"استقالة إلياس".. محاولة أخرى لفك اللغز مصطفى الفن كثيرون تحدثوا عن "استقالة" إلياس العماري من الأمانة العامة للأصالة والمعاصرة باعتبارها "تفاعلا إيجابيا" مع الخطاب القاسي للملك في عيد العرش الذي خير الجميع بين أمرين: إما الاشتغال أو الانسحاب. لكن، قليلون أولئك الذين تحدثوا عن "معتقدات" و"طباع" المخزن في التعامل مع من هم في حكم "أبنائه" أو الذين اكتست عظامهم لحما من خيراته ونعيمه. والمخزن لن يقبل أبدا بذرة "عصيان" على التقاليد المرعية من طرف أولئك "االأبناء" الذين قذف بهم في التابوت واصطنعم لنفسه. وينبغي أن نعترف أن إلياس، بثقافته اليسارية، كثيرا ما "تمرد" عن هذه الطباع والطقوس التي تؤثث دار المخزن. وربما لهذا السبب كثيرا ما اشتكى مسؤولون في الدولة أو محسوبون عليها من "طباع" إلياس ومن "خرجاته" المحرجة للدولة، بل أحيانا حتى لرئيس الدولة. وأدعوكم هنا إلى إعادة مشاهدة حلقة ضيف القناة الأولى التي استضاف فيها التيجيني مؤخرا إلياس للحديث عن الحراك الشعبي بالريف. فقليلون أولئك الذين انتبهوا إلى مقطع ساخن كان له ما بعده في هذه الحلقة عندما ربط إلياس بين ذهاب الثقة في العمل السياسي بمجيء صديق الملك فؤاد عالي الهمة إلى الساحة السياسية في سنة 2007. صحيح أن إلياس لم يذكر فؤاد عالي الهمة بالاسم في هذا الخروج التلفزي لكن الرسالة وصلت وهي أن كل شيء جميل في العهد الجديد انتهى مع سنة 2006 ليبدأ في نظره مسلسل الكذب مع سنة 2007. أكثر من هذا، فقد اعترف إلياس في هذه الحلقة مع التيجيني بأنهم كانوا يكذبون على المواطنين. وهذا لعمري ليس خروجا تلفزيا عاديا. الأمر يتعلق هنا بمحاكمة كاملة الأركان خصصها إلياس لتلك المرحلة التأسيسية للبام في عهد "صديقه" فؤاد، فيما تكفل التلفزيون الرسمي بنقل هذه المحاكمة إلى المغاربة أجمعين. فماذا يعني هذا إن لم يكن هو "التمرد" بعينه؟ وليس صحيحا أن إلياس لم يكن يتوقع هذه "الاستقالة الاضطرارية"، بل ربما تأجلت لأكثر من مرة لحكمة يعلمها الله. ولأن إلياس كان يتوقع "استقالته" فقد اتصل يوما ما بزعيم العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران وطلب منه بأن يدعو له لعل الله يخرج عاقبته على خير. وقع هذا الاتصال بين الغريمين عقب واقعة الإعفاء الملكي لعبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة. فوحده إلياس من يستطيع أن يصهر كل هذه المفارقات داخل نفسه الواحدة دون أن يشعر بعدم التوازن. وما أكثر مفارقات إلياس المسؤولة مسؤولية مباشرة عما آل إليه الوضع داخل البام. وأذكر هنا أن العديد من قياديي الحزب لم يعودوا يتقبلون أن تمر اجتماعات المكتب السياسي شبيهة بأي باجتماع داخل ثكنة عسكرية. نعم هكذا يمر اجتماع أكبر حزب سياسي جاء ليزاحم الإسلاميين في تأطير الناس. يأخذ الزعيم الكلمة لساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات ليتحدث لوحده في كل شيء وليقول أي شيء ثم ينصرف على عجل لأن هناك مكالمة عليا جاءته للتو. وهذا واحد من الأسباب التي اضطر مغها العديد من قياديي البام إما إلى "الاختفاء القسري" أو إلى مقاطعة اجتماعات المكتب السياسي لأنها تمر بلا طعم وبلا رائحة. فهل يعقل مثلا أن يتغيب قياديون وازنون عن الاجتماع الأخير للمكتب السياسي رغم أن هذا الاجتماع ناقش أخطر قضية وهي استقالة الأمين العام للحزب؟ لقد تغيب اخشيشن وتغيب علي بلحاج وتغيب مصطفى الباكوري وتغيبت المرأة الثانية في الحزب وهي فاطمة الزهراء المنصوري وتغيب آخرون لا داعي لذكرهم. المثير أن فاطمة الزهراء المنصوري الغاضبة جدا من حزبها اتصلت بإلياس قبل أن تسافر في عطلة إلى الخارج لعلها تعرف ما إذا كان الحزب مقبلا على "مبادرة ما". لكن إلياس لم يخبرها بأي شيء قبل أن تفاجأ كما فوجئ الجميع بخبر الاستقالة. إذن إلياس له مسؤولية في هذه الغيابات غير المبررة التي يشتكي منها، وله أيضا مسؤولية في هذا الثراء الفاحش الذي ظهر على بعض رموز الحزب الذين لم يكونوا يملكون أي شيء. وأنا أستبعد ألا يكون إلياس على غير علم بواقعة شراء قيادي في الحزب ومسؤول في مؤسسة دستورية لإقامة فاخرة بملياري سنتيم "ليكيد" علما أن السيد لم يكن يملك وجبة عشاء قبل مجيئه إلى هذا الحزب. ولا أريد أن أذكر نماذج أخرى مماثلة. وهذه النماذج لا تسيء إلى الحزب لوحده وإنما تسيء ربما حتى لمؤسسه الأول. لماذا؟ لأن الرجل لم ينزل من عربة الحكم ليجمع المال، ولو كان الأمر كذلك لما نزل يمشي في الأسواق مع الناس وبسطائهم. الرجل نزل من عربة الحكم، بحس وطني عال، بهدف أسمى وهو تأسيس تجربة سياسية داعمة للإصلاحات الكبرى التي دشنها ملك البلاد منذ مجيئه إلى الحكم. فاتقوا الله يا عباد الله في حزب أسسه صديق الملك.