا في أقصى مدة الحمل أقوال الإمام مالك وأبي حنيفة رحمهما الله وغيرهما من الفقهاء، وهي مدد قد تصل إلى سبع سنين، وقد نسب الإمام القرافي هذه الأقوال إلى الشارع، فاستغرب الدكتور الريسوني رأي الفقهاء، ووصف قول القرافي بالأغرب. وعلّق عليه بقوله : "فلست أدري أين نصّ الشارع على هذا ؟ وأين شرعه الله سبحانه وتعالى ؟ الحقيقة أننا إن قلنا : إن الله سبحانه قد أبطل هذا ونصّ على خلافه، لكُنّا أقوى حجة وأقرب رشدا". الثانية : انتقد الدكتور الريسوني المالكية والحنفية، رغم انتمائه إلى مدرستهم، مدرسة الاستحسان والاستصلاح والعرف وغيرها من الأصول التي تعد الحجر الأساس للفكر المقاصدي الذي اشتهر به أستاذنا، وفي المقابل، رجح رأي ابن حزم، وعضد موقفه بآرائه وأقواله، وهو الظاهري القح، وهذا من إنصاف أستاذنا، وبعده عن التعصب للمذهب، أو التعصب ضد ابن حزم. الثالثة : ناقش أستاذنا المسألةَ ضمن أطروحته، وهي أطروحة في الدراسات الإسلامية. ومن محاسنها أن صاحبها لم يكتف بمنهج (قال الإمام مالك، وخالفه أبو حنيفة، ورجح أشهب، وقال الباجي،….) بل انفتح على شعبة الطب، واعتمد على أطروحة في الموضوع للدكتورة عائشة فضلي، أستاذة في كلية طب الرباط، وقد أنجزت بحثا ميدانيا خلصت من خلاله إلى أن أطول مدة الحمل 310 أيام، أي 10 أشهر و 10 أيام، وعززت دراستها بدراسات مماثلة ومقاربة أخرى. وهذه إشارة ذات دلالة عميقة، تفرض على المشتغلين بالدراسات الفقهية أن ينفتحوا على علوم الطب أو الفلك أو غيرهما في القضايا المشتركة، والأهم من هذا كله، ما ختم به أستاذنا مناقشته للموضوع، حيث فتح النقاش على أفق أرحب وأوسع وأعم، فقال : "إن المسألة تحتاج إلى مراجعة أخرى، نحو اعتماد النتائج القطعية للأبحاث والدراسات الطبية الحديثة، فالقطعيات لا يمكن جحودها، ولا مناهضتها، ولا تجاهلها". ومن أراد أن يعرف قيمة ومكانة اجتهاد أستاذنا وعمق نظرته، وسعة أفقه، فليقارن رأيه برأي الشيخ ابن باز ورفيقه في المشيخة النجدية ابن العثيمين رحمهما الله تعالى. قال ابن باز في سياق فتوى حول إرث الجنين : "وإن ولدته لأكثر من أربع سنين من حين موت المورث فهو غير متحقق الوجود مطلقا؛ لأن أكثر مدة الحمل على المذهب أربع سنين، وذهب بعض أهل العلم إلى أن مدة الحمل لا حد لأكثرها وهو الأرجح دليلا". قال ابن العثيمين ردا على سؤال في برنامج إذاعي : "فابنك الآن والحمد لله ليس فيه شك وينبغي أن تزيل عن نفسك هذه الوساوس إزالة مطلقة أما أكثر مدة الحمل فإنه لا حد له على القول الراجح وإن كان بعض أهل العلم يحدها بأربع سنوات وبعضهم بأكثر ولكن ما دام الحمل متيقناً في بطن هذه المرأة فإنها حامل به إلى أن تضعه".